الخلطة السرية لتقدم االقتصادات الناشئة
تحقق بعض الدول نمواً سريعًا ومتوافقًا نسبيًا عىل مدى فرتات طويلة
غالباً ما يتم جتميع االقتصادات الناشئة معاً، وكأنها كتلة واحـــدة، ولكن عندما يتعلق األمر باألداء االقتصادى ستجد تضارباً واسع النطاق فيما بينها؛ حيث حتقق بعض الدول منواً سريعاً ومتوافقاً نسبياً على مدى فترات طويلة.. إذاً فما هو سر تلك الدول؟ فى االستعراض األخير الــذى أجــراه معهد «ماكينزى العاملى لألبحاث االقتصادية» لنمو الناجت املحلى اإلجمالى للفرد الواحد فى 71 اقتصاداً ناشئاً، برز 18 اقتصاداً، مــن بينها 7 دول، وهـــى الـصـني وهـــوجن كـوجن وإندونيسيا وماليزيا وسنغافورة وكوريا اجلنوبية وتايالند، سجلت منـواً للناجت املحلى اإلجمالى للفرد بنسبة %3.5 على األقل سنوياً فى نصف قرن، بدءاً من عام 1965 وحتى .2016 ولطاملا سعى االقتصاديون املعنيون بالتنمية الكتشاف «اخللطة السرية» التى متكن اقتصادات معينة من حتقيق منو أكثر استقراراً وقوة من نظيراتها، ولكن إلقاء نظرة عامة على ما تشترك فيه هذه االقتصادات الثمانية عشر يوفر رؤى قوية حول ما تتكون منه هذه اخللطة.
مـــن مــنــظــور الــســيــاســات الـــعـــامـــة، اتـبـعـت االقتصادات الـ81 البارزة سياسات داعمة للنمو شجعت على دورة إيجابية من زيــادة اإلنتاجية والدخل والطلب، وتضم هذه السياسات، على سبيل املثال، خطوات لزيادة جتميع رأس املال من خالل مدخرات املعاش التقاعدى اإلجبارى واجلهود املبذولة لتعزيز كفاءة احلكومة والتدابير الالزمة لتشجيع ديناميكيات أكثر تنافسية فى السوق املحلى.
وأتـــاحـــت هـــذه الـسـيـاسـات ظــهــور جـيـل من الشركات الكبيرة التى عملت كمحركات قوية لنمو الناجت املحلى اإلجمالى، وبالفعل متتلك االقتصادات الناشئة الـ81 ضعف عدد الشركات العامة املـدرجـة فى البورصة بـإيـرادات سنوية 500 مليون دوالر أو أكثر، مقارنة بالدول النامية األخرى.
وتضاعفت نسبة اإليـرادات إلى الناجت املحلى اإلجمالى فى هذه الدول مبقدار 3 مرات خالل 20 عاماً فقط، من %22 عام 1995 إلى %64 عام ،2016 وهى نسبة أعلى بكثير من النسبة املسجلة باالقتصادات الناشئة األخرى، وتقترب، أيضاً، من مستويات الــدول عالية الدخل، كما ارتفعت مساهمة القيمة املضافة للناجت املحلى اإلجمالى بشكل حاد من %11 إلى %27 خالل الفترة ذاتها.
وفـى الفترة بني عامى 1995 وحتى ،2016 زادت الشركات الكبيرة املـدرجـة فى األســواق الناشئة األسرع منواً من صافى دخلها السنوى بوتيرة أسرع من نظيراتها باالقتصادات النامية واملتقدمة بنسبة تتراوح من %2 إلى .%5
أمـــا فــى الـفـتـرة بــني عـامـى 2005 ،2016و سـاهـمـت الـشـركـات بنحو %40 مــن إجمالى اإليـــرادات الكلية ومنـو الدخل الصافى جلميع الشركات العامة الكبرى فى العالم، رغم أنها لم تشكل سوى %25 من إجمالى اإليرادات وصافى الدخل فى ،2016 مع العلم أن أكثر من 120 من هذه الشركات اندرجت ضمن قائمة «فورتشن جلوبال »500 منذ عام .2000
وال تعزز شركات االقتصاديات الناشئة األكثر جنـاحـاً، التى متيل إلــى أن تكون موجهة نحو التصدير، النمو االقتصادى فقط، بل إنها تساعد، أيضاً، بتحفيز التقدم فى بيئة األعمال، بجانب تعزيز مكاسب اإلنتاجية من خالل االستثمار فى األصول واألبحاث والتطوير والتدريب الوظيفى مبعدل أعلى من الشركات الصغيرة واملتوسطة، رغم أن هذه الشركات األخيرة تعد أيضاً عناصر أسـاسـيـة لنظم الـعـمـل األيـديـولـوجـيـة بـالـدول الناجحة.
ويبقى السؤال اآلن يــدور حـول ما إذا كانت االقـتـصـادات الناشئة عالية األداء قــادرة على احلـفـاظ على منـو سـريـع وثــابــت، ومــا إذا كان أقرانها يستطيعون االقتداء بنجاحهم، مع العلم أنه فى ظل التغييرات بالبيئة االقتصادية يكون التحدى كبيراً بالتأكيد.
فى البداية، توجد ظاهرة التخلى السابق آلوانه عن احلركة الصناعية والتى بدأت فى الترسخ، مع وصول منو التصنيع بالدول النامية إلى ذروته عند مستويات دخـل أقـل بكثير مما كـان عليه فى املاضى، بجانب مواجهة االقتصادات بجميع أنحاء العالم حتديات بسبب ارتفاع األمتتة، وتغير أمناط التجارة أيضاً.
ومــع ذلـــك، يجب عــدم االستهانة بإمكانات االقتصادات الناشئة، فــإذا كانت االقتصادات الناشئة الـ35 األخرى تتطابق منو إنتاجيتها مع أقرانها الـ81 ذات األداء املرتفع، فإن االقتصاد العاملى سيساوى 11 تريليون دوالر بحلول عام ،2030 أى ما يعادل صني أخرى.
وسيكون مفتاح االقتصادات الناشئة هو اغتنام الفرص املتاحة، فعلى سبيل املثال عندما تنتقل الصني من قطاعات الصناعات منخفضة التكلفة إلــى الصناعات كثيفة املـعـرفـة، فإنها ستخلق مساحة للدول منخفضة الدخل مثل بنجالديش وفيتنام لتوسيع قطاعاتها الصناعية.
وعلى مـدى السنوات الـ51 املاضية، شكلت االقتصادات الناشئة نحو ثلثى منو الناجت املحلى اإلجمالى العاملى، ومـن املرجح أن يستمر هذا األمر، فإذا طبقت الدول سياسات ذكية مستوحاة مــن الـــــدروس املـسـتـفـادة مــن نـظـرائـهـا األكـثـر ديناميكية قد يسود النمو القوى واملـطـرد فى العالم الناشئ.