Al Borsa

ألمانيا تدخل الحرب االقتصادية العالمية

تدور العجالت السياسية ببطء، والتحول نحو موقف سياىس أكرث تنافىس يقوم عىل السيادة االقتصادية لن يكون له تداعيات فورية

-

مع تنافس الواليات املتحدة والصني بدال من التعاون، ال ميكن أن تلتزم أوروبا بالفكرة القدمية للعوملة، وتتعلق مسودة استراتيجية أملانيا الصناعية اجلديدة، التى قدمها وزير االقتصاد بيتر ألتماير األسبوع املاضى، بالنجاة فى عالم تنافسى، وهو نهج يريد الوزير تسويقه لألملان أوال، ثم إلى بقية االحتاد األوروبى.

وقال ألتماير فى مؤمتر صحفى، إن املنافسة دائرة بني ثالث كتل اقتصادية وهى أمريكا وأوروبـا وآسيا، وفى هذا الصراع على الهيمنة، توضع أوروبا – وأملانيا باألخص – فى خانة املراقب السلبي، ويـرى أن هذا يرجع جزئيا إلى دعم األبطال (الشركات) االقتصادين­ي الوطنيني فى الواليات املتحدة والصني، وكتب التماير فى بحثه االستراتيج­ى: «ال يوجد تقريبا دولة ناجحة تعتمد فقط وحصريا على الـقـوى السوقية إلجنـاز مهماتها»، وأكد أن أملانيا وأوروبا ينبغى عليهما السير فى نفس االجتــاه وإال سيخاطران بفقدان أكثر من مجرد التنافسية االقتصادية:

«إذا فقدنا تفوقنا التكنولوجى وبالتالى مكانتنا فى االقتصاد العاملي، فسيكون لذلك تداعيات كبيرة على طريقة حياتنا وقــدرة الدولة على التحرك وتشكيل كل املجاالت السياسية تقريبا، وكذلك على الشرعية الدميقراطي­ة ملؤسساتها».

وهــــذا الــنــوع مــن احلــديــث مـفـاجـئ مــن مساعد للمستشارة، أجنيال ميركل، املناصرة للعوملة، والتى رغم روابط حزبها املحافظ مع الشركات األملانية الكبيرة، فإنها تصر دائما أن تدع الشركات األملانية تتنافس استنادا على قدراتها اخلاصة، ولكن ميركل اآلن تقضى آخـر أيامها كمستشارة، وخليفتها، أجنريت كرامب كارينباور، تفضل السياسة الصناعية األكثر نشاطا، وتضع تصريحات التماير األسـاس لبرنامج انتخابى جديد أكبر أولـويـاتـ­ه دعــم الـدولـة للسيادة والـقـدرة الصناعية والتكنولوج­ية».

وحتت هذه االستراتيج­ية، كان من املمكن أن متنع احلكومة شراء شركة «ميديا» الصينية ألحد اجلواهر األملانية فى صناعة الـروبـوتـ­ات، «كـوكـا» فى ،2017 وقـال ألتماير إنه فى املواقف املشابهة فى املستقبل سوف تظهر احلكومة كالفارس األبيض املنقذ وتقدم عرضا أفضل وتكون مالكا مؤقتا للشركة، فبعد كل شــيء، أليست احلكومة حتمل حصصا بالفعل فى مكتب البريد، وأكبر مشغل لشبكة االتصاالت، وشركة السكك احلديدية؟ وبالنسبة أللتماير، تعنى «السيادة الصناعية» ضمان جنـاة األبطال القوميني احلاليني مثل «سيمينز»، و«تيسني كـــورب»، وشـركـات صناعة السيارات، وبنك «دويتشيه».

وقال ألتماير إن سلطات مكافحة االحتكار األوروبية ينبغى أن تنظر إلــى مـا وراء املنطقة عندما حتدد املجال التنافسي، فى إشــارة واضحة إلـى معارضة هيئة مكافحة االحتكار األوروبية خلطط اندماج أعمال السكك احلـديـديـ­ة لشركتى «سيمينز» و«ألـسـتـوم»، وفى هذه القضية يحظى الوزير بدعم أقوى جماعة ضغط فى البالد، احتاد الصناعات األملاني، الذى نشر مقترحاته السياسية للتعامل مع الصني الصاعدة.

