Al-Anbaa

الشيخ عبدالعزيز بن باز.. أنار الأمة بنور علمه فأحبه الناس

-

في أحد المؤتمرات الإسلامية في الهند، كان نظام المؤتمر أن أول دولة تأتي إلى الهند لها أولوية التحدث أولا.. وهكذا، وكان ترتيب المملكة العربية السعودية هو الـ ٦، وبعد أيام بدأ المؤتمر بحضور ٥٢ دولة إسلامية.

وتحدثت الدولة الأولى والثانية والثالثة والرابعة والخامســـ­ة حتى وصلوا إلى الدولة السادسة وهي السعودية، فتكلم المتحدث الرسمي للمملكة، وقال : »في بيان المسألة المذكورة فقد أفتى الشيخ عبدالعزيز بن باز في المســـألة وهي جائـــزة وأتى بأدلة من القرآن والسنة« .

وبعد انتهـــاء دور المملكة أتى العجب والعجاب، حيث بقيت ٤٦ دولة لم تتحدث بعد، وقـــال المقدم »والآن وبعد أن تحدثت المملكة العربية السعودية بإفتاء الشيخ عبدالعزيز بن باز فقد حان الوقت للتصويت على فتواه «، وصوتت ٥١ دولة بموافقته لفتواه في المسألة، سبحان الله، ما أعظم هذا الرجل!

جائزة الملك فيصل

أما الموقف الثاني فهو حين تم تكريم الشيخ بجائزة الملك فيصل ـ رحمه الله ـ وكان هو أول شخص يتسلمها، فقال الأمير خالـــد الفيصل »إن الجائزة لتتشرف بأن يتسلمها شخص مثل الشيخ عبدالعزيز بن باز «، ثم نزل عن المنصة وقبّل رأس الشـــيخ وسلمه المظروف وكان بداخله شيك بمليون ريال، فأخذ ابن باز الجائزة ونـــادى أن يؤتى بالمايكرفـ­ــون وقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه : »ان الرسول ژ كان يقبل الهدية، وأنا أقبلها منكم، ولي الحق بالتصرف بها كما أشاء «، ثم نادى مساعده الخاص وقال: اكتب خلف المظروف »شـــيك مصـــدق لمراكز تحفيـــظ القرآن الكريم« .

وأنا هنا أقول: من منا يستطيع فعل مثل هذا العمل وأن يتصدق بمليون ريال تهدى إليه على طبق من ذهب؟!

في البر

أما الموقف الثالث فهو أن الشـــيخ كانت له محاضرة في القصيم وكانت الساعة الثالثة عصرا، فقال لمساعديه نذهب الآن برا والطريق مدته ثلاث ســـاعات مما يعني أن ســـاعة النوم بعد العصر ألغيت. وصلـــوا إلى القصيم، ومـــن محاضرة إلى مقابلة إلـــى مقابلة إلى مقابلة وانتهوا حين أصبحت الســـاعة الـ ١ ليلا، فقال مســـاعدوه: لعلك تعبت يا شـــيخ وتريد أن تنام في أي فندق! فقال: لا.. نتوكل على الله ونرجع إلى الرياض، مما يعني أنه لا يوجد نوم وهم في الطريق، وأتت الساعة الـ ٢ ليلا، قال الشيخ: لعلكم قد تعبتم، هيا لنخلد إلى الراحة، فأوقفوا السيارة في البر وطلب منهم أن يوجهوا وجهـــه للقبلة لأنه أعمى. ومع جمال الليل في البر، وتعب الجميع مـــن الرحلة كان لابد من رجل لهذه الليلة، فإذا ابن باز قائم يصلي لله والجميع نيام كالموتى.

يقول احد الحضور: قمت فرأيت الشيخ بن باز قائم يصلي ويقرأ ويردد قول الله تعالى: (إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم) وهو يبكي والدمع على وجهه.

