Al Borsa

التشريع باالستدراك

- بقلم: مصطفى مـوســى محام_شريــك مكتب الدكتور/ زياد بهاء الدين للمحاماة

السمة األساسية لصياغة أى نص تنظيمى أو تشريعى تبدأ وتنهى عند سالمة اللغة ومفراداتها باعتبارها أداة ووسيلة التعبير عن مقصد املُشرع أو الرقيب وموضحة وكاشفة جلملة األحكام التى يحملها النص بني طياته ذلـك أنـه عقب نشر النص وإطالقه للمخاطبني به يُصبح ُحجة عليهم وملزماً ومنظماً ملعامالتهم وحامياً حلقوقهم ومكتسباتهم إذ أنــه ال مـجـال لتعديل النص التشريعى بعد نفاذه إال بإصدار نص آخر يُعدله أو يلغيه بحسب األحوال وبنفس األداة والوسيلة التى صدر بها.

األمر إذن على هذا النحو من األهمية يقتضى ويتطلب من القائمني على صياغة النص إملام غاية فى املـهـارة واحلصافة للوقوف على نية وُمبتغى املُشرع أو الرقيب والذى سيتمكن على إثره من كتابة العبارات التى تعكس بوضوح ما كان يُتطلع إليه.

لـذا وعلى سبيل املـثـال كـان القانون املدنى املصرى لـدى العاملني فى احلقل القانونى أو غيرهم مـن املختصني بصنعة التشريع أحد األيقونات الفريدة كونه لم يُصبه على مدار 70 عاماً تعديل أو تصويب ميس أو يتعلق بضبط لغوى مـا أو إيـضـاح كــان إليه يفتقر بـل ظلت عباراته محتفظه برونق األداء الذى صدرت به منذ هذا الزمن.

من ناحية أخرى وألن اخلطأ البشرى واملادى فى معرض النسخ والنقل والكتابة هو أمر بطبيعة احلـال واقـع احلـدوث لذا كانت الوسيلة اآلمنة ملعاجلة مثل هذا النوع من التصويبات هو نشر ما يُسمى بالـ»استدراك»، والذى مبوجبه يتم تصويب ما هو فى حدود عالمات الترقيم أو حرف بدالً من آخر أو كلمة بدالً من أخرى فقط هذا ما كان

يقتصر عليه األمر وقطعاً هذا هو الذى ينبغى عليه أن يستمر، لذا لم يكن من اجلائز أو املقبول أن يرقى هذا االستدراك إلى استحداث حكم أو إلغاء آخر إذ أن فى ذلك تخطى واضح لدائرة وحلقة العمل الذى كان ينبغى أن مير بها النص.

والـيـوم ومــع تـسـارع وتـيـرة الـسـوق وضــرورة سرعة تلبية احتياجاته التنظيمية والتشريعية تزايدت بالتبعية النصوص القانونية والرقابية واستتبعت أيضاً ضرورة النظرة إليها على فترات متقاربة للتأكد من كونها تقوم بتلبية متطلبات السوق الـذى صـدرت ألجله وهو ما أدى زيادة ملحوظة فـى التشريعات والـــقـــ­رارات املُعدلة لـقـرارات أخـرى وهـذا أمـر فى ظاهره محمود وُمعبر عن يقظة واجبة لكن ومع األسف الشديد أصبحت هناك _السيما فى اآلونة األخيرة_ ُسنة غير حميدة وهى التساهل فى نشر «االستدراك» فلم يعد األمر كما أشرنا مقصوراً على تصويب ما قد يقع من خطأ مادى أثناء عمليات النسخ أو الطباعة والنشر بل إنه استشرى كأمر واقع ُمعتاد احلـدوث وخطورة األمـر ليس فى تزايد التكرار، ولكن فى جتاوز»االستدراك» حلدوده ووظيفته وأصبح مبثابة أداة تشريع خفية فى يد من أصدره فاليوم يصدر قانون أو تشريع رقابى يُجيز تصرف مـا بصيغة معينة ثم بعد بضعة أيام ينشر استدراك يُعلق هذا اجلواز أو يضع له ضوابط جديدة!

إن املتابع ملنشورات اجلريدة الرسمية والوقائع املصرية ليس عليه سوى تصفح الفهرس ألى عدد بشكل عشوائى خالل فترة زمنية وستُدهش حقاً من كم االستدراكا­ت املنشورة والتى إن كان لديك متسع بسيط من الوقت ستجدها قد خرجت عن مسارها الذى وجدت ألجله.

مـرة أخـرى اتفهم ضــرورة أن يُبقى املشرع أو الرقيب أو اجلهة اإلداريـــ­ة املختصة عينه يقظة للسوق واحتياجاته وأن يبادر من فوره بتعديل كل نص يستوجب التعديل، ولكن وألن ما استحال إليه األمرغير ذلك متاماً فإنه من الواجب أوالً أن يُعاد النظر بالتأنى الواجب فيما ينُشر خاصة القرارات اإلدارية والكتب الدورية واملنشورات التى تُصدرها اجلهات واملأموريا­ت احلكومية والتى أصبحت على ما يبدو ال تأخذ وقتها فى املراجعات الفنية والقانونية الالزمة.

األمر الثانى هو ضرورة التوقف الفورى عن استخدام «االستدراك» كوسيلة تنظيم وتشريع خارج الدائرة القانونية التى كان يتوجب املرور بها ويقينى أن هذا بالقطع يخدم بيئة التشريعات وينأى بها عن سجاالت وتضاربات فنية وقانونية جميعنا فى غنى عنها.

من الواجب أوًال أن ُيعاد النظر بالتأىن الواجب فيما يُنشر خاصة القرارات اإلدارية والكتب الدورية واملنشورات التى ُتصدرها الجهات واملأموريا­ت الحكومية والتى أصبحت عىل ما يبدو ال تأخذ وقتها فى املراجعات الفنية والقانونية الالزمة

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Egypt