اﳊﻮار.. ﺣﻴﺎة
ﻋﺎدة ﻧﺴﻤﻲ اﻟﻜﻼم اﳌﺘﺒﺎدل ﺑﲔ اﻷﻓﺮاد ﺑـ »اﳊﻮار« ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺘﺤﻘﻖ اﻷﺧــﺬ واﻟﺮد إزاء ﻗﻀﻴﺔ ﻣﺤﺪدة، ﻣﺸﺘﺮﻛﺔ، ﻷﺳﺒﺎب ﻣﻌﻴﻨﺔ، وﻟﻠﻮﺻﻮل إﻟﻰ أﻫﺪاف ﻣﻨﺸﻮدة.
اﳊﻮار ﻓــﻲ اﻟﻠﻐﺔ ﻫﻮ اﻟﺮﺟﻮع واﻻرﺗﺪاد، ﻟﺬﻟﻚ ﻫﻮ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺗﻔﺎﻋﻠﻴﺔ، إذ ﻻ رﺟﻮع ﺑﻼ ذﻫﺎب، وﻻ ذﻫﺎب دون ﻣﺼــﺪر. ﻓﺎﻟﻜﻼم ﻳﺮﺟﻊ إﻟﻰ ﺻﺎﺣﺒﻪ، وﻳﺘﻠﻘﻰ اﻟﺮد ﻋﻠﻴﻪ.
اﳊﻮار ﻟﻪ آداب، وأﻏــــﺮاض، وﻳﺴــﺎﻋﺪ ﻓﻲ اﻟﻔﻬــﻢ واﻟﺘﻘﺎرب وﲢﻘﻴــﻖ اﻟﻐــــﺎﻳﺎت، وإن ﻓﻘﺪ ﻋﻨﺎﺻﺮه ﺻـــــﺎر ﺑــﻼ ﺟﺪوى ورﲟﺎ ﺟﺮ ﻋﻠﻰ اﻷﻃﺮاف ﻋﻮاﻗﺐ ﻏﻴﺮ ﻣﺤﻤﻮدة.
وﻏﻴﺎب اﳊﻮار ﺗﺒﺎﻋﺪ ﻟﻠﻘﻠﻮب، وإﺛﺎرة ﻟﻠﻈﻨﻮن، وﻫﺠﺮان ﺟﺎرح.
ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻔﺌﺎت ﻣﻄﺎﻟﺒﺔ ﺑﺈﻗﺎﻣﺔ ﺣﻮار ﻧﺎﺟﺢ وﻣﺜﻤﺮ، ﺣﺘﻰ ﻻ ﺗﻠﺘﺒﺲ اﻷﻣﻮر وﺗﻀﻴﻊ اﳌﺼﺎﻟــﺢ. اﻟﺼﻤﺖ ﻟﻴﺲ داﺋﻤﺎ ﻣﻦ ذﻫﺐ، وﻻ ﻋﻼﻣﺔ ﻣﻄﻠﻘﺔ ﻟﻠﺮﺿﺎ، اﻟﺼﻤﺖ ﻗﺪ ﻳﺤﻤﻞ دﻻﻻت أﻛﺜﺮ ﺿﺠﻴﺠﺎ ﻣﻦ اﻟﻜﻼم! وإن ﻃﺎل ﻗﺪ ﲤﻴﻞ اﻟﻨﻔــﻮس إﻟﻰ ﻇﻨﻮن ﻻ ﻣﺘﻨﺎﻫﻴﺔ ﻓﺘﺸﺤﻦ، وﻳﻀﻴﻊ اﻟﻮﻗﺖ.
