بقايا خيال: فحص الشهادات الجامعية بعد التوظيف!
كثير من دول العالم تحاول تحسين األداء الوظيفي لموظفيها بطرق عدة، وإحدى هذه الــطــرق إجــــراء االخــتــبــارات الـــدوريـــة النظرية والــعــمــلــيــة (الـــمـــيـــدانـــيـــة)، أي كـــل ســنــة أو كل سنتين أو كل خمس سـنـوات، للتأكد من أن الموظف مـا زال نشيطا ذهنيا وجسمانيا، وأنه قادر على أداء مستلزمات وظيفته على أكمل وجه، ومن أهم الوظائف أو المهن التي تــقــوم بـعـض الـــــدول بـالـطـلـب مـــن ممتهنيها اجــــتــــيــــاز اخـــــتـــــبـــــارات مــــيــــدانــــيــــة الــــطــــيــــارون والــمــهــنــدســون والـــمـــدرســـون والـمـحـاسـبـون والمحامون، وهناك مهن أخرى تندرج ضمن هذه القائمة حسب حساسيتها أو أهميتها.
وأعرف أنه في الكويت هناك مهنتان يجتاز ممتهنوهما اخـتـبـارات ميدانية دوريـــة مثل الطيارين وبعض المهندسين، وال أدري إن كانوا مستمرين على هذا المنوال أم أن الحبل ترك على الغارب ليكون حال هاتين المهنتين كحال المهن األخرى من اإلهمال والتسيب.
وقـــد جـــرت الـــعـــادة عـنـدمـا يـتـقـدم أحـدهـم لوظيفة- أي وظيفة– يقدم ضمن أوراق سيرته الذاتية شهاداته العلمية أو الدراسية للتأكد من أنها غير مزورة، وأنها صادرة من جامعة أو كـلـيـة مــعــتــرف بــهــا، ثـــم بــعــد ذلـــك يمتحن
نظريا أو ميدانيا للتأكد من أنه نال النجاح الـعـلـمـي أو األكــاديــمــي بـــجـــدارة واسـتـحـقـاق ولــــيــــس بــــالــــغــــش، وإذا مـــــا نــــجــــح فـــــي هــــذه االخـتـبـارات تتم عملية اختيار األفضل بين الناجحين، إال أنه في غالب مؤسسات الدولة ال تتم هذه العملية المنطقية في اختيار األفضل واألنسب، بل تدخل فيها الواسطة المتمثلة بالطائفية والقبلية والطبقية، التي تدوس فـي بطن المعايير الدولية أو المنطقية في اختيار الموظف.
في بعض مؤسسات الدولة يحدث نقيض المنطق، أو عكس الناس، فالموظف يحصل على الوظيفة وبـعـدهـا بـسـنـوات يطلب منه فــحــص شــهــاداتــه الـعـلـمـيـة أو الـــدراســـيـــة، أو بـعـدهـا يـتـم امـتـحـانـه عـمـلـيـا لـلـتـأكـد مــن أنـه )Fit( ومـنـاسـب لـلـوظـيـفـة، وقـــد أصـــدر وكيل مساعد بوزارة التربية تعميما بشأن فحص الـشـهـادات الـدراسـيـة للموظفين المواطنين والمقيمين، وحصر أسـمـاء وبيانات جميع العاملين بـــالـــوزارة مـمـن يحملون مـؤهـالت علمية فوق الثانوية العامة وحصلوا عليها مــن أول سـنـة ،2000 وحــتــى يـومـنـا هـــذا من الموظفين الكويتيين وغير الكويتيين، أي خالل فترة امتدت لربع قرن من الزمن، وهذا الـــقـــرار الـــــوزاري يــؤكــد أن فــي وزارة التربية وحدها مئات من الشهادات المزورة أو غير المعترف بالكليات أو الجامعات المانحة لها توظف أصحابها بطرق غير قانونية، وإذا كان هذه هي حال وزارة التربية فما بالك بالوزارات األخرى في الدولة، ناهيك عن الهيئات العامة وشركات القطاع الخاص؟
وخــالل السنوات األربــع الماضية تمكنت جـمـعـيـة الـمـهـنـدسـيـن الـكـويـتـيـة مـــن الكشف عــــن مـــئـــات الــــشــــهــــادات الـــــمـــــزورة فــــي مــجــال الهندسة، وفي أبريل من السنة الماضية أكد رئيس مجلس إدارة جمعية المهندسين أن الجمعية مستمرة في الكشف عن الشهادات المزورة في قطاع الهندسة، أو تتبع مؤهالت غير صحيحة مقدمة مـن حامليها مـن أجل اعتمادها، وقد أحيلت كلها إلى لجان تحقيق لدى جهات قانونية التخاذ اإلجراءات الالزمة في حقها.
الغريب في األمر أن بقية وزارات الدولة لم تحرك ساكنا للكشف عن الشهادات المزورة، كما أنه من بين عشرات جمعيات النفع العام المهنية الكويتية كانت جمعية المهندسين وجمعية الطيارين الوحيدتين الملتزمتين بفحص شهادات المنتسبين إليها.