Al-Anbaa

لبنان أمام أشهر صعبة ومفترق طرق: الأحداث الأمنية إلى »تكاثر ونمو« والأزمة السياسية »بيئة حاضنة«

-

بيروت: لبنان في وضع دقيق مثير للقلق: »انسداد سياسي يقابله انكشاف أمني« . وهذا الوضع يقر به كبار المسؤولين ويحذرون من تطوره نحو الأسوأ في المرحلة المقبلة: فالرئيس نبيه بري يعتبر أن الأجواء الأمنية في البلد غير مشجعة وغير مطمئنة، وأن الوضع السياسي مقفل والاتصالات متوقفة، لأن البعض لا يملك القرار والأمر ليس في يدهم، ووزير الداخلية يعتبر أن الساحة اللبنانية باتت مكشوفة ونحن نمر بمرحلة صعبة، متوقعا أن تكون الأشهر الثلاثة المقبلة شديدة الحساسية والصعوبة بفعل المعطيات المتحركة في سورية والمنطقة، وإذا لم يحصل وفاق سياسي فإن المتربصين بنا شرا سيجدون ما يكفي من الفجوات للتسلل إلى الداخل اللبناني والعبث به. هذه »المرحلة الأمنية« بدأت تطل برأسها من خلال نماذج أولية وأحداث متنقلة يلاحظ فيها: ٭ اتساع نطاق التوترات والأحداث ورقعتها الجغرافية من طرابلس إلى صيدا ومن الضاحية إلى البقاع الشمالي. ٭ ارتفاع وتيرة هذه الأحداث التي يكثر عددها فيما المسافة الزمنية الفاصلة بينها تضيق. ٭ تنوع الأساليب والأشكال المعتمدة في الهجمات والعمليات التي بدأت »صاروخية « وتطورت إلى »انتحارية «، ولكن »السيارات المفخخة« تبقى الوسيلة والأداة الرئيسية المعتمدة. ٭ تنوع وتعدد الأهداف المنتقاة من الأهداف »المدنية السكنية« (الضاحية) إلى »الديبلوماس­ية « )السفارة الإيرانية) إلى العسكرية (حواجز الجيش في صيدا) إلى الحزبية (مراكز حزب الله). آخر هذه الأحداث في الساعات الماضية كان مسرحها البقاع الشمالي، فقد تعرضت مدينة الهرمل لقصف صاروخي (صواريخ من نوع غراد) مصدره السلسلة الشرقية من الجهة السورية، وهذا القصف، الذي بدأ منذ أشهر على فترات متقطعة ووجه أولى الرسائل إلى حزب الله بنقل المعركة إلى الأراضي اللبنانية ومناطق نفوذه، جديده هذه المرة أنه أصاب عن قصد أو خطأ ثكنة للجيش اللبناني وتسبب بسقوط جريحين من العسكريين. هذا القصف جاء بعد ساعات على تفجير كبير استهدف عقر دار حزب الله في منطقة بعلبك وتحديدا في طريق متفرعة من بلدة اللبوة باتجاه صبوبا في محلة النبي موسى، وهذا التفجير أحاطه حزب الله بتكتم وأحاط الغموض تفاصيله التي ظلت غير محددة وغير محسومة إن لجهة طبيعة الانفجار وما إذا كان من فعل انتحاري أم عبر سيارة مفخخة، أو لجهة الهدف المضروب وما إذا كان مركز تبديل أو موكب لحزب الله، أو لجهة الخسائر البشرية وعدد الإصابات التي أسفر عنها الهجوم، لكن ما يمكن ترجيحه والى حد ما تأكيده وفق معطيات ومعلومات أولية أن التفجير حصل في سيارة مفخخة فجرت عن بعد وكانت مركونة إلى جانب طريق تمر عليه سيارات حزب الله وعلى مقربة من مركز معتمد لتبديل عناصر الحزب المكلفين بمهام أمنية وعسكرية في لبنان وسورية. أهمية هذه العملية أنها الأولى في البقاع الشمالي بعد سلسلة السيارات المفخخة التي انفجرت في الضاحية، والأولى في طبيعتها »الاحترافية « في البقاع لأنها تتطلب رصدا واختراقا أمنيا »معلوماتيا وعملياتيا «، بعد سلسلة عمليات حدثت على طريق المصنع عبر تفجير عبوات ناسفة وبدت من صنع هواة ومبتدئين، لكن أهم ما في عملية »اللبوة « أنها تأتي في سياق أمني عام تصعيدي وتصاعدي، وبدأ يطغى على السياق السياسي المتوقف أصلا، وهذا الوضع يقرأه حزب الله