Al Borsa

مركز بحثى أمريكى: مصر تستطيع االستفادة اقتصادًيا من سد النهضة

«أتالنتيك كاونسل»: عىل أطراف املشكلة الرتكيز عىل الفرص املتاحة ملشاريع التنمية املشرتكة فى الزراعة

- كتبت ــ منى عوض:

لعقود من الزمان، وضعت مصر تركيزها على سياستها اخلارجية فى الشرق األوسط وشمال أفـريـقـيـ­ا بشكل أســاســي، متغافلة سياساتها اخلارجية فى القرن األفريقي، وبالتالى بدأت أثيوبيا فى عمليات تشييد وبناء سد النهضة اإلثيوبى الكبير على نهر النيل.

وقال موقع «أتالنتيك كاونسل» األمريكى إن مشاكل نهر النيل ال تــزال مستمرة فى مصر، نظًرا ألن اجلفاف وارتفاع درجات احلرارة واآلثار العامة لتغير املناخ يحتاج إلى استجابة ضرورية فى مواجهة االحتياجات املتزايدة من املياه فى البالد.

فى عـام ،2013 اعترف الرئيس عبدالفتاح السيسى بــأن نهر النيل أصـبـح سريًعا يشكل التهديد األكـبـر ألمــن الـبـالد، فعلى الـرغـم من التواصل الدبلوماسى الواسع النطاق مع الدول فى جميع أنحاء املنطقة وفى ظل االقتراب من انتهاء تشييد سد النهضة، ال تزال مصر وإثيوبيا والــســود­ان- تلك الـــدول الـثـالث املنخرطة فى النزاع- بعيدة متاما عن التوصل إلى أى اتفاق حول مستقبل النيل كما كان احلال عندما كانت فكرة تشييد السد مجرد مقترح.

واآلن، أصبح الصمت املصرى يهدد هويتها وتراثها الذى يتمثل فى القدرة على الوصول إلى نهر النيل. ولكن مـا هـى هـذه األزمـــة؟ ومـــاذا تعنى بالنسبة ملصر؟

تعتبر مصر دولة تندر فيها املياه، فكلما استمر ارتفاع كثافتها السكانية مبعدالت كبيرة، حوالى

%2 سنويا، كلما جتـاوزت احتياجاتها من املياه احلجم الذى تستطيع احلصول عليه واستهالكها بشكل كبير، وبالتالى أصبح سد النهضة رمزاً لندرة املياه.

ومـن السهل بالتأكيد أن توجه مصر، سواء شعبها وحكومتها، أصـابـع االتـهـام إلـى إثيوبيا ولومها على أى نقص وشيك فى املياه، فبدون شك سيؤثر سد النهضة، وهـو سد كهرومائي، وخزانه، الذى يستوعب ما يصل إلى 74 مليار متر مكعب، بشكل مباشر على مصر ويخفض حصتها احلالية من نهر النيل.

وال يـــزال النهر نفسه أيـضـا قضية محلية حساسة، حيث يستمر النوبيون باملطالبة بحقوقهم التى وعدوا بها بعد تهجيرهم فى فترة الستينيات لبناء السد العالى فى أسوان، ومازالوا يطالبون بحق العودة إلى أراضيهم.

ومع ذلك، ال يزال السياسيون والقادة املصريون يتجاهلون الواقع الصارخ لهدر املياه فى مصر وفقدان كميات ضخمة من املياه نتيجة تبخرها فـى السد العالى واالفـتـقـ­ار لسياسات تسعير املياه ملجتمعها الزراعى واالفتقار للتكنولوجي­ات الزراعية املتقدمة.

وتـواصـل مصر زراعــة محاصيل تعتمد على اســتــهــ­الك كـمـيـات كـبـيـرة مــن املــيــاه بـــدال من املحاصيل ذات القيمة املضافة، التى ميكن أن تدر دخال من خالل تصديرها إلى األسواق العاملية، مع احلد من استهالكها للمياه فى الوقت نفسه.

وفى ظل مساعيها للحد من إنتاج املحاصيل التى تعتمد على االستخدام الغزير للمياه، حظرت احلكومة املصرية ما يصل إلى %75 من إنتاج األرز فى جميع أنحاء البالد استعدادا لالنخفاض املتوقع فى املياه، ولكن هذا القرار لم يوفر أى موارد أو مصدر دخل بديلة للمزارعني، كما أنه ال يراقب اإلنتاج.

