Al-Anbaa

حادثة اليسوعية: الإنذار الأخير للإقلاع عن الاستفزاز

- بيروت - د.ناصر زيدان

من حق إدارة جامعة الآباء اليسوعيين التخفيف من خطورة ما حدث في حرمها والمحيط نهار الاثنين الماضي، فليس من مصلحة الجامعة ان تتحول الى مكان تنطلق منه شرارة الفتنة التي تتربص باللبنانيي­ن، وهي بالاساس لا تستطيع ان تعيش في مستنقع الانغلاق والتقوقع، منعزلة عن تاريخها المجيد، حيث تخرج من على مقاعدها ابرز رجالات لبنان، امثال كمال جنبلاط وعبدالله اليافي وبيار الجميل. ولكن مسارعة الجامعة للفلفة وتطويق ما حدث، لا ينفي خطورة الواقعة، ولا يقلل من شأن الاستنفار الطائفي الذي حصل في محيطها، ووصل الى حد اشهار السلاح، لولا تدخل الجيش بقوة في اللحظة الاخيرة، وتأكيد قساوة ما حدث، كان من خلال الاطلالة الحماسية للنائب سامي الجميل، وابن عمه النائب نديم الجميل، ولقائد القوات اللبنانية سمير جعجع، وفي الرد الذي تلقوه من نائب حزب الله حسن فضل الله. من اختلاف الظروف، والموقع، يذكر ما جرى في اليسوعية بأحداث مهمة حصلت في التاريخ اللبناني، وللمصادفة فإن حزب الكتائب كان له الباع الطولى فيها، وتصريح النائب سامي الجميل بأن «الحادثة كادت تشعل حربا أهلية »، يذكر بتصريح جده مؤسس الكتائب الراحل بيار الجميل في اعقاب مظاهرة 23 ابريل 1969، وموقفه المتشدد بعيد اطلاق النار على موكبه في 13 ابريل 1975 . مهما يكن من امر فإن التعقل كان سيد الموقف، وانتهت العراضة الطلابية ـ السياسية على خير، الا ان المقاربات الموتورة التي تحكم العمل الطلابي تنذر بمفاجآت في اية لحظة، خصوصا كون الحماسة الشبابية والطلابية كانت مؤثرة الى حد بعيد في الحياة السياسية اللبنانية، وفي محطاتها المضطربة. ليس بالامر العادي ان تمنع الجامعة اللبنانية الانتخابات الطلابية للسنة السادسة على التوالي، علما ان ممثلي الطلاب هم اعضاء في مجلس الجامعة، الذي يعتبر القيادة الجماعية الفعلية لها، وهذا الامر احد اسباب تأخير تشكيل المجلس من قبل الحكومة، سبب إلغاء الانتخابات الطلابية في اللبنانية، ومنع الانشطة السياسية فيها، هو التوتر الذي يسود الجسم الطلابي، والانقسام الحاد بين صفوفهم، وهذا الانقسام مرشح ليتحول الى توتر في اية لحظة، وتتحمل بعض القوى الطلابية اكثر من غيرها المسؤولية عن خلق هذه الأجواء غير المريحة، لاسيما منها التي تتمتع بنفوذ واسع في المدينة الجامعية في الحدث، وهي لم تتقيد بالميثاق الذي تم الاتفاق عليه السنة الماضية بين القوى الطلابية كافة، والقاضي بتجنب كل ما يستفز الآخر، وعدم رفع صور وشعارات حزبية داخل حرم الجامعات. ما حصل في اليسوعية، كان تراكما لأخطاء متبادلة، لا يتحمل مسؤوليتها طرف واحد. من حق طلاب حزب الكتائب والقوات اللبنانية ـ الفائزين في الانتخابات ـ الاحتفال بالفوز، واعتبار الجامعة معقلا اساسيا لهم منذ زمن بعيد، ولكن ليس من حقهم استخدام الشعارات الطائفية، والتحريض الديني في وجه الآخرين، واعتبار اي نشاط للطرف الآخر ـ لاسيما حزب الله ـ بمثابة النشاط الذي يهدد الوجود المسيحي، علما ان اليسوعية كانت على الدوام غنية بالتنوع، وتحافظ على رسالتها العلمية التي تستفيد منها كل الاتجاهات. اما طلاب حزب الله الذين قدموا الى الجامعة، ومعهم شباب من خارج الجامعة، في استعراض واضح للقوة، او «للرد على الاستفزاز »، كان يمكن ان يسببوا أحداثا دامية، يصبح من الصعوبة بمكان معالجتها، من حق حزب الله ان ينشط في كل الجامعات، وهو قوة طلابية لا يستهان بها، ولكن الظروف، والمسؤولية الوطنية، تفرض عليه، وأكثر من غيره، ان يمارس أقصى درجات الانضباط في ممارسة العمل الديموقراط­ي، لأن امتلاكه للسلاح، يحمله خصوصية عسكرية، قريبة من حالة المليشيا، لاسيما بعد التجربة المريرة التي مرت في 7 مايو 2008، وفي تدخله العسكري الى جانب النظام في سورية. اوساط سياسية محايدة ترى ان استخدام حزب الله الاستعراضا­ت التهديدية، حتى لو لم تكن مسلحة، تبعث على الخوف عند الآخرين، بصرف النظر عن النوايا التي قد تكون سليمة عند مناصريه، على ما عبر عنه النائب فضل الله، ولعل حزب الله اكثر من غيره مطالب بالتمسك بالأصول الديموقراط­ية في ممارسته لعمله السياسي ـ وفي الجامعات على وجه التحديد ـ لأن استخدام القساوة في التعبير عن الحضور والرأي، يوسع من دائرة اخصامه، ويزيد من حجم المتخوفين منه، ولنا في تصريح مسؤول الطلاب في التيار العوني انطوان سعيد ـ الذي تبرأ من فعله عناصر حزب الله امام اليسوعية ـ خير دليل على ما نقول. الحركة الطلابية اللبنانية كانت على الدوام مؤثرة وفاعلة، وحضارية بكل المقاييس، وهي اغنت الحياة الديموقراط­ية، وكانت مثالا يحتذى في الداخل والخارج، فهل نجنبها مصادر التشويه والشرذمة، ولا نحولها الى مصدر توتر إضافي للبنان. لبنان الذي اكد على رسالته التربوية البابا فرنسيس في تعيينه للبطريرك الراعي عضوا في مجمع التربية الكاثوليكي­ة العالمي، يطالب الجميع بالحفاظ على الرسالة والاقلاع عن الاستفزاز، وما حصل في اليسوعية انذار اخير للجميع.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Kuwait