ما الذى تحتاج إليه فنزويال لتتعافى؟

املأساة الفنزويلية املطولة ليست فقط حادة وواسعة النطاق ولكن أيضًا بدأت تؤثر خارج حدودها تتمتع فنزويال بمنح عديدة وتضم أكرب احتياطيات البرتول فى العالم وسكانها لديهم مستوى عال نسبيًا من التعليم والخربة

كانت انقطاعات الكهرباء الواسعة التى ضربت فنزويال يوم اجلمعة املاضية مبثابة تذكير آخر على وضع مأساوى يتفاقم يوماً عن يوم، ويأخذ الدولة أقرب إلى اخلط الذى يفصل بني دولة هشة ودولة فاشلة ومـنـهـارة، وفــى الـوقـت الـــذى تتصاعد فيه املعاناة اإلنسانية الرهيبة، ويزداد الوضع السياسى استقطاباً، يقال إن املجتمع الدولى مستعد لدعم انتقال منظم من الرئاسة احلالية، ويعود ذلك لسبب بسيط وهو أن املأساة الفنزويلية املطولة ليست فقط حادة وواسعة النطاق، ولكن أيضاً بدأت تؤثر خارج حدودها.

وتعد فنزويال واحدة من التحديات الصعبة التى واجهها املجتمع الدولى عندما يتعلق األمر باستعادة النظام املالى، والنمو االقتصادى واستدامة الديون طويلة األجـــل، ولكن إذا مت التعامل معها تعامًال صحيحاً، سوف تكون مثاالً على ما ميكن أن يفعله التنسيق الدولى للمبادرات العامة واخلاصة على حد سواء، من خالل التحليل احلذر واملتبصر.

واسـتـغـرق صنع أزمـــة فنزويال سـنـوات عـديـدة، وتتطلب مجموعة مركزة من تدابير اإلغاثة االقتصادية واملالية، يليها خطوت مصممة جيداً إلعـادة تأهيل وتعافى طويلة األجل، ويجب أن يعزز ذلك مستوى من التواصل املوثوق فيه واالنسجام السياسى االجتماعى املحلى الذى غاب عن فنزويال فى السنوات األخيرة، بجانب حتديد نقاط تنسيق وتسويات متعددة بني احلكومات والكيانات اإلقليمية واملؤسسات متعددة األطراف واملقرضني من القطاع اخلاص.

وبدون ذلك، لن يكون هناك أمل كبير فى معاجلة قائمة طويلة من الفشل املتتالى الذى يتضمن االنهيار شبه املكتمل لسالسل الـتـوريـد، والبنية التحتية املتهالكة والنقص الكبير فى البضائع واخلدمات األساسية، والتضخم شديد االرتـفـاع، ونظام سعر الصرف غير املستقر، والنظام املالى املتقلب، وسلسلة التعثرات املالية، وانهيار املؤسسات ما يهدد قطاع البترول الذى كان محط حسد الكثيرين فى وقت من األوقات.

ويفتح التطور األخير فى الوضع السياسى الداخلى نافذة لتغيير النظام، الــذى نأمل أن يكون سلمى ومنظم، رغم أن ذلك غير أكيد باملرة، وقد يؤدى تغيير النظام إلـى حتـول فى املأساة االنسانية الضخمة، وحينها يجب أن تكون أول 3 أولويات اقتصادية ومالية هى أوالً استعادة اإلمـــدادات الوفيرة من البضائع واخلدمات األساسية فى أقرب وقت ممكن وبأكبر كميات ممكنة، مبا فى ذلك املواد الغذائية واألدوية.

وثانياً، تغيير االنحدار احلـاد فى إنتاج البترول واالنهيار الكارثى فى النشاطات املرتبطة به، وثالثاً، تفعيل إمدادات شبكة األمان ملساعدة الشرائح األكثر ضعفاً والفئات االجتماعية التى تعانى منذ وقت طويل، والتى تقترب من فقدان التغذية الكافية للبقاء على قيد احلياة واحلماية والرعاية الصحية.