ومــن املـرجـح اسـتـمـرار بعض املــزارعـ­ـني فى زراعــة األرز عبر أساليب الــرى التى تستخدم مياه غزيرة، نظرا لعدم حتمل املزارعني فى مصر تكلفة استخدام املياه.

وال يـــزال قـــادة مصر ينظرون إلــى الـزراعـة عبر عـدسـة االسـتـهـا­لك املحلى واحلــاجــ­ة إلى إطعام السكان، خاصة فى املجتمعات احلضرية، فالنموذج الــزراعــ­ى احلـالـى غير مستدام بكل بساطة، كما أن مصر ستتأثر بشدة من بناء سد النهضة اإلثيوبي، ولكن يبقى السؤال هنا إلى أى مدى ستتأثر البالد؟ جدال حول ملء اخلزان

كانت وثيقة إعــالن مـبـادئ سـد النهضة فى

عام ،2015 التى وقعت عليها الدول الثالث فى اخلرطوم، مبثابة جناح دبلوماسى بالنسبة ملصر، فقد ألـزمـت إثيوبيا بـإجـراء دراســـات مستقلة حول آثار املشروع واجلدول الزمنى مللء اخلزان واستخدام السد، ومع ذلك، ال تزال مصر تكافح للتوصل إلــى تسوية دبلوماسية مـع شركائها األفارقة.

ويكمن مصدر القلق الرئيسى فى عدم توصل الدول الثالث إلى اتفاق بشأن وقت ملء اخلزان املثير للجدل، أى اجلــدول الزمنى مللء اخلزان الكامن خلف سـد النهضة، ومــا هـى العواقب املترتبة على اقتصاد مصر وشعبها إثر انخفاض قدرة البالد فى الوصول إلى املياه.

ومـــن املـتـوقـع أن يتسبب مـــلء اخلــــزان فى انخفاض إمـدادات مصر من املياه بنسبة %10 خالل ستة أعوام، مما قد يدمر كمية كبيرة من اإلنتاج الزراعى على طول نهر النيل.

وميكن أن جتد مصر نفسها تعانى على املدى الطويل، خاصة إذا لم تستطع الـدول املتضررة الـوصـول إلـى اتفاقية مستدامة للمياه العابرة لـلـحـدود وإجــــراء املـزيـد مـن التطوير فـى دول املصب، مبا فى ذلـك تشييد مزيد من السدود وتقليل تدفق مياه الري.

ورغـم أن اخلبراء يحذرون من أن أى تهديد ملصر ناجت عن الزراعة السودانية سيكون غير متكافئ بشكل كبير، إال أنه يشكل أكبر تهديد مباشر إذا حتقق.

ومـن املتوقع أن يؤثر فقدان املياه فى مصر على ما يتراوح بني 7 و01 ماليني شخص تقريبا ممن ترتبط حياتهم بـاألرض، ومن غير املحتمل أن يتأثر صعيد مصر بشكل مباشر إلمكانية وصولهم إلـى سد أســوان، ولكن أراضــى الدلتا ووادى النيل ستكون األكثر تضررا، وفى الواقع هم يتأثرون بالفعل.

وتتضح ندرة املياه فى تصاريح البناء املمنوحة للمزارعني الذين ميلكون مساحات شاسعة من األراضى، فالبناء يعد وسيلة سريعة لكسب املال فى عصر التراجع االقتصادي، وبالتالى يتزايد

تشييد املبانى السكانية وتتحول املزارع فى جميع أنحاء املنطقة من مراع خضر إلى مباني.

وفى الوقت نفسه، يتناقص اإلنتاج الزراعى املحلي، مما يسبب مزيًدا من التداعيات، خاصة مع ارتفاع مستويات امللوحة فى الدلتا، التى تنتج فى األساس نتيجة ارتفاع منسوب مياه البحر. ماذا يعنى هذا؟

من الناحية الواقعية، ال ينبغى أن يكون احلد من الوصول إلى املياه هو املعركة الوجودية التى تتوهمها مصر، فالتكنولوج­يات اجلديدة التى تستخدم الطاقة الشمسية ميكن تنفيذها لدعم املجتمع الزراعى فى البالد وحتقيق اإليــرادا­ت التى حتتاجها البالد وحتقيق التوازن فى موازنتها اخلاصة بالواردات والصادرات.

