عطية الظفيري يتتبع حكاية «أميرة إنجليزية وشيخ بدوي»
يرصد قصة عشق جمعت قلبين من ثقافتين مختلفتين
يتتبع الباحث عطية بن كريم الظفيري حكاية «أميرة إنجليزية وشيخ بدوي»، راصدا الظروف التي دفعت حسناء أوروبية أرستقراطية إلى االرتباط بشاب بدوي من الشرق.
يروي الباحث عطية بن كريم الـظـفـيـري قـصـة عـشـق مختلفة، وكأنها منسوجة من الخيال غير أنها حقيقية وجرت أحداثها في الصحراء العربية، حيث يسرد تفاصيل حكاية نادرة بين سيدة أوروبـــــيـــــة أرســـتـــقـــراطـــيـــة ورجــــل بـــــــدوي، خـــــال إصــــــــداره «أمـــيـــرة إنجليزية وشيخ بدوي»، متتبعا كـــل تــفــاصــيــل الــحــكــايــة ونــشــأة التواصل بينهما، والظروف التي أدت إلـــى الــتــقــارب ثـــم اإلعــجــاب والحقا الزواج.
ويـــــتـــــنـــــاول الــــظــــفــــيــــري، عــبــر إصــداره، الظروف التي أدت إلى قــدوم حسناء مـن أوروبـــا، حيث الــقــصــور والــرفــاهــيــة، إلـــى عمق الصحراء في بادية الشام، وهي جين ديـغـبـي، ثــم العيش ضمن الظروف الصعبة التي لم تألفها في بلدها، إضافة إلى االرتباط بشاب عربي هو مجول بن نهابة المصرب.
ويــقــول الـظـفـيـري فــي مقدمة اإلصــــــدار: «كــــان الـــشـــرق الـعـربـي الســـيـــمـــا الـــصـــحـــراء الــمــتــرامــيــة األطـــــــــــراف بـــكـــثـــبـــانـــهـــا الـــرمـــلـــيـــة وشـــعـــابـــهـــا وتــــالــــهــــا ونـــاســـهـــا وإبـــلـــهـــا، مـــصـــدر ســحــر وإلـــهـــام لــنــســاء أوروبـــــيـــــات، تـخـلـيـن عن حياة الغرب بطبيعتها الخابة وأنهارها ُوبحيراتها وجبالها، وأمضين جل أعمارهن في الشرق العربي، ومن أشهر هؤالء النساء: فـيـولـيـت ديــكــســون وغــيــر تـــرود بيل والليدي هستر ستانهوب، والـــلـــيـــدي آن بـــلـــونـــت والـــلـــيـــدي جـيـن ديـغـبـي. أمـــا جـيـن ديغبي فهي تنحدر من أسرة إنجليزية أرسـتـقـراطـيـة غنية مـرمـوقـة من طبقة الـنـبـاء، عـاشـت فـي حياة باذخة في قصور فارهة، وكانت حديث الناس أينما حلت، أقامت صالونا أدبيا في باريس ارتاده كـــبـــار األدبـــــــاء والــفــنــانــيــن مـثـل: أورنيه دي بلزاك وفيكتور هوغو.
تعد إحـــدى أبـــرز نـسـاء القرن الـــتـــاســـع عـــشـــر، وكـــانـــت عشيقة الــــمــــلــــوك، واألمــــــــــــراء، والـــنـــبـــاء، والسياسيين، كتب عنها مـا ال يـقـل عــن 8 روايــــات بـمـا فــي ذلـك روايــــة «زنــبــقــة الــــــوادي» لـأديـب الفرنسي الشهير بلزاك، ولوحات الرسامين من أمـثـال: كــارل هاغ وجوزيف كارل ستيلر.
ويــــشــــيــــر الــــظــــفــــيــــري إلـــــــى أن اخــــــتــــــاف الـــــثـــــقـــــافـــــات لــــــم يــكــن حــــاجــــزا أمـــــام نـــشـــوء قــصــة حب بـيـن فــتــاة غـربـيـة وشــــاب بــدوي شــرقــي، مــؤكــدا أن جـيـن رفضت
جـيـن الــغــرب األوروبـــــي ورحـلـت إلــــى الـــصـــحـــراء الــعــربــيــة؛ لتجد الـــــــفـــــــردوس الــــمــــفــــقــــود والــــحــــب الـــحـــقـــيـــقـــي، عــــاشــــت قـــصـــة حـب فـــريـــدة مـــن نـــوعـــهـــا، إنـــهـــا قصة عشق جمعت قلبين من ثقافتين مختلفتين من حيث اللغة والدين والـــــعـــــادات والــتــقــالــيــد والـبـيـئـة والـطـقـس، بين نبيلة إنجليزية مثقفة وبـــدوي مـن أهــل البادية. كــــان عـشـقـهـمـا يــتــســم بــالــصــدق واإلخــــاص والـــوفـــاء، لــم يحبها ذلـــك الـــبـــدوي لـــوفـــرة مــالــهــا؛ ألن الـــبـــدوي يــأنــف أن يـمـد يـــده إلـى مـال زوجـتـه، ولـم يحبها لعراقة نسبها فهو أشـــرف منها نسبا مـــــن وجــــهــــة نـــــظـــــره، بـــــل أحــبــهــا لشخصها دون منفعة ذاتية.