وقال الشاهد: فاحتقرت نفسي، الشيخ رجل كبير وأنا شاب ولا أقوم مثله، فقام يصلي خلف الشيخ، فما لبث أن انتهى من الركعة حتى أغمي علي من التعب، وقال: فقمت الثانية فإذا هو على نفس حاله لم يتغير ويقرأ نفس الآية، ونمت الثالثة وعندما قمت رأيته على نفس حاله لم يتغير، فأحس بوجودي فأسرع في إنهاء صلاته وغطى نفسه بسجادة، فقمت وأذنت لصلاة الفجر، فقام الشيخ من فراشه وقال: الله المستعان، يؤذن الفجر وأنا على فراشي؟ سبحان الله! مـــع انه لم ينم، أيضا لم يرد أن يقع في الرياء، بالفعل رجال أخلصـــوا عملهم لله وأحبوا الله فأحبهم وحبب الناس فيهم حتى كان يقال عنه إن ابن باز جســـمه فقط فـــي الأرض أما روحه فمع السلف الصالح والصحابة.

مواقف متفرقة

يقول مدير مكتبه الشـــيخ محمد الموســـى: كان سماحة الشيخ ابن باز إذا ســـمع الأذان بادر إلى متابعته، وترك جميع ما في يده من الأعمال، وإذا كان أحد يحادثه أو يهاتفه قال له: يؤذن، ليشعره بأنه سيتابع المؤذن. كما كان سماحته يتصل على ١١ رقما لإيقاظهم لصلاة الفجر، وإذا رد عليه أحد منهم سلم عليه الشيخ وقال: »الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور« .

وإذا أراد الوضـــوء مـــن المغســـلة ناول من بجانبه غترته أو مشـــلحه ثم قال ممازحا مداعبا: »هذه يا فلان على سبيل الأمانة لا تطمع بهـــا« . وكان كثيرا ما يأتي بعض النـــاس ويكثر من الثناء على سماحته ويذكر بعض أوصافه وهو يتململ ويتغير وجهه ويقول: »الله المســـتعا­ن، الله يتـــوب على الجميع، الله يستعملنا وإياكم فيما يرضيه« . وكان محبا لجيرانه كثير السؤال والتفقد لهم، يفرح بهم إذا قدموا إليه، وكان يقول: »ادعوهم لعلهم يستحيون من المجيء إلينا« . كمـــا كان إذا بلغه أن أحدا من المخالفين رماه بسوء، أو ذكره بذم لم يزد على أن يقول: »سامحه الله، سامحه الله« ، وإذا مرض ذلك المخالف زاره أو اتصل به، ليواسيه ويدعو له. وكان كثيـــر اللجوء إلى الله والافتقار إليـــه، والتذلل بين يديه، وكان كثير الدعاء والتضرع إلى الله وسؤاله كل صغيرة وكبيرة، ومن ســـمعه وهو يدعو أيقن أن الله ســـيوفقه ويعينه ويسدده، ومن دعائه: »اللهم إني أسألك التوفيق والإعانة، اللهم لا تكلني إلى نفســـي طرفة عين، اللهم اشرح صدري، اللهم ألهمني رشدي وقني شر نفسي، اللهم أصلح قلبي وعملي، اللهم اجعلنا من دعاة الهدى وأنصار الحق« .

وقال في يـــوم من الأيام بحضرة أكثر مـــن ٢٠ من طلبة العلم: »والله ثم والله ثم والله إننـــي لم أكتب في حياتي كتابا إلا وأريد بذلك وجه الله« .

وكان إذا تحدث عن شيخه محمد بن إبراهيم يغلبه البكاء، ويقول عنه: »ما رأت عيناي قبل أن أعمى، ولا سمعت أذناي بعد أن عميت مثله، وكان له فضل كبير علي« .

وكثيرا ما كان يبكي إذا سمع حادثة الإفك، وقصة الثلاثة الذين خلفوا، وكذلك يبكي إذا قرئ عليه شيء من سير العلماء وما لاقوه في سبيل العلم، وما قدموه في سبيل الدعوة والجهاد.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Kuwait