«مذكرات مدرس وافد» )4 -4(
في تجارب كثيرة منها تجربة األستاذ ندرة الكالس شكوى من أحد نظار المدارس، وما كان يمارس من ظلم بحقه وكثرة التجاوزات مع الطالب بتغيير درجاتهم وتقديراتهم من مقبول إلى جيد، لكن الناظر قدم استقالته في النهاية بعد اتساع دائرة الشكوى ضده.
حصل األستاذ ندرة الكالس على فيزا دخول العراق في اليوم التالي بفضل قريبه النقيب بالجيش اللبناني خليل كــالس، قابل في السفارة العراقية بالحازمية لبنانيا من الجنوب كان يعمل في الكويت كصاحب محل وبائع ملبوسات، وهو كذلك يريد العودة الى الكويت ويطلب الفيزا، حيث إن لديه بضاعة في الكويت «تقدر بسبعة آالف دينار كويتي». أكمل التاجر اللبناني حديثه مع األستاذ ندرة بأن التاجر ترك الكويت بعد الغزو، وأتـى لعند أهله بجنوب لبنان ليتفاجأ «بأن جميع من حواليه يريد منه نقودا رغم األزمــة ورغم ضياع أمواله، ورغم أنه ال يملك شيئا اآلن».
وجـد األسـتـاذ نــدرة نفسه مـرة أخــرى متجها إلى األردن والعراق مكمال مشواره المتعثر بعد 24 ساعة في بيروت وكأنها تعادل أربعة وعشرين يوما بالكامل.
كــانــوا مجموعة مــن خمسة أشــخــاص بالسيارة الصالون مسافرين إلى الكويت يقول نـدرة: «اجتزنا جــــــزء ا مـــن أراضــــــي الــــعــــراق بـالـلـيـل بــاتــجــاه بـــغـــداد، فكان السائق يقول: ال أستطيع أن أقـف ولـو للحظة لالستراحة، خوفا من أي هجوم علينا بالليل أثناء الـطـريـق، إذ إن األمـــن واألمــــان انفقد بـهـذه الـظـروف، مررنا بطريق خارج بغداد، وأكملنا سيرنا نزوال نحو الجنوب، وأخيرا دخلنا إلى أراضي الكويت.
الكويت أصبحت المحافظة رقم 19 بالنسبة للعراق، أي الغيت الحدود ولم تعد موجودة، وصلنا إلى مدينة الكويت صباحا، كان كل شيء متغيرا، فعند وصولنا إلى مشارف المدينة من جهة طريق العبدلي، كانت صور صدام حسين والنصب التذكارية العراقية في كل مكان». (ص .)73
كـيـف وجـــد األســـتـــاذ نــــدرة شـقـتـه وأثـــاثـــه؟ يـقـول: «وصلت الى شقتي، في منطقة السالمية، قطعة 21، شارع أبو هريرة، دخلت الشقة بدون أن يدري أحد من القاطنين من سكان البناية، ففتحت الشقة بالمفتاح الــــذي مـعـي ألتـفـاجـأ بـــأن الـشـقـة لــم تــمــس، فـهـي كما تركتها ببداية العطلة الصيفية من أول شهر يوليو، واآلن شهر أكتوبر ،1990 فتحت المكتبة بالصالون ألشاهد أونصة من الذهب مع قطعة ذهب أخرى، كنت قد وضعتها بجانب الكتب قبل سفرنا على رف لمن يشاهدها، كانت الدنيا قبل الغزو بأمان ولم يخطر على بال إنسان أن الكويت ستصبح جزء ا من العراق، ورغم كل ما سمعناه من سرقات للشقق أثناء الغزو الله فإن وضع الشقة كان على ما عليه، كان يعود الفضل بذلك إلى جارنا أبو رامي المقابل لنا بالشقة من الدور األول، فهو من الجنسية الفلسطينية، وكان موجودا دائما بشقته، ولم يغادر الكويت». (ص .)73
عاد األستاذ نـدرة الى الكويت من لبنان ليلتحق بالتدريس بتاريخ 1991 /8 /22 في ثانوية «صالح شهاب» بمنطقة مشرف، وكان عمله سابقا في «ثانوية القرطبى» بمنطقة سلوى.
