Al-Anbaa

الاتفاق الأميركي ـ الإيراني «الأولي ».. هل ينسحب على ملفات المنطقة بدءاً من ملف الأزمة السورية؟!

-

بيروت: ثمة انطباع عام بأن الاتفاق النووي بين أميركا وإيران ليس عاديا وإنما يشكل نقطة تحول في مسار الأحداث في الشرق الأوسط وفي خريطة المصالح والأدوار: فمن جهة شكل اعترافا بالجمهورية الاسلامية الايرانية ودورها وموقعها كحجر أساس في المعادلة الاقليمية الدولية الممتدة من الشرق الأوسط الى أفغانستان والقوقاز وآسيا الوسطى، ومن جهة ثانية كشف هذا الاتفاق عن استراتيجية أميركية جديدة في طور التشكل وهي ان المصلحة الأميركية لم تعد تعتمد حصرا النفط وإسرائيل أساسا لتحالفاتها في الشرق الأوسط، وأن أميركا لن تحارب نيابة عن أي كان وعلى الدول الحليفة في المنطقة أن تعتمد على نفسها أكثر. ولكن في المقابل ثمة ضبابية تحيط بما سيؤول اليه هذا الاتفاق وماذا سينبثق عنه؟ هل ينجح في اجتياز امتحان الأشهر الستة المقبلة ليتطور من اتفاق مرحلي الى اتفاق دائم ام سيواجه عوائق كثيرة تحول دون ذلك من اسرائيل ومن الداخل الأميركي وأيضا من الداخل الايراني؟ وهل في حالة توافرت ظروف اكتماله وتثبيته سينسحب اتفاقا اميركيا ـ ايرانيا على ملفات وأزمات المنطقة بدءا من ملف الأزمة السورية؟! إجابتان لا اجابة واحدة، في معرض الرد على هذه التساؤلات وتقييم مسار المرحلة المقبلة، مرحلة العبور من الاتفاق النووي الى الاتفاق الشامل او الى «اللااتفاق »: 1 ـ هناك من يعتبر ان ما بدأ بين ايران وأميركا بدأ ليكمل لا ليتوقف، وأن هذا الاتفاق الدولي عكس تقاطع مصلحة موضوعية بين ايران غير القادرة على تحمل العقوبات الاقتصادية بعدما استنفدت طاقتها على التحمل والصمود، وأميركا غير الراغبة في خوض حروب جديدة بعدما قررت استراتيجية انكفاء في الشرق الأوسط. هذا الاتفاق يؤكد ان ايران هي أولوية عند الرئيس باراك أوباما ويفسر لماذا أحجم عن توجيه ضربة عسكرية الى سورية بعد استخدام السلاح الكيميائي لأنه كان يشرف على قناة تفاوض سرية مع طهران ولم يكن يريد ان يفسد أجواء الديبلوماس­ية السرية التي كان يراهن عليها للوصول الى اتفاق، وبالمقابل اكتشفت ايران بعد هذا الاتفاق انها حققت مكاسب سياسية واقتصادية وانتزعت اعترافا اميركيا بنظامها واعترافا دوليا بحقها في تخصيب اليورانيوم لأغراض سلمية، وإنما أصبحت في أجواء مريحة مع هامش أوسع للحركة وإعادة بناء علاقاتها في المنطقة. ولذلك فإنها لن تفرط بما تحقق وإنما ستسعى الى تطويره عبر انتهاج مزيد من المرونة التفاوضية مع الأميركيين مع الاحتفاظ بأوراقها التفاوضية، لا بل تعزيزها حتى لو تطلب الأمر تشددا في ادارة الأوضاع والأزمات في بلدان المواجهة التي يمتد مسرحها من العراق واليمن الى سورية ولبنان. ويرى أصحاب هذا الرأي ان اللقاءات السرية يمكن ان تكون ذهبت الى أبعد من الملف النووي وأن تكون توصلت الى تفاهمات أخرى سيكشف النقاب عنها تباعا، وأما البوادر الأولى للتفاهم الايراني ـ الأميركي فيما هو أبعد من «النووي » ستظهر ضروريا في الموضوع السوري سواء تم الاتفاق على اخراج يسمح بحضور ايران ومشاركتها في المؤتمر او من دونه