اﻟﺼﺒﺮ ﻓﻲ رﻣﻀﺎن

ﻗــﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ: )ﻳﺎ أﻳﻬﺎ اﻟﺬﻳﻦ آﻣﻨﻮا اﺻﺒﺮوا وﺻﺎﺑﺮوا وراﺑﻄﻮا واﺗﻘﻮا اﷲ ﻟﻌﻠﻜﻢ ﺗﻔﻠﺤﻮن( )آل ﻋﻤﺮان: ٠٠٢(.

ﻗﺎل اﻟﺴﻌﺪي: »ﺣﺾ اﷲ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ اﳌﺆﻣﻨﲔ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻳﻮﺻﻠﻬﻢ إﻟﻰ اﻟﻔﻼح - وﻫﻮ: اﻟﻔﻮز واﻟﺴﻌﺎدة واﻟﻨﺠﺎح، وأن اﻟﻄﺮﻳــﻖ اﳌﻮﺻﻞ إﻟﻰ ذﻟﻚ ﻟﺰوم اﻟﺼﺒﺮ، اﻟﺬي ﻫﻮ ﺣﺒﺲ اﻟﻨﻔﺲ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺗﻜﺮﻫﻪ، ﻣﻦ ﺗﺮك اﳌﻌﺎﺻﻲ، وﻣﻦ اﻟﺼﺒﺮ ﻋﻠﻰ اﳌﺼﺎﺋﺐ، وﻋﻠﻰ اﻷواﻣﺮ اﻟﺜﻘﻴﻠﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﻔﻮس، ﻓﺄﻣﺮﻫﻢ ﺑﺎﻟﺼﺒﺮ ﻋﻠﻰ ﺟﻤﻴﻊ ذﻟﻚ«.

واﳌﺼﺎﺑﺮة أي اﳌﻼزﻣﺔ واﻻﺳﺘﻤﺮار ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ، ﻋﻠﻰ اﻟﺪوام، وﻣﻘﺎوﻣﺔ اﻷﻋﺪاء ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ اﻷﺣﻮال.

واﳌﺮاﺑﻄﺔ: »وﻫﻲ ﻟﺰوم اﶈﻞ اﻟﺬي ﻳﺨﺎف ﻣﻦ وﺻﻮل اﻟﻌﺪو ﻣﻨﻪ، وأن ﻳﺮاﻗﺒﻮا أﻋﺪاءﻫﻢ، وﳝﻨﻌﻮﻫﻢ ﻣﻦ اﻟﻮﺻﻮل إﻟﻰ ﻣﻘﺎﺻﺪﻫﻢ، ﻟﻌﻠﻬﻢ ﻳﻔﻠﺤﻮن: ﻳﻔﻮزون ﺑﺎﶈﺒﻮب اﻟﺪﻳﻨﻲ واﻟﺪﻧﻴﻮي واﻷﺧﺮوي، وﻳﻨﺠﻮن ﻣﻦ اﳌﻜﺮوه ﻛﺬﻟﻚ«.

ﻓﻌﻠﻢ ﻣﻦ ﻫﺬا أﻧﻪ ﻻ ﺳﺒﻴﻞ إﻟﻰ اﻟﻔﻼح ﻣﻦ دون اﻟﺼﺒﺮ واﳌﺼﺎﺑﺮة واﳌﺮاﺑﻄﺔ اﳌﺬﻛﻮرات، ﻓﻠﻢ ﻳﻔﻠﺢ ﻣﻦ أﻓﻠﺢ إﻻ ﺑﻬﺎ، وﻟﻢ ﻳﻔﺖ أﺣﺪ اﻟﻔﻼح إﻻ ﺑﺎﻹﺧﻼل ﺑﻬﺎ أو ﺑﺒﻌﻀﻬﺎ«.

وﻣﺎ ﻣﻦ إﻧﺴــﺎن إﻻ وﻫﻮ ﻳﺤﺘﺎج إﻟﻰ اﻟﺼﺒﺮ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺷﺆون ﺣﻴﺎﺗﻪ ﻟﻬﺬا ﻫﻮ أﺣﺪ اﻷرﻛﺎن اﻷرﺑﻌﺔ ﻟﻸﺧﻼق.

واﻟﺼﺒــﺮ ﻋﻠﻰ ﺛﻼﺛﺔ أﻧﻮاع: ﺻﺒﺮ ﺑﺎﷲ، وﺻﺒﺮ ﷲ، وﺻﺒﺮ ﻣﻊ اﷲ، ﻓﺎﻷول: ﺻﺒﺮ اﻻﺳــﺘﻌﺎﻧﺔ ﺑﻪ، ﻛﻤﺎ ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ: )واﺻﺒﺮ وﻣﺎ ﺻﺒﺮك إﻻ ﺑﺎﷲ( )اﻟﻨﺤﻞ: ٧٢١(.