ووفـــقـــ­ا أللــتــمـ­ـايــر، يـتـعـني عــلــى احلــكــوم­ــة دعــم املشروعات الكبرى التى تساعد فى إضافة القيمة وبالتالى الوظائف، مثل إنتاج البطاريات وبرامج تشغيل السيارات ذاتية القيادة، وال يجب أن تقف متفرجة عندما حتصل شركات التكنولوجي­ا املحلية على متويل مـن شـركـات التمويل األمريكية، ألنها «تتحول إلى شركات أمريكية خطوة بخطوة».

ولم يقترح ألتماير أن تشترى احلكومة بشكل مباشر الشركات الصاعدة الواعدة، ولكنه قال إنه يجب إيجاد طرق جلعل التمويل اخلاص املحلى متاحا لهم، كما أشار إلى وجوب «جمع أملانيا قواها العلمية والسياسية وروح ريادة األعمال فى مجال الذكاء االصطناعى» فيما يعد صدى لفكرة «آيرباص من أجل الذكاء االصطناعي» التى دعمها ألتماير علنا العام املاضي، وهى تكرار جناح شركة الطائرات األوروبية من خالل خلق بطل تكنولوجى وطنى وضمان «سيادية البيانات».

وإذا كانت كل اإلشارات السابقة تبدو بشكل مفاجئ وكأنها صادرة عن فرنسا، فهذا ليس انطباعا خاطئا، فقد وجد ألتماير مفكرا مشابها له وهو نظيره برونو لـو مير، وبينما كانت أملانيا هـادئـة سابقا إلــى حد ما أمـام نزعات فرنسا األكثر حمائية، يبدو اآلن أن أكبر اقتصادين فى االحتاد األوروبى متناغمان بشأن احلـاجـة ملكافحة التقدم األمريكى والصيني، وفى ديسمبر املاضي، التقى الوزيران فى مؤمتر «أصدقاء الصناعة» الوزارى فى باريس واتفقا على التعاون فى مشروعات الذكاء االصطناعى والبطاريات.

وفــى هــذا االجـتـمـا­ع، اتفق ممثلو الثمانى عشرة دولة فى منطقة اليورو، مبا فى ذلك، إيطاليا وأسبانيا وبولندا، على بعض األفكار السياسية األساسية التى تستهدف جعل الكتلة أكثر تنافسية عامليا، مثل تغيير قواعد مكافحة االحتكار لتيسير خلق أبطال اقتصاديني وطنيني، وبالتالى، إذا حصلت استراتيجية ألتماير على الدعم السياسى محليا، وهو ما سيحدث على األرجح – فسوف تلقى ترحيبا على مستوى االحتاد األوروبى ككل.

وتــدور العجالت السياسية ببطء، والتحول نحو مـوقـف سـيـاسـى أكـثـر تنافسى يـقـوم عـلـى الـسـيـادة االقتصادية لن يكون له تداعيات فورية، ولكن دونالد تــرامــب، بـسـيـاسـا­تـه احلـمـائـي­ـة وحــروبــه الـتـجـاري­ـة، وعمالقة التكنولوجي­ا األمريكيني، بازدرائهم للتنظيمات األوروبية، والصني بتوسعها العنيف فى أوروبا، سوف يجعلون هذا التحول حتميا.

وسوف يخلق االحتـاد االوروبـى األكثر تركيزا على دعم تنافسية الشركات املحلية بيئة عمل أكثر صعوبة للمستثمرين اخلارجيني، ورمبا أيضا يخلق منافسني أقوياء إذا تكرر جناح «آيرباص» فى قطاعات أخرى.

وعلى األقل هذه املرة، لم تبدأ احلروب فى أوروبا.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Egypt