ربما مراعاة لبعض الشكليات والإشكالات التي تثار حول دورها في سورية، فبعض الدول التي شاركت في جنيڤ كما دول اخرى اوروبية عبّرت عن املها في ان ترى «جنيڤ السوري » يبنى على «جنيڤ الايراني » مع ازالة عائق الجلوس مع ايران على طاولة واحدة وازالة الحواجز معها والاستعداد لقبولها عنصرا بناء في السلم الدولي بدلا من خربطته. وبحسب هذه المصادر فإن المهلة الفاصلة عن موعد «جنيڤ 2» حول الأزمة السورية والذي أعلن عن انعقاده في 22 يناير المقبل ستكون كافية لاحتمال تأهيل ايران لتكون على طاولة «جنيڤ 2» . 2 ـ الرأي الثاني يعتبر ان الاتفاق النووي المرحلي ليس نهاية مرحلة سرية من المفاوضات وإنما بداية مرحلة علنية من التجاذبات والصراع المكشوف، وأن مرحلة الأشهر الستة المقبلة ستكون صعبة جدا وحافلة بكل أنواع الأحداث والمفاجآت ليس في سورية وحدها وإنما في كل دول المنطقة الساخنة. في هذه المرحلة سيبرز العامل الاسرائيلي أكثر. فإذا كانت اسرائيل لم تنجح في منع التسوية المرحلية مع ايران، فإنها ستستغل الأشهر الستة لتمارس كل انواع الضغوط والتأثير على أوباما وإدارته للوصول الى اتفاق نهائي تكون نتائجه مختلفة عن نتائج الاتفاق المرحلي. فلا تكون تسوية يحتوي فيها العالم ايران باعتبارها دولة على حافة القدرة النووية، وإنما اتفاق يجرد ايران من قدراتها النووية. وإذا لم يتم الوصول الى هكذا اتفاق فمن الأفضل الا يكون هناك اتفاق. ستكون الولايات المتحدة في المرحلة المقبلة منهمكة على خطين: خط المفاوضات الصعبة مع ايران وخط التطمينات غير الكافية للحلفاء في المنطقة الذين لديهم شعور بأن اميركا باعتهم وأنها بصدد ابرام صفقة كبرى مع ايران. وبالفعل بدأت الاشارات الأميركية، اشارات التطمين والتوضيح، تصل الى اسرائيل وإلى دول عربية بأن واشنطن لن تتخلى عن حلفائها ولن تبرم صفقة على حسابهم، ولن تتيح لإيران الهيمنة على المنطقة، وأنها ستكون متشددة مع ايران، وأن طريقة تعاطيها مع الملف النووي لا تقاس بطريقة تعاطيها مع الملف السوري لأن ايران ملف مختلف عن سورية التي لم يتعاط معها أوباما يوما كمصلحة حيوية او استراتيجية للولايات المتحدة ولم يذهب الى اكثر من استخدام الضغوط الديبلوماس­ية والاقتصادي­ة ضد النظام السوري، في حين انه اعتبر السلاح النووي الايراني تهديدا استراتيجيا للولايات المتحدة وأمنها القومي، وبعدما عمل طويلا على سياسة «الاحتواء » عبر العقوبات فإنه تحول الى سياسة المنع عبر الاتفاق المبرم في جنيڤ، وأمام ايران فترة غير طويلة لاختبار النوايا، فإذا لم تلتزم بتنفيذ الاتفاق المرحلي او لم تظهر استعدادا لتطويره الى اتفاق نهائي، فإن الخيار العسكري يعود مطروحا في النصف الثاني من 2014 . يصل هذا التحليل الى الاستنتاج بان الأزمة السورية لن تسجل اختراقات وانفراجات واسعة، وأن الوضع في لبنان لن يغادر قريبا دائرة الجمود والمراوحة وأنه من السابق لأوانه تحديد المنتصر والمهزوم في المنطقة لأن شيئا لم ينته بعد واللعبة مستمرة والجولة المقبلة ستكون قاسية ومريرة لأنها جولة التصفيات النهائية.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Kuwait