إبراهيم مصطفى:

ماذا بعد االنتخابات الرئاسية؟..

ارتفع عدد السكان بنحو 11 مليون نسمة فى فرتة ال تزيد عىل 7 سنوات

ال ينبغى النظر دائما إىل أن الزيادة السكانية هى املشكلة الرئيسية والعقبة أمام تحقيق التنمية

«َومـــاذا ِمبْصَر ِمـَن اُملْضِحكاِت.. َوَلِكّنُه َض ِح ٌك كال ُب َكا».

تذكرت بيت الشعر الفصيح للشاعر أبوالطّيب املتنبى، عندما قـرأت تقرير حديث صـادر عن وكالة «بلومبرج» األمريكية بشأن النمو السكانى فـى مصر، املضحك املبكى أن التقرير أرجـع السبب الرئيسى الرتفاع عدد املواليد فى مصر هـو تعبير املصريني عقب اإلطــاحــة بالرئيس األســبــق حسنى مــبــارك فــى 2011 بالفرحة والشعور ببهجة االنتصار عن طريق اإلجناب.

وعلى سبيل «الفشخرة» واالبتهاج بالثورة، ارتفع عدد املواليد فى مصر بنحو 11 مليون طفل خالل 7 سنوات، هذه الزيادة الضخمة فى النمو السكانى تعادل عدد سكان دولة اليونان، لذلك أدعوكم لقراءة ما حتمله أرقام احلالة السكانية فى مصر من تداعيات سلبية تؤثر بقوة على التنمية، وشعور املواطن بالنتائج اإليجابية خلطة اإلصــالح االقتصادى فى ضـوء قنبلة االنفجار السكانى.

بصفة عامة، يعنى النمو السكانى بأبسط معانيه الفرق بني معدل املواليد ومعدل الوفيات، ويُعرف هذا الفرق باسم معدل الزيادة الطبيعية، فقد شهد عدد سكان العالم تزايداً مطرداً نتيجة انخفاض مـعـدالت الـوفـيـات مـع بقاء معدالت املواليد مرتفعة، كذلك كـان من نتائج التقدم الكبير فى الطب والعالج أن ارتفع متوسط العمر إلى أعلى من 65 عاماً، بعد أن كان منذ 100 سنة ال يتجاوز 40 عاماً.

بالعودة مرة أخرى إلى تقرير وكالة بلومبرج، أشار إلى أن معدالت املواليد املرتفعة قد تكون من العواقب املستمرة غير املتوقعة للربيع العربى فى مصر، حيث ارتفع عـدد السكان بنحو 11 مليون نسمة فى فترة ال تزيد على 7 سنوات، كما ارتفع معدل اخلصوبة إلى 3.5 طفل لكل امرأة، وذلك بدالً من االنخفاض املتدرج الذى تستهدفه احلكومة إلى .2.1

وذكر التقرير، أن طفرة املواليد األخيرة سوف تــؤدى إلــى ارتـفـاع أعـــداد الباحثني عـن العمل جليل على األقـل فى املستقبل، وأن مصر اآلن تخاطر بالتحول أكثر إلى فئة الدول التى يزداد فيها معدل الشباب من إجمالى عدد السكان، وسيكون هؤالء الشباب أقل قدرة على ممارسة الدميقراطية، وأكثر عرضة للحكم االستبدادى والعنف السياسى.

وبغض النظر عن بعض االستنتاجات التى وردت فى تقرير وكالة بلومبرج، يجب أن ندرك أن الزيادة السكانية الرهيبة فى مصر هى قنبلة موقوتة تدفع للسير قدماً بسرعة الصاروخ نحو كارثة محققة، ولكى ندرك مدى خطورة املشكلة السكانية، يكفى العلم بأن عدد السكان قد ارتفع 4 أضعاف ونصف عما كان عليه عام .1952 لعل من املفيد أن نرجع إلى أرقام موثقة بشأن قضية النمو السكانى فى مصر، لذلك سوف استند إلى بيانات تعداد السكان ،2017-2006 وأطــرح بعض الـــدالالت التى تساهم فى شرح أبعاد املشكلة السكانية، وتأثيرها على التنمية.

ارتفع عدد السكان فى مصر من 72.6 مليون نسمة عـام 2006 إلـى 94.8 مليون نسمة عام

2017 مبعدل منو سنوى قدره ،%2.56 ويعتبر املجتمع املصرى مجتمعاً فتياً، حيث تشكل الفئة العمرية (أقل من 15 سنة) حوالى ثلث السكان بنسبة %34.2 عام 2017 مقابل %31.7 عام

،2006 كما بلغت نسبة الشباب فى الفئة العمرية 15( – 29 سنة) %26.8 مقابل %31.3 عام

،2006 أما نسبة السكان فى سن العمل 15( – 64 سنة) فقد سجلت أعلى نسبة من إجمالى السكان حيث تبلغ %61.9 عـام 2017 مقابل

%64.5 عام .2006 كما أشــار تقرير تـعـداد 2017 إلــى ظاهرة خطيرة عن التسرب من التعليم، فقد أشار إلى أن نسبة األفراد املتسربني من التعليم فى املرحلة االبتدائية واإلعدادية والثانوية بلغ نحو ،%7.3 وأن %26.8 لم يلتحقوا بالتعليم مطلقاً.