ويــضــيــف: «لــقــد عـشـقـت هــذه اإلنجليزية الصحراء بمجرد أن المستها قدماها، كانت تفضل الـــصـــحـــراء الـــواســـعـــة الـمـتـرامـيـة األطـــــراف عــلــى أن تـعـيـش حـيـاة في المدينة، وانغمست في حياة البادية وانصهرت في بوتقتها، إذ كـــان قلبها ينبض بالبهجة ويغمرها شعور بالسعادة حين تشاهد منظر بيوت شعر البدو الــــســــود، كـــانـــت تـــرتـــدي حـجـابـا وثــوبــا عـربـيـا وعـــبـــاءة، وتسير عطية الظفيري
عــلــى الــــرمــــال حــافــيــة الــقــدمــيــن، تــحــلــب الـــنـــوق وتــمــخــض الـلـبـن وتستخرج الزبد والسمن. كانت تمتطي صـهـوة الــفــرس وتـركـب عـــلـــى ظـــهـــر الـــبـــعـــيـــر، وغــــذاؤهــــا حليب الـنـوق والـتـمـر، واشـتـرت قطعان إبل منوعة من المجاهيم والمغاتير والحمر، يقدر عددها بمئتين وخمسين بعيرا بصفتها إبا خاصة لها ووضعت عليها وسمها الخاص». أسرة ثرية مرموقة
وعن ظروف نشأة جين يقول الـــظـــفـــيـــري فــــي إصـــــــــداره: ولــــدت النبيلة اإلنجليزية الليدي جين ديغبي Jane في Norfolk في 3 أبريل 1807 في نورفولك Digby إنــجــلــتــرا، ألســــرة ثــريــة مـرمـوقـة من طبقة النباء، فوالدها السير هنري ديغبي هو أميرال البحر، اكــتــســب شـــهـــرة بــخــوضــه حــرب الـــــطـــــرف األغــــــــــر، وكــــســــب ثـــــروة طائلة إثر استيائه على سفينة كـــنـــوز إســـبـــانـــيـــة، وكـــانـــت نـشـأة جـــيـــن ديـــغـــبـــي فــــي ريـــــف رعــــوي هــــــادئ، وتـــرعـــرعـــت فـــي رفــاهــيــة وغنى، وكانت طفولتها هادئة، وتمتعت بالتنشئة األرستقراطية النموذجية لسنها ومكانتها، في قصر يعج بالخادمات والمربيات والمعلمات.
غالف اإلصدار
ويـــــســـــتـــــطـــــرد الــــــبــــــاحــــــث فـــي الــــحــــديــــث عــــن ظـــــــروف الـــنـــشـــأة ويـــقـــول: «تـتـمـيـز طـبـقـة الـنـبـاء بــاهــتــمــامــهــا بــتــربــيــة وتـثـقـيـف أبــــنــــائــــهــــا، وإلــــــــى جــــانــــب ذكـــــاء جــيــن ديــغــبــي لـعـبـت تنشئتها االجتماعية دورا كبيرا بتمتعها بمواهب وثقافة رفيعة، فكانت فـتـاة مـوهـوبـة مـبـدعـة، وعـرفـت بـتـفـوقـهـا بـعـلـم اآلثـــــار والــرســم والـنـحـت والـمـوسـيـقـى وركـــوب الخيل، وقارئة نهمة ذات اطاع واسـع، وأديبة وشاعرة أجادت إلى جانب لغتها األم اإلنجليزية 8 لـــــــغـــــــات هــــــــــي: الــــفــــرنــــســــيــــة، واإليـــــــطـــــــالـــــــيـــــــة، واأللــــــمــــــانــــــيــــــة، والــــــســــــافــــــيــــــة، واإلســـــبـــــانـــــيـــــة، والعربية، والتركية، واليونانية». مرهفة اإلحساس
ســافــرت الـلـيـدي جـيـن خــارج إنجلترا وهي في الثالثة عشرة مـــــن عــــمــــرهــــا، فـــأمـــضـــت بــعــض الــــوقــــت فــــي فـــرنـــســـا وإيـــطـــالـــيـــا وســـــويـــــســـــرا، وكـــــانـــــت مـــحـــدثـــة بارعة تسحر ألباب مستمعيها، ويـجـمـع حديثها بـيـن المنطق الــمــقــنــع والـــشـــاعـــريـــة الــمــرهــفــة اإلحساس. رشيقة كأنها فراشة تـــمـــرح بـــيـــن الـــــزهـــــور، بــيــضــاء، فـــــارعـــــة الــــــطــــــول، أنـــفـــهـــا دقـــيـــق صـغـيـر، لــؤلــؤيــة األســـنـــان وفـي
بسمتها إشــراقــة، ينسدل على كتفيها شعر حريري أشقر مثل خيوط الذهب، ويشع من عينيها الزرقاوين: بريق ساحر. ونظرا لــجــمــالــهــا الـــبـــاهـــر فـــقـــد عـلـقـت صورتها في صالون الجميات في مدينة ميونيخ.
