استعادة الهيبة ودولة المؤسسات
مرت الكويت بثاث حقب زمنية تشكلت خاها هيبة الدولة (وأسرة الحكم) وبناء وترسيخ دولة المؤسسات؛ الحقبة األولى بدأت بتولي الشيخ عبدالله السالم الحكم منذ 1950( وحتى ،)19٦5 واستمر ذلك الزخم القوي في الحقبة الثانية، بالحفاظ على الهيبة واستمرار دولة المؤسسات فترة حكم الشيخ صباح السالم 19٦5( - ،)1977 رغم تعطيل الدستور في نهاية الحقبة!
وكانت الحقبة الثالثة بداية من 197٨ وحتى ٦٨91، وكـــانـــت هــيــبــة الــــدولــــة ال تـــــزال حـــاضـــرة وكـــذلـــك دولـــة المؤسسات، رغم التعثر واألزمات والتحول اإلقليمي، التي شهدتها هذه الحقبة، لكن معطيات الهيبة والبناء القويم لدولة المؤسسات استمرت وتماسكت، ولمست آثارها في جوانب أساسية ومحسوسة، لكن منذ عام ٦٨91، بـــدأت الهيبة تفقد عــن قصد مــن أطـــراف داخــل النظام وأخرى خارجه.
وجاء الغزو العراقي الغاشم على الكويت، لتصبح الــبــاد أمـــام خـيـار وحـيـد هــو اسـتـعـادة الهيبة ودولــة المؤسسات، وكــان التحرك الموحد والـواسـع وبحس وطني رفيع المسؤولية لتحرير الكويت، حـافـزا لكل القوى الوطنية، فصارت في بوتقة واحدة مع النظام، وشكلت حركة شعبية ورسمية غير مسبوقة لتحقيق ذلك، فكان مؤتمر جدة لمن هم بالخارج، ورؤية اإلصاح الوطني لمن بـالـداخـل، وشكلت فـي فبراير 1991 قوة لتحرير الكويت.
ومنذ التحرير، بدأ توجه واضح يحاول أن يستلهم الهيبة ودولة المؤسسات لحقبة 1950( - ،)1977 وأحد دروس مرحلة تفكيكها 19٨5( - ،)1990 فنشأت حركة عــنــوانــهــا الــجــوهــري «اســـتـــعـــادة هـيـبـة الـــدولـــة ودولـــة المؤسسات»... فما الذي تم في هذه الحقب، التي تنقسم إلى ثاث حقب زمنية، وما مظاهر كل حقبة منها؟
(األولى 1992 - ،)200٣ وكانت البداية إجراء انتخابات مجلس ،1992 تجاوبا مع ميثاق جدة ورؤية اإلصاح الوطني والتحول بقناعة الحكم بالنظام الديموقراطي، فكانت انتخابات 1992 وتشكيل أول حكومة بمشاركة نيابية واسـعـة عامة فـارقـة، لكن كانت هناك هفوات ومبالغات، وأحيانا تكريس شكلي لدولة المؤسسات، واألخطر إضعاف مسار بناء هيبة الدولة.
كـانـت االنـتـخـابـات البرلمانية 1992 رائــعــة، ونقلة نوعية بتشكيل الحكومة بمشاركة برلمانية واسعة للنظام البرلماني وتطوره، لكن بدأت مرحلة إضعاف هـيـبـة الــحــكــومــة وأســـــرة الــحــكــم فـــي آن واحـــــد، بسبب أن رئـيـس الـــــوزراء كـــان هــو نفسه ولـــي الـعـهـد، فـبـدأت الـــضـــغـــوط، وبـــــــدأت مـــمـــارســـات واســــعــــة فــــي الـــخـــروج عـلـى ثــوابــت وطـنـيـة ودســتــوريــة وأســاســيــات الـنـظـام البرلماني، بل والتدخل البرلماني في عمل الحكومة، وفرض أجندات برلمانية وانتخابية تحت مبررات غير منطقية ال تحقق مصلحة وطنية، ومنها التحركات المشبوهة إلقــــرار الــقــانــون 44 لسنة 4991بـرلـمـانـيـا، وقد كان، فضاعت في ثناياها جهود استعادة الهيبة ودولة المؤسسات، وحملت السنوات الاحقة منذ 199٦ وحتى 200٣ نهاية الحقبة األولى بدخول فئة جديدة من الناخبين المتجنسين، فتراجع البناء المؤسسي واهتزت الهيبة، وهي حقبة فشلت في تحقيق عنوان هذه المرحلة.
أمــا حقبة 200٣ - ،2020 فقد مـــرت بـعـدة مــســارات؛ األول التفاهمات السياسية بوجود رئيس وزراء ليس وليا للعهد، فتم فرض الهيبة، لكن استمر تفكيك دولة الــمــؤســســات، والــثــانــي مــســار تـفـاهـمـات ومــنــح فـرص للتصحيح الـذاتـي لمجلس األمـــة، والـــذي فشل بشكل الفت، وحاول أن يجعل الحكومة تبعا له، بسوء تقدير أعضاء المجلس وهيمنة المكون السياسي غير الناضج الساعي لكسر الهيبة، فعجل بالمسار الثالث «الصراع وإعادة السيطرة»، وهي المرحلة من 2009 حتى ،2020 وكـانـت لها مـزايـا استعادة جــزء مـن الهيبة وتحجيم االبتزاز السياسي، لكنها حقبة تدهورت فيها منظومة دولة المؤسسات، فتشوه تكوين مجلس األمة، وخلفت حكومات مهزوزة، وظهرت الماحقات السياسية.
وجاءت الحقبة الثالثة من 2020 حتى اآلن، بتراكمات تـفـكـك دولــــة الــمــؤســســات وضـــيـــاع الـهـيـبـة واســتــشــراء الفساد البرلماني والـمـالـي، فـكـان ال بــد مـن تصحيح لـلـمـسـار، فــبــدأ عـهـد جــديــد لـحـفـظ الـهـيـبـة واســتــعــادة دولـــــة الـــمـــؤســـســـات، وشـــهـــدت هــــذه الــحــقــبــة جـــراحـــات سياسية إصاحية بتطهير كشوف الناخبين والحياد السياسي واالنتخابي للسلطة، وتأكيد دولة الدستور والمؤسسات مـن دون السماح بالتفريط فـي الهيبة، فكان خطاب 22 يونيو 2022 إعانا لمامحها، وأعقبته خطوات وإجراءات عملية، وصوال إلى النطق السامي في 20 ديسمبر ٣202، ورسائله التي لم ينزلها النواب المنزلة الائقة بـهـا، مغفلين رسـالـة الـحـزم فـي حفظ الهيبة، فخلطت األوراق واستمرت الممارسات المنحرفة والـمـزاد البرلماني، فجاء الحزم بـأن استعادة الهيبة ودولة المؤسسات صنوان ال مجال للفك بينهما، فحل المجلس، واستمر حزم الهيبة والحرص على تكريس دولة المؤسسات!
البرلمان القادم أمام مرحلة مفصلية! فإما أن ينجح مـسـار اإلصـــاح الوطني وتنتهي االنـتـهـازيـة الفردية واالبـتـزاز السياسي، أو تستمر الفوضى واالسـتـرزاق منها، وهدر دولة المؤسسات والهيبة!