Al-Anbaa

السياسة الأميركية في الشرق الأوسط بين »الثوابت « و» المتغيرات«

-

بيروت: لم يتخل الأميركيون عن الشرق الأوسط وليس في مقدورهم أن يتنازلوا عنه، حيث تظل التقديرات السائدة عن تقصير وانكفاء وتلكؤ من جانب الولايات المتحدة وإدارة الرئيس أوباما تحديدا، هي تقديرات غير دقيقة. فقد قيل الكثير عن تراجع الاهتمام الأميركي بالخليج العربي والشرق الأوسط، وعن اهتمام متزايد بالمحيط الهادئ وشرق آسيا وتركيز على المناطق الأشد حيوية، وقيل أيضا إن »الربيع العربي« لم يجد متسعا مناسبا له في استراتيجية ادارة الرئيس باراك أوباما الذي رأى في التدخل الأميركي المفرط في الشرق الأوسط في عهد بوش الابن خطأ وانحرافا كبيرا عن المسار الاستراتيج­ي المطلوب، مما جعله يخفف من تدخل الولايات المتحدة في الشرق الأوسط إلى حدوده الدنيا وركز مجددا على ما اعتبره مصالح استراتيجية أكثر أهمية مثل التحديات الاميركية الداخلية وصعود الصين والاقتصاد العالمي ومواجهة الانتشار النووي. لكن الحقيقة الواضحة أن الولايات المتحدة ستبقى منخرطة في الشرق الأوسط فمازالت هذه المنطقة أولوية أميركية بسبب مصالحها المرتبطة بالنفط وإسرائيل ومحاربة »الإرهاب والتطرف« والتنظيمات الأصولية لكن بشكل مختلف. فإذا كانت إدارة أوباما قد عملت على طي صفحة الحروب المكلفة في العراق وأفغانستان واعتمدت نهجا براغماتيا لحماية المصالح الأميركية، فإنها ليست في وارد التخلي عن الدور القيادي الأميركي في المنطقة والعالم، وليست في وارد الارتداد إلى الداخل الأميركي والانطواء على الأولويات الاقتصادية والملفات الاجتماعية. من هنا، كان لابد للإدارة الاميركية من أن تعتمد مقاربة حذرة لـ »الربيع العربي « ومن إعادة تقييم للوضع في المنطقة العربية في ضوء تحولات وتطورات مقلقة بدأت من ليبيا عندما تم استهداف القنصلية الأميركية في بنغازي وقتل السفير الأميركي على يد »الثوار الاسلاميين «، وصولا إلى سورية بعدما انزلقت الثورة الشعبية في سورية إلى حرب مدمرة وسط تنامي نفوذ التيارات الإسلامية المتشددة والمتطرفين داخل المعارضة السورية وتعاظم دور الجماعات »الجهادية « وجبهة النصرة والتبعثر في قدرات المعارضة وصفوفها، وصولا إلى مصر التي تعقد فيها الوضع كثيرا ودخلت مرحلة انتقالية جديدة، مما جعل الإدارة الأميركية تعمل على استعادة الإمساك بزمام المبادرة وعادت إلى التحرك وأطلقت دينامية سياسية وديبلوماسي­ة في اتجاه الشرق الأوسط وعلى عدة محاور وفي أكثر من اتجاه وملف. وقد تعرضت واشنطن في الآونة الاخيرة لانتقادات عنيفة من حلفائها في المنطقة الذين اقلقتهم السياسة الأميركية، حيث أبدوا امتعاضهم وعدم رضاهم حيال ما أقدمت عليه واشنطن من مسايرة لموسكو ومجاراة لها في الموضوع السوري، إضافة إلى ما يتم تداوله في الكواليس حول صفقة تقاسم تتم على سورية بين روسيا وأميركا مثلما جرى تقاسم العراق بين إيران وأميركا، إضافة إلى غضها الطرف عن توسع النفوذ الإيراني في المنطقة من خلال المشروع النووي الذي من الممكن أن يتطور في مرحلة لاحقة إلى برنامج عسكري، والذي حتى لو بقي في إطاره السلمي فإنه سيبقى عامل خوف وقلق لدى دول الخليج. هذه الانتقادات لأميركا التي ركزت على ترددها في سورية وتخبطها في مصر ومسايرتها لإيران وإهمالها للقضية الفلسطينية، لقيت آذانا صاغية في واشنطن التي غيرت في مواجهتها ومعالجتها في التعاطي مع أزمات المنطقة. لكن على الرغم من ذلك، لم تسقط إدارة اوباما من حسابها مواصلة جهودها في عملية السلام وإيجاد حل للصراع التاريخي بين إسرائيل والفلسطيني­ين، فعمل أوباما على رد الاعتبار و »الروح « إلى عملية السلام على المسار الفلسطيني، وإن حصل ذلك في ظل توقعات وطموحات متواضعة مع وجود »حذر « أميركي ورغبة في عدم الاصطدام بإسرائيل وعدم ممارسة ضغوط عليها، ومع وجود وضع فلسطيني ضعيف ومنقسم وحكومة إسرائيلية اغلبيتها من الصقور. أما على صعيد العلاقة مع اسرائيل فإن سجالات سياسية تدور في كواليس الإدارة الأميركية حول مستقبل العلاقات الأميركية ـ الاسرائيلي­ة في ظل التغيرات الحاصلة في العالم العربي، حيث تبرز نظريتان: نظرية داعمة لإسرائيل انطلاقا من مبدأ ضرورة حمايتها والمحافظة على مصالحها والمصالح الأميركية في الشرق الأوسط الجديد القديم، ونظرية ثانية ضد الاستمرار بالنهج نفسه والمعتمد منذ اربعين عاما وكلف واشنطن غاليا اقتصاديا وماليا وعسكريا، كما سبب لها العداء مع أغلبية الشعوب العربية والإسلامية في العالم، وساهم إلى حد كبير في تنفيذ عمليات إرهابية طالت داخل الولايات المتحدة الأميركية لتصبح إسرائيل بشكل غير مباشر عبئا ومصدرا للمتاعب الأميركية ولعدم الاستقرار في المنطقة. بعض العارفين بالكواليس السياسية الأميركية يقولون صحيح إنه لا يمكن للأميركيين أن يديروا ظهرهم لإسرائيل وأن يتركوها لمصيرها في هذا البحر »الإسلامي والعربي «، لكنهم في الوقت نفسه يسعون لإيجاد حلول جذرية تحمي إسرائيل وتريح الأميركيين من أعباء والتزامات لا يمكنهم مواصلة تحملها إلى ما لا نهاية. لذلك، فإن أسهل الطرق وأقصرها من وجهة نظر هؤلاء لتنفيذ مشروع حماية اسرائيل هو نقل المعركة إلى الداخل العربي وذلك عبر تغذية الفتنة السنية ـ الشيعية، التي وحدها تقلب الأوضاع وتعيد رسم المنطقة وتتيح الأرضية والمناخات الملائمة للانتقال إلى التقسيم والعصر الجديد من الدول والكيانات الطائفية والعرقية.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Kuwait