واﻟﺜﺎﻧــﻲ: اﻟﺼﺒﺮ ﷲ أن ﻳﻜﻮن اﻟﺒﺎﻋﺚ ﻟﻪ ﻣﺤﺒﺔ اﷲ وإرادة وﺟﻬﻪ. واﻟﺜﺎﻟﺚ: اﻟﺼﺒﺮ ﻣﻊ اﷲ وﻫﻮ دوران اﻟﻌﺒﺪ ﻣﻊ ﻣﺮاد اﷲ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ وﻣﻊ أﺣﻜﺎﻣﻪ.

ﻓﺈﻳﺎك ﻳﺎ ﻋﺒــﺪ اﷲ أن ﻳﻘﻞ ﺻﺒﺮك ﻋﻦ ﻃﺎﻋﺔ رﺑﻚ، ﻓﻤﻦ ﻻ ﻳﺮى ﻟﻨﻔﺴﻪ ﺻﺒﺮا ﻳﻜﺴﺒﻬﺎ ﺛﻮاﺑﺎ أو ﻳﺪﻓﻊ ﻋﻨﻬﺎ ﻋﻘﺎﺑﺎ ﻓﻘﺪ رام اﻟﺒﻌﺪ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﻻﺳﺘﻘﺎﻣﺔ، ﻓﺎرﺟﻊ ﻟﺮﺑﻚ واﺻﺒﺮ ﻧﻔﺴﻚ ﻣﻊ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺪﻋﻮن رﺑﻬﻢ، ﻓﺈن ﻣﻦ ﻳﺼﺒﺮ ﻋﻠﻰ اﳊﻖ ﺳــﻴﻨﺎل ﺟﻨﺔ وﺣﺮﻳﺮا ﻛﻤﺎ ﺑﺸﺮ رﺑﻨﺎ ﻋﺒﺎده ﻓﻲ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ.

واﻟﺼﻴﺎم درس ﻋﻤﻠﻲ ﻳﺘﺪرب ﻓﻴﻪ اﻟﻌﺒﺪ ﻋﻠﻰ اﻟﺼﺒﺮ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻳﺤﺐ ﻣﻦ اﻷﻛﻞ واﻟﺸﺮاب وﺗﺮك اﻟﺸﻬﻮات وﻋﻦ ﻗﻮل اﻟﺰور، وﻫﺬا ﻣﻦ ﺣﻜﻢ اﻟﺼﻴﺎم.

وﻣﻦ اﳌﻌﺮوف أن ﻟﻠﺼﺒﺮ ﻣﻨﺎﻓﻊ ﻣﻨﻬﺎ ﺿﺒﻂ اﻟﻨﻔﺲ ﻋﻦ اﻟﻌﺠﻠﺔ واﻟﺮﻋﻮﻧﺔ واﻟﻐﻀﺐ واﻟﻐﻴﻆ، واﳋﻮف واﻟﻄﻤﻊ واﻟﻈﻠﻢ وﺳﻮء اﳋﻠﻖ واﻻﻧﺪﻓﺎع وراء اﻟﻬﻮى، وﻛﺬﻟﻚ ﻻ ﺑــﺪ ﻣﻦ اﻟﺼﺒﺮ اﳉﻤﻴﻞ ﻋﻨﺪ وﻗﻮع اﳌﺼﺎﺋﺐ، وﻫﻮ، أي اﻟﺼﺒﺮ، دﻟﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﻛﻤﺎل اﻹﳝﺎن وﺣﺴﻦ اﻹﺳﻼم.

ﻓﻬﻞ ﻳﻌﻘﻞ ﻟﻺﻧﺴــﺎن ﻳﻌﻴﺶ ﻓﻲ اﻹﺳﻼم ﺳﻨﲔ وﻣﺎ زال ﻳﺘﻔﺠﺮ ﻏﻀﺒﺎ ﻟﻜﻞ ﺷﻲء، ﻓﻤﺘﻰ ﳝﻠﻚ ﻧﻔﺴﻪ ﻋﻨﺪ اﻟﻐﻀﺐ، وﻣﺘﻰ ﻳﺼﺒﺮ وﻳﺘﺤﻠﻢ؟ ﻓﻤﻦ ﻳﺘﺼﺒﺮ ﻳﺼﺒﺮه اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ.

ﻗﺎل اﻟﻨﺎﻇﻢ:

إذا اﺑﺘُﻠﻴﺖ ﺑﺄﻣــٍﺮ ﻻ ﺗُﻄﻴُﻖ ﻟﻪُ

دﻓﻌﺎً ﻓﺒﺎﻟﺼﺒِﺮ ﻋﺎﳉﻪُ وﻻ ﺗَِﺰِد وﻟﻮ ﺑﺬﻟَﺖ ﻛﻨﻮَز اﻷرِض ﻗﺎﻃﺒﺔً

ﺗﺒﻐﻲ ﻋﻼًﺟﺎ ﺑﻐﻴﺮ اﻟﺼﺒﺮ ﻟﻢ ِﲡ ِﺪ