قرض الصندوق بين مطرقة الضغوط االجتماعية وسندان إجراءات اإلصالح
هل كان ضروريًا أن تقوم السيدة الجارد بممارسة ضغط غري مباشر من خالل التواصل مع السيد رئيس الجمهورية للتأكيد عىل ضرورة تنفيذ إجراءات برنامج اإلصالح االقتصادى؟ أىن عىل ثقة كبرية أن القيادة السياسية واملجموعة االقتصادية فى الحكومة املصرية لديهم الحس السياىس السليم الذى يراعى جميع الجوانب املحيطة بتنفيذ إجراءات اإلصالح االقتصادى
اسمحوا لى أن أبدأ هنا باإلعراب عن وجهة نظرى مقدماً فيما يتعلق باملوقف األخير الذى اتخذه صندوق النقد الدولى.
هـــذا الــصــنــدوق يـتـصـرف فـــى كـثـيـر من األحـيـان بال عقل واعــى، ويفتقر إلـى احلس السليم بتقدير التداعيات التى قد حتدث فى البلدان التى حتصل على قروض وتنفذ روشتة الـصـنـدوق الـتـى هــى غالباً مــا قــد تــكــون مــعــدة سلفاً، ولألسف ال يصلح تطبيقها فى كل الدول بنفس الكيفية.
ومن ثم يغمض الصندوق عـيـنـيـه ويــصــم أذنـــيـــه جتـاه مـــا ميــكــن أن يـــحـــدث من اضطرابات بسبب اإلجراءات القاسية التى يتم تنفيذها فى برنامج اإلصالح االقتصادى.
أنا، من بني آخرين كثيرين، شــعــرت بخيبة أمـــل كبيرة عندما طالعت أنـبـاء تأخر اجـتـمـاع املجلس التنفيذى لصندوق النقد الدولى للنظر فـــى املــوافــقــة عــلــى صــرف الشريحة اخلامسة بقيمة 2 مليار دوالر قبل نهاية العام اجلارى من القرض الذى حصلت احلكومة املصرية عليه يقدمه الصندوق ملصر بقيمة 12 مليار دوالر.
فعلى الرغم من الصندوق قد أدرج على جدول اجتماعات املجلس التنفيذى للتصويت على نتائج املراجعة الرابعة لبرنامج اإلصالح االقتصادى، غير أنه مت حذف مصر من جدول االجتماعات دون اصدار بيان يوضح األسباب، فما هى االفتراضات التى قــــد تــســبــبــت فــــى اتـــخـــاذ صندوق النقد الدولى مثل هذا القرار؟
عــلــى الـــرغـــم مـــن عــدم تــوفــر تـصـريـحـات رسمية بـشـأن مــشــاورات احلكومة املصرية مع صندوق النقد الــدولــى، غير أن التقارير الصحفية أشـــارت إلــى أن وجــــود اتـــصـــاالت مــن أجـل تأجيل عدد من اإلجــراءات املتفق عليها ضمن برنامج اإلصـالح االقتصادى وعدم ربـط صـرف الشريحة الـ5 من القرض بتلك اإلجراءات مثل تطبيق آلية تسعير الوقود، وتأجيل إطالق برنامج الطروحات احلكومية للشركات فى البورصة، وهذ ما سوف نلقى عليه الضوء بإيجاز فيما يلى.
يـهـدف إلـغـاء دعــم الــوقــود وتطبيق آلية التسعير إلـى زيــادة أسعار الـوقـود للوصول بها إلى %100 من قيمة التكلفة احلقيقية بحد أقصى منتصف عـام ،2019 بالتزامن مع تطبيق آلية مؤشر أسعار الوقود ملعظم منتجات الوقود بعد موافقة مجلس الـوزراء عليها.
وبــذلــك يـتـم تـعـديـل أســعــار الــوقــود وفـقـاً للتغيرات فى أسعار البترول العاملية، وسعر الـــصـــرف، وحـــصـــة الـــوقـــود املـــســـتـــورد فى االستهالك املحلى، من أجل حتقيق املستهدف لتخفيف الضغط على املـوازنـة من التقلبات غير املتوقعة فى سعر الصرف وأسعار البترول العاملية. أمـــا بـرنـامـج الــطــروحــات احلـكـومـيـة فى الـبـورصـة الـــذى مت االتـفـاق عليه بني احلكومة املصرية وصندوق النقد الدولى، فهو يتضمن طرح ما ال يقل عن
4 شركات مملوكة للحكومة بحلول منتصف عام .2019
هـذا البرنامج الــذى يعد مـــن أهـــم شــــروط صــنــدوق النقد لصرف شريحة القرض قد تأجل حلني حتسن أداء البورصة املصرية.
بـــصـــراحـــة شـــديـــدة أنــى أتعجب من االتصال الهاتفى الذى أجرته السيدة كريستني الجارد املدير العام لصندوق النقد الــدولــى مــع الرئيس عبدالفتاح السيسى.
هــل مــن األعــــراف املـعـمـول بها ان تقوم السيدة الجارد بتخطى املسئولني عن السياسة املـالـيـة والـسـيـاسـة النقدية وتـنـاقـش أوجــه التعاون بني مصر وصندوق النقد الدولى، وتطورات تنفيذ برنامج اإلصالح االقتصادى املصرى؟ هل كان ضرورياً أن تقوم السيدة الجارد مبمارسة ضغط غير مباشر من خالل التواصل مع السيد رئيس اجلمهورية للتأكيد على ضرورة تنفيذ إجراءات برنامج اإلصالح االقتصادى دون االلتفات الـى التوقيت والتداعيات التى ميكن أن تسببها هـــذه اإلجـــــراءات؟ نـاهـيـك عــن االضــطــرابــات التى حتدث حالياً فى عدة دول فى أوربا نتيجة لتطبيق إجــــراءات تقشفية وتنتقل عدوى تلك االضطرابات الى عـدة دول حيث وصلت إلى بعض الدول العربية.
أكاد أن أجزم أن صندوق النقد الـدولـى ال يلقى باالً مبا ميكن أن تسببه سياساته الـتـى يفرضها على الــدول التى تستعني به فى إجراء إصالحات هيكلية فى االقتصاد، والتاريخ يشهد بذلك.
أنى على ثقة كبيرة أن القيادة السياسية واملجموعة االقتصادية فى احلكومة املصرية لديهم احلس السياسى السليم الذى يراعى جميع اجلــوانــب املحيطة بتنفيذ إجـــراءات اإلصالح االقتصادى، ومنها ما له تأثير كبير على األحوال املعيشية للمواطن املصرى.
لذلك أدعم موقف احلكومة املصرية جتاه توقيتات تنفيذ روشتة اإلصالح االقتصادى، وأتـفـهـم متــامــاً مـــاذا ومـتـى يجب أن تشرع احلكومة فى تنفيذ تلك اإلجراءات.