ترجع أسباب عدم االلتحاق أو التسرب من التعليم إلــى عــدم رغـبـة الـفـرد أو األســـرة فى

التعليم، ولـلـظـروف املـالـيـة لــأســرة، ولتكرار الرسوب أو صعوبة الوصول للمدرسة.

ومع الزيادة السكانية فى مصر بلغ مستوى الفقر نحو %27.8 على مستوى اجلمهورية ككل، بينما متيز الصعيد مبستوى فقر بلغ أكثر من

،%50 وتزداد املشكلة تعقيداً إذا اقترن مستوى الفقر مع األمية التى تصل حالياً إلى %25.8 عام 2017 مقابل %29.7 عام ،2006 أما معدل البطالة فقد بلغت نسبتها %11.9 من قوة العمل وليس تعداد السكان، حيث أن هناك أكثر من

29.47 مليون نسمة هم قوة العمل فى مصر. والزيادة السكانية الكبيرة ينعكس تأثيرها على خطط النمو، حيث تكون احلكومة ملتزمة بتوجيه املـــوارد املالية فـى املــوازنــة العامة للدولة إلى نواحى الصحة والتعليم واملرافق واملواصالت، لكى تستوعب الضغوط الناجتة عن تلك الزيادة.

وافتراض حتييد العوامل األخـرى التى تؤثر على شعور املواطن بنتائج اإلصالح االقتصادى، ســوف تلتهم الــذيــادة السكانية معظم النتائج اإليجابية التى يحققها االقتصاد املصرى فى مسيرة اإلصـــالح، وبالتالى لـن يشعر املواطن بأى حتسن فى ظروف املعيشة، وسوف تستمر معاناته مع الظروف املعيشية الصعبة.

إذ ينبغى أن تضع الدولة على سلم أولوياتها استراتيجيات واضحة قابلة للتنفيذ ملعاجلة كارثة الزيادة السكانية، واالسترشاد بالتجارب الناجحة لدول أخرى لديها كثافة سكانية كبيرة مثل الهند والصني وماليزيا استطاعت حتويل املشكلة إلى مورد هام يوظف فى حتقيق التنمية.

فــال ينبغى الـنـظـر دائـــمـــاً إلـــى أن الــزيــادة الـسـكـانـيـة هـــى املـشـكـلـة الـرئـيـسـيـة والـعـقـبـة أمـــام حتقيق التنمية، إال إذا لـم تضع الــدول االستراتيجيات الفعالة لالستفادة من السكان باعتبارهم من أهم موارد الدول، ويجب أال يتم إعداد االستراتيجيات مبعزل عن استراتيجيات التعليم والصحة واالستثمار وغيرها فهى جميعاً تتكامل مع بعض.

فعلى سبيل املثال، تأسست جمهورية الصني الشعبية عام ،1949 وكان عدد سكان فى ذلك الوقت 541.67 مليون نسمة، شهد عدد السكان فــى الـصـني ازديـــــاداً سـريـعـاً حتى عــام 1969 حيث وصــل إلــى 806.71 مليون نسمة، وفى السبعينيات من القرن املاضى شرعت الصني فى تنفيذ سياسة تنظيم األسرة للتحكم فى الزيادة السكانية ملواجهة املشكلة السكانية املتفاقمة. ويبلغ عـدد السكان وفقاً ألحـدث تعداد فى

2015 نحو 1.371 مليار نسمة، ومع ذلك حتقق الصني معدل منو اقتصادى بلغ %10 خالل آخر 10 أعوام. وتعتبر الـصـني سياسة تنظيم األســـرة من أهم سياسات الدولة، وتنفذ من خالل القوانني والــلــوائــح والتثقيف املجتمعى فــى أمـــور مثل التشجيع على تأخير الــزواج وتأخير اإلجنـاب وإجنــاب أطفال أقل عــدداً وتشجيع كل زوجني على إجنــاب طفل واحــد، وفـى األريـــاف، ميكن لأسرة أن تنجب طفًال ثانياً بعد بضع سنوات.

أما الهند، فيبلغ عدد السكان نحو 1.2 مليار نسمة، وبحسب دراســـات األمم املتحدة تكون مرشحة الحتالل املركز األول مستقبًال فى عدد السكان بحلول عــام ،2022 وعلى الـرغـم من ارتفاع نسبة الفقراء حيث ميثل الفقراء حوالى

%25 من السكان، متكنت الهند من االستفادة من الثروة البشرية فى عملية التنمية، ولديها أكـبـر عــدد مــن املتخصصني حــول الـعـالـم فى مجاالت كثيرة، كما أن االقتصاد الهندى يعد سادس أكبر اقتصاد فى العالم من، حيث الناجت اإلجمالى املحلى وأسرع اقتصاد منواً فى العالم.

وأنى أهيب باملجلس األعلى للسكان، أن يتيح للعامة االطالع على االستراتيجيات والتطبيقات التى تعالج املشكلة السكانية وفقاً ألطر زمنية محددة، فنحن أمام زيادة سكانية كبيرة، إذا لم تستطيع احلكومة احلد منها، يجب استغاللها فى التنمية، وإال أصبحت كارثة كبرى سوف يدفع ثمنها األجيال القادمة.