Al Borsa

ما خطوة بكين القادمة فى الحرب التجارية؟

-

غيرت الصين العالم، ولكنها فهمت ببطء أنها غيرت أيضا وجهة نظر العالم بشأنها، وتمر بكين حاليا بأوقات عصيبة، وحتى اآلن كان صعودها بشروطها الخاصة، وكـان هناك عثرات ونـزاعـات عرضية مع واشنطن، ولكن فى أغلب األحيان كان الغرب إما غير منتبه ألفعالها أو راضخ لها، واعتاد القادة الصينيون أن يقوموا باألشياء بطريقتهم، أما اآلن، فهى تخضع للضغوط والمحاسبة.

ومـن المغرى تصور أن قــادة الحزب الحاكم فى الصين لديهم استراتيجية موضوعة بعناية لالستجابة ألحدث حزمة تعريفات عقابية معلنة من قبل الرئيس األمريكى دونالد ترامب، والتى تعادل ضريبة بقيمة 25 مليار دوالر على الصادرات الصينية للواليات المتحدة، وهناك تصور بديهى بين الغربيين أن الصين دائما ما تفكر ثالث خطوات لأمام، ولكن تشير العالمات إلى خالف ذلك، ويبدو أن القيادة فى بكين أخذت على حين غرة.

وضاعت سنوات من البحث فى كيفية عمل أمريكا هباء بسبب عدم التوقعية المتعمدة لترامب، كما أن االستخبارا­ت الصينية ضعيفة، وال تتضمن المصادر رفيعة المستوى فـى واشـنـطـن وغـيـرهـا – والـذيـن اختارهم القادة الصينينون بعناية – المتشددين الذين يحددون وتيرة سير األمور فى الدائرة الداخلية حول الرئيس، وقضت بكين سنوات فى دراسة عملية صناعة القرار فى الواليات المتحدة والتى تتضمن عدة وكاالت لتكتشف باألخير أن ما يعرف عن ظهر قلب بشأن كيفية عمل الحكومة االمريكية عادة ال يعنى معرفة ما سيفعله الرئيس األمريكى تالياً أو لماذا.

وخالل السنوات العديدة الماضية أعادت الصين تشكيل ديناميكيات عالقتها مع الغرب، وإذ سألت معظم الـسـاسـة األوروبــي­ــيــن عـن رأيـهـم فـى الحرب التجارية الصينية االمريكية، سيقولون إن استراتيجية تـرامـب خطيرة ولـهـا نتائج عكسية وســـوف تنتهى بخسارة الطرفين، ولكن فيما بينهم يعترف من منهم مناصر للتجارة الحرة ومتعددة األطراف برضاه إلى حد ما عن أن أحداً «وقف فى وجه» بكين.

ومنذ فترة ليست ببعيدة، نظرت معظم الحكومات الغربية إلــى بكين مـن خــالل عـدسـة الـسـوق الغنى بالفرص، والبعض ال يزال يميل لهذا الرأى، ولكن فى أوروبــا على األقـل، بدأ تزايد حضور بكين فى إثارة الشكوك بأنها تستخدم قدرتها المالية كأداة للتأثير فى القرارات الجيوسياسي­ة، كما أن امتالكها التكنولوجي­ا الغربية بال هوادة غير المزاج تجاهها، وفجأة ظهرت الصين كتهديد استراتيجى بقدر ما هى فرصة سوقية.

ولكن هذا ال يعنى أن التعريفات التجارية لترامب هى استجابة عقالنية، وإذا قادت الردود االنتقامية من قبل الصين إلى المزيد من التصعيد األمريكى فسوف ينتهى االمر بالعالم فى حالة حرب تجارية كاملة وركود اقتصادى، وســوف تكون بكين حمقاء إذا قللت من قدر التحالف الغريب الذى بطريقة أو بأخرى يجد نفسه واقفاً خلف الرئيس األمريكي، وهناك الكثير من الكارهين للصين الذين يختلفون بشدة مع وجهات نظر ترامب بشأن التجارة ولكنهم يرحبون بأى فرصة لكبح جماح بكين.

وإذا كانت بكين ذكية، فسوف تبدأ باالعتراف بمخاطر الصدام األوسع، ومن غير المثير للدهشة أن رئيس الـــوزراء الصينى شى جين بينج يشعر بالحاجة إلى االستجابة ألحدث التعريفات، ولكن الــردود االنتقامية سـوف تثير المزيد من الـردود االنتقامية، أما االستجابة الذكية فستترك الباب مفتوحا الستئناف المفاوضات الجادة، وإذا انتظرت الصين حتى انتخابات منتصف الفترة الرئاسية فى نوفمبر، فإن ذلك سيعطيها المساحة لتقييم إلى أى مدى تؤثر الضغوط السياسية قصيرة األجل على ترامب.

ومن ناحية أخرى، فإن أى استجابة عنيفة سوف تفتح الباب لهؤالء فى واشنطن الذين يريدون فرض مجموعة دائمة من القيود على العالقات االقتصادية بين الـبـلـديـ­ن، وهـنـاك سـاسـة فـى الـغـرب مهوسون بذكريات القواعد التى منعت نقل التكنولوجي­ا إلى االتحاد السوفييتى خالل الحرب الباردة، ولكن شركات التكنولوجي­ا األمريكية اليوم لديها مصالح عميقة فى الصين، ولكن بكين ستكون الخاسر األكبر من اآلثار المرتدة على قطاعها التكنولوجى من النزاع الحالى.

وسـوف تكون المهمة األصعب لبكين هى إدراك أنها السبب فى محنتها الحالية إلى حد بعيد، ولدى قـادة االعمال، والمفاوضين التجاريين، والمحامين التجاريين فى الغرب قصص عن وعود نكثتها بكين وعــن عـوائـق غير معقولة لممارسة األعــمــا­ل على أراضيها، وعن فقدانهم لحقوق ملكية فكرية، وإذا أرادت الصين كسب المجادالت فى واشنطن فهى بحاجة إلى أصدقاء فى مجتمع األعمال األمريكي.

وفى العقود األولى لصعود الصين، مكنتها سياسة «أخفى قوتك واكسب وقتك» من السيطرة على قصتها الخاصة، ولكن الغطرسة أعطت الفرصة لنقادها، وربما يتيعن على شى جين بينج أن يفكر فى أن حالة القوة العظمى أيضاً لها مشكالتها الخاصة.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Egypt