اﻟﺒﻌﺾ ﻗﺪ ﻳﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﺣﻮارات ﺣﺎدة وﻻ ﻳﺘﺮاﺟﻊ، ﺟﻤﻴﻌﻨﺎ ﻳﺤﺐ أن ﻳﻜﻮن ﺗﻮﺟﻬﻪ ﻫﻮ اﻷﺻﻮب، ورأﻳﻪ ﻫﻮ اﻷﻣﺜﻞ، وﻗﺪ ﻳﺴﺘﺎء إن ﺣﺼﻞ اﻟﻌﻜﺲ. واﳉﻤﻴﻊ ﻣﻌﺮض ﻟﺴــﻮء اﻟﻔﻬﻢ، أو أن ﺗﺜﻴﺮ ﺑﻌﺾ اﳌﻮاﺿﻴﻊ
أو رﲟﺎ اﳌﻔﺮدات ﺣﻔﻴﻈﺘﻪ، ﻓﻴﻨﺰﻋﺞ، وﺗﻌﻠﻮ ﻧﺒﺮﺗﻪ، أو ﺗﺮﲡﻒ. اﳊﻮار ﻗﺪ ﻳﺼﻞ إﻟﻰ ﺣﺪ ﻫﺠﻮﻣﻲ، أو اﻧﺴﺤﺎﺑﻲ، وﻫﻲ ﻟﻴﺴﺖ ردودا ﻣﺮﻓﻮﺿﺔ، ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ إﻧﻬﺎ ردود ﻓﻌﻞ ﺑﺸــﺮﻳﺔ، اﳌﺮﻓﻮض أن ﻳﺼﺮ اﻹﻧﺴﺎن ﻋﻠﻰ ﻣﻮﻗﻔﻪ اﻟﺴﻠﺒﻲ. واﳌﻮﻗﻒ اﻟﺴﻠﺒﻲ ﻟﻴﺲ ﺣﺼﺮا ﻋﻠﻰ ﺻﺪﻳﻘﻨﺎ اﳌﻨﻔﻌﻞ، إﳕﺎ ﻳﺸﺘﺮك ﻣﻌﻪ اﻟﻄﺮف اﳌﺘﻠﻘﻲ اﻟﺬي ﻗﺪ ﻳﺮﻓــﺾ ﺗﻘﺒﻞ اﻻﻧﻔﻌﺎل،
وﻳﺤﻜﻢ ﻋﻠﻰ ﺻﺎﺣﺒﻪ ﺑﺄﻧﻪ ﺣﺴﺎس، أو ﻋﻨﻴﻒ! ﻓﻼ ﻳﺮﻏﺐ ﺑﻨﻘﺎﺷﻪ ﻣﺮة أﺧﺮى!
اﻟﺸﻴـــﻄﺎن ﻳﺒﺮر ﻟﻚ اﻟﺘﺤﺎﻣﻞ، أو ﻳـــﺰﻳﻦ ﻟـــﻚ اﻻﺳﺘﻜﺒﺎر، ﻋﻠﻰ أﻧﻪ اﻧﺘﺼﺎر! وأن اﻟﻌــــﺪول ﻋﻦ ﻣﻮﻗﻔﻚ، ﺿﻌــﻒ! واﳋﻴﺮﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﳌﻦ ﻳﺒﺪأ ﻓﻲ اﻟﺴﻼم ﻻ ﺗﺮﻳﺪﻫﺎ! ﻓﻼ ﺷﻲء ﻳﺄﺗﻲ ﻋﻠﻰ ﺣﺴﺎب ﻋﺰة ﻧﻔﺴﻚ! ﻳﻨﺴﻴﻚ أﻧﻚ ﻗﺪ ﺗﻜﻮن ﻓﻲ اﳌﻮﻗﻒ اﳌﻘﺎﺑﻞ وﺗﺮﻳﺪ ﻣﻦ ﻳﻠﺘﻤﺲ ﻟﻚ اﻟﻌﺬر وﻳﺘﺴﺎﻣﺢ.
اﻻﻋﺘﺬار ﺷﺠﺎﻋﺔ وﻟﻄﻒ، ﺗﺮك اﳉﺪال وﻋﻲ وﺳﻤﻮ ﻧﻔﺲ، وإﺣﺴﺎن اﻟﻈﻦ ﺳﻼﻣﺔ ﻟﻠﻘﻠﺐ.
أﺣﺴﻦ اﳋﻄﺎب، أﺣﺴﻦ اﺣﺘﻮاء اﳌﻮﻗﻒ، وأﺣﺴﻦ اﻟﺼﻤﺖ، ﻓﻜﻞ ﻟﻪ وﻗﺘﻪ، وأﺷﺨﺎﺻﻪ، ﻻ ﺗﺨﻠﻂ اﳌﻮاﻗﻒ.
)وﻗﻞ ﻟﻌﺒﺎدي ﻳﻘﻮﻟﻮا اﻟﺘﻲ ﻫﻲ أﺣﺴﻦ إن اﻟﺸﻴﻄﺎن ﻳﻨﺰغ ﺑﻴﻨﻬﻢ إن اﻟﺸﻴﻄﺎن ﻛﺎن ﻟﻺﻧﺴﺎن ﻋﺪوا ﻣﺒﻴﻨﺎً( )اﻹﺳﺮاء - آﻳﺔ ٣٥(.