فى نهاية املطاف، ال ميكن أن يتسبب احلد مـــن مـجـتـمـع املـــزارع­ـــني بــــدون تـوفـيـر مـصـدر بديل للعمل إال فى إضافة مزيد من الضغوط االجتماعية واالقتصادي­ة احلالية داخل البالد، مبا أن الضغوط االقتصادية املحلية كبيرة بالفعل، كما أن إضافة املزيد من العاطلني عن العمل إلى األعداد املتزايدة، التى تتزايد بسبب ارتفاع الكثافة السكانية بشكل سريع، لن تؤدى إال إلى تفاقم األزمة.

وحتى اآلن، يبدو أن احلكومة املصرية ال متتلك أى حلول سياسية، فكل ما تقوم به هو فرض مزيد من اإلجــراءا­ت التقشفية بشكل منتظم ملواجهة التدهور االقتصادى الذى تعانى منه البالد، رغم أن األزمة موجودة بالفعل.

وتتجاوز قضايا سد النهضة اآلثار االجتماعية االقتصادية املحلية بكثير، فمن الناحية السياسية بعد فرض «خطها األحمر»- وهى لعبة محصلتها صـفـر جلـعـل ســيــاســ­ات إثـيـوبـيـ­ا تـتـمـاشـى مع احتياجات مصر- جتد مصر نفسها واقعة فى مأزق.

ويشكل سد النهضة معضلة رئيسية بالنسبة للمصريني، فالتنمية األحادية اجلانب لنهر النيل الـتـى جتريها دول املـصـب، فـى ظـل غـيـاب أى اتفاقيات إدارية فعالة، من املحتمل أن يكون لها تأثير ضار على مصر وعلى قدرتها فى الوصول إلى املياه.

ومن وجهة النظر املصرية، ال ميكن ترك مثل هذه األنشطة، التى تقوم بها إثيوبيا أو غيرها، مستمرة دون رادع، خاصة فى ظل قول املسئولني إن األنشطة القائمة على طول ضفاف نهر النيل تشكل تهديدا لألمن القومي.

ومتتلك مصر مصلحة كامنة فى ضمان اقتياد مفاوضات سـد النهضة إلــى استعادة مكانتها باعتبارها قوة مهيمنة على نهر النيل، رغم موقعها الذى يجعلها أبعد دول املصب.

وفــى الـوقـت الـــذى فـوتـت فيه مصر فرصة محاولة املضى قدما فى مشروع سد النهضة والتحول لتكون شريكا أساسيا فى تنمية السد، ال يجب على املصريني جتاهل الفرص االقتصادية املوجودة اآلن نتيجة السد.

وفى ظل اجتاه اجلميع نحو التوصل إلى حل بشأن السد، يجب أن تركز األطراف على الفرص املتاحة فيما يتعلق مببيعات الكهرباء وواردات الـغـذاء واإلمـكـان­ـات املستقبلية لـالنـخـرا­ط فى مشاريع التنمية املشتركة فى الزراعة، التى ميكن أن تفيد الــدول الثالث املشاركة فى االتفاقية، لذلك يجب أن تنطوى أى اتفاقيات حول النهر على إمكانية املشاركة االقتصادية املشتركة فيما يتعلق بتطوير النهر واملـشـاري­ـع املستقبلية فى الزراعة والرى والتكنولوج­يا األكثر تقدما املتعلقة بالزراعة املائية.

ويجب على الثالث دول إشراك حلفاء دوليني ومنظمات متعددة األطـراف، مثل البنك الدولى وصندوق النقد الدولى ودول اخلليج واألصدقاء من منطقة القرن األفريقي، للحصول على الدعم الـــالزم لتنمية املنطقة ككل، فمشاركة الــدول املستثمرة فـى سـد النهضة ودعــم أطــر العمل املتعددة األطــراف ملراقبة النهر نفسه وإدارتــه بفعالية سيزود الــدول الثالث بالقدرة الالزمة للتوصل التفاق طويل األمد.

وإذا مت التوصل إلـى مثل هـذا االتـفـاق، من املمكن النجاة من آثار تغيرات املناخ، واألهم من ذلك حماية مصالح جميع الــدول، مع استمرار فتح اآلفاق أمام اإلمكانات االقتصادية والبيئية املوجودة، التى بدورها ميكن أن توفر فى نهاية املطاف أمنا سياسيا لكل الدول الثالث.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Egypt