سميت هـذه السنة الدراسية «عــام الـدمـج» حيث تم دمـج عامين دراسيين في سنة دراسـيـة واحــدة، كانت الفكرة يقول األستاذ ندرة جدا رائعة ومنصفة وكانت فكرة وتطبيق وزير التربية بوقتها سليمان البدر، والذي كان أحد الصامدين داخل الكويت غير أن «الوكيلة المساعدة للتعليم العام سعاد الرفاعي استقالت بسبب هذا القرار، كونها صرحت بذلك، وما كتبت الصحف اليومية». .)84ص(
كــان األســتــاذ نـــدرة محبوبا مـن الطلبة بشهادة استبيان أشرف عليه ناظر المدرسة أ.سليمان الشطي ولكنه كان راغبا في االنتقال الى مدرسة أحمد البشر الرومي بمنطقة الدعية وفي هذه المدرسة تدهورت عالقته بـالـطـالب، «وأصــبــح الـصـف تحت تصرفهم ونجحوا بالسيطرة علي، فلم يعد لي احترام كمدرس، ولم أعد أستطيع ضبط الصف، فكانت الدروس باللغة الفرنسية هرج ومرج وضحك وتعليقات». .)85ص(
تعرض األستاذ ندرة العتداء جسدي من الطالب عدة مرات بدأت األولى بأحد الطالب يطلب نتيجته من االستاذ في قسم اللغة الفرنسية «فقلت له بأنني لم أصلح أوراق االمتحان، فتطاول الطالب علي، وقال ماذا تعمل فليس لديك عمل؟ قلت له: أنت لست برجل، فداخل الصف عندما أكتب على اللوح تعطي أصواتا وعندما أواجهك تسكت، فانفعل الطالب غضبا وحاول التهجم علي، ولكن زمالء ه بالصف أخرجوه من القسم وذهب معهم».
في اليوم الثاني اكتشف االستاذ أن جميع طارات سيارته «التيوتا» مضروبة بسكين حادة ونازلة على األرض بــدون هــواء وقــام األسـتـاذ بتبديل اإلطــارات رغم معاناته من آالم «الديسك» في الظهر، وتعرض آلالم حـــادة فــي الـظـهـر، حيث أجــريــت لــه عملية في مستشفى الرازي، ومكث في الفراش بالمستشفى نحو شهر ونصف، «علما بأنني واجهت هذا الطالب بعد ثماني سنوات، ألجده موظفا بكلية العلوم بجامعة الكويت بمكتب اختبار القدرات للطلبة الجدد لدخول الجامعة، وكنت بوقتها أقدم األوراق إلى ابنتي «دانة» لعمل دورة تدريبية في هذه االختبارات، فرحب بي واستقبلني بمكتبه، ثم طلب مني مسامحته بدون ذكـر تلك الـحـادثـة، وكــان بمنتهى األدب والمعاملة الحسنة ألنــه ذهــب الــى أميركا كما قــال لـي ودرس هناك وتعلم الحضارة وفن التعامل مع الناس والرقي واحترام اآلخر». .)87ص(
وفي تجربة األستاذ ندرة شكوى من أحد النظار، وما كان يمارس من ظلم بحقه وكثرة التجاوزات مع الطالب بتغيير درجاتهم وتقديراتهم من مقبول إلى جيد، لكن الناظر قدم استقالته في النهاية بعد اتساع دائرة الشكوى ضده.
فـــي الــكــتــاب قـصـص وحــكــايــات أخـــــرى، ال مجال لــعــرضــهــا لـكـنـهـا تـبـيـن حـــالـــة الـــتـــدريـــس وأوضـــــاع المدرسين.
المذكرات تتضمن قصصا وحكايات تبين حالة التدريس وأوضاع المدرسين في الكويت