Al Borsa

متى نصبح مجتمعاً غير نقدى؟

- بقلم: هانى أبوالفتوح خبير اقتصادى

أخـــيـــر­اً.. وافـــق مجلس الــــوزرا­ء على مشروع قانون تنظيم الدفع غير النقدى فى إطار حتقيق توجه الدولة نحو الشمول املالى الذى يهدف إلى أن يجد كل فرد أو مؤسسة أو نشاط أعمال فى املجتمع منتجات مالية مناسبة الحتياجاته. ليس هذا فحسب، بل يحقق الدفع غير النقدى خفض استخدام أوراق النقد خارج القطاع املصرفى، ودعم وحتفيز استخدام الوسائل والقنوات اإللكتروني­ة فى الدفع بدالً عنه. يبقى السؤال املهم، هل تصبح مصر إلى حد معقول مجتمع غير نقدى؟

مصطلح املجتمع غير النقدى هو وضع اقتصادى يتم فيه نقل القيمة من خـالل البيانات الرقمية (عــادًة ما تكون أمــواالً إلكترونية) بني أى طرفني بينهما معامالت مالية بدالً من استخدام األموال النقدية التى تتمثل فى العمالت الورقية أو النقدية.

وقــد نـشـأت هــذه املجتمعات وتنمو تدريجياً اعتماداً على طـرق التبادل األخــرى للقيمة، كما أصبح شائعاً القيام بتنفيذ التعامالت غير النقدية باستخدام العمالت اإللكتروني­ة كعملة بيتكوين.

ينتشر فى أماكن كثيرة من العالم منذ بداية العقد املاضى موجة سريعة ومتزايدة الستخدام األساليب الرقمية بشكل إلكترونى فى تسجيل وإدارة وتبادل األمــوال فى التجارة واالستثمار واحلياة اليومية، بـاإلضـافـ­ة إلــى الـتـعـامـ­الت املـالـيـة الـتـى كــان يتم تنفيذها باستخدام النقود بأشكالها املعروفة.

وقد وضعت بعض الـدول عـدداً من التشريعات تنظم التعامالت املالية غير النقدية وحـدودهـا وقيمها وضوابطها ووسائل احلماية وغيرها من األمور التى تكفل تطبيق نظام الدفع النقدى فيها بشكٍل قانوني.

وبالنظر إلى نشأة استخدام املعامالت والتسويات غير النقدية فى احلياة اليومية، جندها ترجع إلى التسعينيات مـن الـقـرن املـاضـى عندما أصبحت املعامالت البنكية اإللكتروني­ة واسعة االنتشار. غير أنه منذ عام 2010 شهدت هذه السنوات توسعاً كبيراً فى االعتماد على وسائل الدفع الرقمية بشكل أكبر فى العديد من الدول. وقد تأسست مواقع ومنصات إلكترونية عمالقة فى مجال التجارة اإللكتروني­ة كموقع «باى بال» التجارى وموقع «أمـازون» و»على بابا»، إلى جانب أنظمة املحفظة الرقمية التى تروج لها اآلن البنوك املصرية، باإلضافة إلى املدفوعات الرقمية بواسطة البطاقة اإللكتروني­ة أو الهاتف الذكى أو الفواتير اإللكتروني­ة.

ومع بداية عام 2010 أصبح استخدام النقد فى بعض أنـواع املعامالت املالية أمـراً اعتيادياً لدفع املشتريات والرسوم احلكومية واجلمارك، وحتويل املبالغ النقدية الكبيرة التى كان يٌنظر إلى التعامل معها بنوع مـن الشك فـى بعض احلـــاالت؛ بسبب القيود املفروضة على التعامالت النقدية الكبيرة وخشية استخدامها فـى عمليات غسل األمــوال

ومتويل اإلرهاب.

هذا اإلقبال السريع على املعامالت غير النقدية أصـبـح نشطاً جـــداً فـى بعض املجتمعات؛ حيث سجلت اململكة املتحدة منذ عام 2016 أن واحـداً من بني كل سبعة أشخاص لم يعد يستخدم العمالت النقدية فى تعامالته وال يحملها.