ولن تكون هذه اخلطوات ممكنة بدون دعم مالى كبير من املصادر ثنائية ومتعددة األطــراف، بقيادة وتنسيق الواليات املتحدة، بجانب تقدمي االحتياجات املناسبة من قبل فنزويال بأن هذه األموال لن تستخدم لدفع املقرضني من القطاعني العام أو اخلاص.

وســوف يكون التوقف املؤقت عن ســداد الديون فوضوياً ومعقداً حتى إذا كان التركيز على املقرضني من القطاع اخلاص، وميكن أن يكون لتبادل الديون «أى استخدام ديـون ذات فائدة أعلى لسداد ديون متعثرة» قدرة كبيرة على تغيير حجم وسمعة التزامات خدمة الديون اخلارجية للدولة، كما أن وجود درجة عالية من التنسيق العالى بني املقرضني ميكن أن يفسح املجال لبنود خاصة جتعل من املمكن للدولة أن تستأنف احلصول على التمويالت قصيرة األجل.

وإذا أضفنا الديون اململوكة للحكومات والكيانات اململوكة للحكومات، فسوف يكون ذلك أكبر وأكثر هياكل الديون تعقيداً فى تاريخ فئة األسواق الناشئة، أكثر حتى ممـا شوهد فـى حــاالت تعثر األرجنتني وروسيا، كما أنه أكثر تعقيداً من الوضع العراقى.

وكذلك سوف يتطلب أى توقف مؤقت عن سداد الديون تعاون احلكومتني الروسية والصينية، اللتان قدمتا نقدية وقروضاً عينية فى السنوات األخيرة، كـمـا سـيـكـون هـنـاك حـاجـة لــدرجــة مــن الشفافية واإلفصاح العاملى التى لم تكن متواجدة فى فنزويال فحسب وإمنا فى دول أخرى.

وســوف ميهد هــذا اخلليط مـن توفير البضائع واخلـــدمـــات األســاســيــة عـلـى األرفـــــف، والـــزيـــادة التدريجية فى إنتاج البترول، وحتسني شبكات األمان االجتماعى، وفتح نـافـذة لـسـداد الــديــون، الطريق للمهمة األصعب وهى إعــادة ترميم البنية التحتية االقتصادية، واستعادة اخلدمات االجتماعية، وإعادة ضبط األوضاع املالية والنظام املالى، ووضع احلساب اخلـارجـى ونـظـام سعر الـصـرف على أرض صلبة، وخلق مسار للنمو املستدام الشمولى والعالى.

وال يحتمل الوضع أى أخطاء فتدابير التعافى الفورية والالحقة التى حتتاجها فنزويال بشدة ضخمة بكل املقاييس التحليلية أو العملية ومع ذلك، هناك أسباب للتفاؤل النسبى.

وتـتـمـتـع فــنــزويــال مبــنــح عـــديـــدة، وتــضــم أكـبـر احتياطيات الـبـتـرول فـى الـعـالـم، وسكانها لديهم مستوى عـال نسبياً من التعليم واخلـبـرة، وأعربت الواليات املتحدة بالفعل عن استعدادها للمساعدة حتت ظروف سياسية مناسبة، ولدى واشنطن وضع يخولها لقيادة مجهودات دولية واسعة، كما أن معظم الـدول فى هذا اجلزء من العالم لديها مصلحة فى تعافى جيرانهم وشركائهم الفنزويليني.

وعالوة على ذلك، لدى فنزويال القدرة على قلب صفحة االنهيار االقتصادى واملالى املتسارع، وهذا التحول ميكن أن يذكرنا بــأن مـجـهـودات التعاون والتنسيق الدولى لديها دور مهم فى اقتصاد العالم األكثر انقساماً حالياً.