بعناية وتركيز وتغلب لديه القراءة والاعتبارا­ت الأمنية التي تركز على النقاط التالية: ١ ـ منطقة القلمون السورية هي المكان الذي تجهز فيه السيارات المفخخة لإرسالها إلى لبنان عبر خط عرسال، حيث تتواجد أعداد متزايدة من تنظيمي داعش والنصرة الوافدين حديثا مع موجات النزوح الأخيرة. ٢ ـ تزداد عوامل القلق لدى الأجهزة المعنية في لبنان، مع اقتراب نهاية معركة القلمون التي شارفت على نهايتها، وتبقى يبرود مركز الثقل الأخير المتبقي للمسلحين في المنطقة، وسيؤدي سقوطها إلى نتائج »دراماتيكية « على مسرح العمليات العسكرية في سورية، لكنه سيترك أيضا تداعيات كبيرة على الساحة اللبنانية، لأن هناك خطة بديلة لدى تلك المجموعات لشن حرب مفتوحة تستهدف الجيش وحزب الله، ليس مجرد ضربات انتقامية وإنما لتعويض خسارة مواقعها داخل سورية، واستبدالها بمواقع جديدة داخل الأراضي اللبنانية تكون منطلقا لاستكمال حربها »الوجودية «، وهو ما سيؤدي إلى أعمال عسكرية مضادة في بعض المواقع تحت عنوان »عمليات جراحية« استباقية. ٣ ـ مخيم عين الحلوة صار قاعدة أساسية لجماعات الإرهاب ومصدرا للعمليات وحلقة وسطية بين الجهات المخططة والجهات المنفذة، وخصوصا في محلتي »التعمير « و» الطوارئ« ، مع قابلية اتساع رقعة انتشار وسيطرة هذه الجماعات بعدما ضعفت سيطرة فتح ولم تنجح محاولات جهات رسمية وغير رسمية للحؤول دون خروج المخيم من يدها. ٤ ـ الظاهرة المستجدة والخطرة هي استهداف الجيش وهو ما يدخل في إطار ونهج عمل المتطرفين في كل مكان كما هو حاصل في مصرحاليا وأيضا في اليمن وقبل ذلك في الجزائر. وهذا الاستهداف يرمي إلى شل قدرات الجيش وحركته حتى لا يكون عاملا فاعلا ومؤثرا في المعركة ضد الإرهاب خصوصا في ضوء واقع التعاون والتنسيق القائمة في هذا الموضوع بين الجيش وحزب الله وأعطى نتائج جيدة في الضاحية الجنوبية. ٥ ـ ثمة حرب أمنية استخباراتي­ة أعلنت في أكثر من اتجاه على الساحة اللبنانية وتترجم في هجمات متفرقة، ويمكن لها أن تجر الوضع إلى مستويات متقدمة من التصعيد والمواجهة حتى في ظل وجود قرار دولي إقليمي يحفظ الاستقرار النسبي على الساحة اللبنانية ويمنع انفجارا واسع النطاق. مقابل قراءة حزب الله هناك قراءة لـ »تيار المستقبل « وحلفائه في ١٤ آذار تغلب عليها القراءة السياسية وتنطلق من اعتبار أن كل ما يجري في لبنان من أحداث أمنية هو نتاج القرار السياسي الخاطئ الذي اتخذه حزب الله بالتدخل في سورية. فهذا التدخل تترتب عليه نتائج وعواقب وخيمة لا تقتصر على حزب الله لوحده وإنما تشمل كل اللبنانيين. حزب الله اتخذ قراره المنفرد بالمشاركة في الحرب السورية، ولكنه يلزم بقراره كل لبنان من جراء النتائج الكارثية المترتبة عليه. على امتداد الأشهر الأمنية صدرت مواقف وإشارات سياسية عن المستقبل تقول لحزب الله إنه لن يكون في استطاعته تحديد مسرح المعركة وحصرها في سورية ومنع انتقالها إلى لبنان وأنه سيدفع ثمن فعلته وخطأه، وأن الهدف الأساسي لتدخله العسكري في سورية قد فشل وهو مقاتلة الإرهاب في سورية ومنع انتقاله إلى لبنان، حيث ستكون المواجهة أقسى وأدهى وأكثر كلفة. واليوم يحمل المستقبل حزب الله صراحة مسؤولية استقدام »التفكيريين « إلى لبنان وكل العمليات الإرهابية التي تحدث، وقد بدأ المستقبل يتحدث عن الاحتلال الإيراني للبنان.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Kuwait