كما أوضحت دراسة استقصائية للمستهلك فى عام ،2016 أن %75 ممن شملهم البحث يفضلون بطاقة االئتمان أو بطاقة اخلصم كوسيلة للدفع، فى حني أن %11 فقط ما زالوا يفضلون استخدام النقود فى املعامالت.

وفــى الهند على سبيل املـثـال، سيحل الدفع الرقمى محل الـدفـع بالعملة الورقية واملعدنية بحلول عام .2022 كذلك توقع رئيس دويتشه بنك األملاني، أن يختفى الدفع النقدى فى غضون عشر سنوات.

فـى إطــار فـرض األمــر الـواقـع لتعزيز انتشار استخدام املعامالت غير النقدية، قامت عدة دول فى الغرب بالسماح للبنوك بإغالق أجهزة الصرف اآللى والفروع. وتقوم البنوك فى هذه الدول بإجبار املتعاملني على استخدام املدفوعات الرقمية والبنية التحتية املصرفية الرقمية. وهناك هـدف آخر تسعى البنوك إلى حتقيقه وهو خفض التكاليف من أجل زيادة األرباح. هكذا تسعى املؤسسات املالية إلى نشر استخدام نظم املدفوعات اإللكتروني­ة، وبنيتها التحتية للتحول إلـى االقتصاد الرقمى األكثر كفاءة وفاعلية.

وفى مطلع عام 2017 أصدر الرئيس «عبدالفتاح الــســيــ­ســي» قــــــرار­اً بـتـأسـيـس املــجــلـ­ـس الـقـومـى للمدفوعات برئاسته. يهدف املجلس إلى حتقيق األهداف التالية:

● تطوير نظم الدفع القومية وأطـر اإلشـراف عليها للحد من املخاطر املرتبطة بها من أجل خلق نظم أمنة وذات كفاءة وفاعلية.

● العمل على حتقيق الشمول املالى بهدف دمج أكبر عدد من املواطنني فى النظام املصرفى وضم القطاع غير الرسمى إلى القطاع الرسمى وتخفيض تكلفة انتقال األموال وزيادة املتحصالت الضريبية. ● حماية حقوق مستخدمى نظم وخدمات الدفع. ● حتقيق تنافسية سوق خدمات الدفع وتنظيم عمل الكيانات القائمة ورقابتها.

وبالعودة إلى مشروع قانون تنظيم الدفع غير النقدي، يأتى هذا القانون فى إطار توجه الدولة نحو حتقيق الشمول املالى مبا يكفل حصول املواطنني من مختلف املستويات االجتماعية واملناطق اجلغرافية على خدمات املؤسسات املالية واملصرفية.

ينص مـشـروع القانون اجلـديـد على أن تقوم احلكومة بدفع جميع املرتبات إلكترونياً باستثناء العمالة املؤقتة، إلـى جانب إلــزام املتعاملني مع احلـكـومـة على الـدفـع اإللـكـتـر­ونـى متى تخطت القيمة املدفوعة احلدود القصوى التى ينص عليها بالالئحة التنفيذية. غير أن تطبيق القانون يجب أن يراعى عدة عوامل؛ منها مدى استيعاب املتعاملني الستخدام منظومة الدفع اإللكتروني، والتقدم فى تأسيس البنية التحتية الداعمة للمنظومة، إلى جانب التدريب والتأهيل الالزم للموظفني العاملني فى اجلهات التى سوف تستخدم منظومة الدفع اإللكترونى.

إذن هـــل تـصـبـح مـصـر فـــى خـــالل الـعـقـديـ­ن القادمني مجتمعاً غير نقدى تسود فيه التعامالت واملدفوعات اإللكتروني­ة؟ رمبا يصبح هذا احللم حقيقة. أمتنى ذلك!

تسعى املؤسسات املالية إىل نشر استخدام نظم املدفوعات اإللكرتوني­ة، وبنيتها التحتية للتحول إىل االقتصاد الرقمى األكرث كفاءة وفاعلية

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Egypt