إن فتاة تتميز بهذه الصفات ال بـــد أن يــتــنــافــس عــلــى خطب ودهــا أو االقـتـران بها كثير من الـــشـــبـــاب والـــــرجـــــال، وكـــــان أول شخص تزوجته هو إدوارد لو Edward Law (لـــــورد إلـيـنـبـره .)Ellenborough وفـــــي عـهـد الملكة فيكتوريا، ملكة بريطانيا آنذاك، أصبح لورد إلينبره وزيرا لـلـعـدل، ثــم حـاكـمـا للهند فيما بعد. وقـد شغلته مهام الــوزارة عــــن جـــيـــن ديـــغـــبـــي أو الـــلـــيـــدي إلــيــنــبــره. كــــان يـقـضـي ســاعــات طــــويــــلــــة فـــــي مـــجـــلـــس الـــعـــمـــوم حــتــى الــلــيــل، ويـنـشـغـل بكتابة الخطب واالجتماع مع أصدقائه السياسيين، ثــم ســـارت األمــور إلى االنفصال، ثم ارتبطت بقصة حــــب مــــع شـــخـــص آخـــــر لـــكـــن لـم يكتب لهذه الحكاية االستمرار. فشل التجارب العاطفية
الـتـقـت جـيـن ديـغـبـي فــي عـام م1853 بشاب بدوي، وتذكر حين قـــدمـــت مــــن فــلــســطــيــن شـــاهـــدت وهــــــــي فــــــي طــــريــــقــــهــــا مـــضـــربـــا لـــــبـــــدو يــــتــــكــــون مــــــن مـــجـــمـــوعـــة مــــن بـــيـــوت الـــشـــعـــر، وكــــــان هـــذا الـــمـــضـــرب لـــمـــرافـــقـــهـــا الـــجـــديـــد الـــــذي ســيــصــحــب الـــلـــيـــدي عبر ســـوريـــة إلـــى تـــدمـــر، وهـــو شـاب ذكــــــي مــــن الــــبــــدو األقـــــحـــــاح فـي أواخــــر الـعـشـريـنـيـات مــن عمره ذو شــخــصــيــة جــــذابــــة ودودة، تستميل الفرد نحوها من أول لــقــاء، قـامـتـه مـتـوسـطـة ولكنها مــــنــــتــــصــــبــــة، نــــحــــيــــف الــــبــــنــــيــــة، رشيق في خطواته، هذا الشاب هــــو الـــشـــيـــخ مـــجـــول بــــن نــهــابــة الـــــمـــــضـــــرب، مـــــن أســــــــرة بــــدويــــة كـريـمـة الـمـحـتـد مــن الـمـصـاربـة مـن فخذ البطينات مـن عشيرة السبعة من قبيلة عنزة، والشيخ مجول شاب مثقف يجيد القراء ة والـكـتـابـة بـالـعـربـيـة، ويـتـحـدث اللغة التركية والفرنسية وشيئا من اإليطالية. أب استثنائي
ويــعــد والــــد مــجــول استثناء نـــــادرا بــيــن أفـــــراد قـبـيـلـة عــنــزة، فــهــو يـجـيـد الـــقـــراءة والــكــتــابــة، وقـد هيأ ألبنائه معلما عندما كـــانـــوا فــتــيــانــا يـعـلـمـهـم قــواعــد القراءة والكتابة؛ ولكن من بين اإلخوة التسعة، لم يهتم بالعلم ســــوى مـــجـــول، ويــســيــطــر فخذ البطينات مــن عـشـيـرة السبعة على الصحراء المحيطة بمدينة تـــدمـــر، تـلـك الـــواحـــة الـتـاريـخـيـة الـمـهـمـة وحــلــقــة الـــوصـــل لـطـرق الــقــوافــل الـتـجـاريـة الــقــادمــة من الــشــرق الــتــي تــربــط بـيـن بـغـداد ودمشق، والتي تعود إلى ما قبل اإلمبراطورية الرومانية، ولعب الــبــطــيــنــات دورا مـــحـــوريـــا في حماية البلدة مـن غـزو القبائل األخرى، وتأمين طريق التجارة، مقابل أن يدفع التدمريون إتاوة سنوية مقدارها 150 بعيرا.
ويـــحـــظـــى مــــجــــول بـــاحـــتـــرام وتـــقـــديـــر كـــبـــيـــريـــن بـــيـــن قـــومـــه، وعـــنـــدمـــا يــقــبــل عــلــى الـمـجـلـس ينهض الرجال احتراما له، وال يجلسون حتى يأذن لهم، وعلى الــــــــدوام يـــخـــاطـــبـــونـــه يــــا شــيــخ، وهناك تقاليد صارمة في بيت الـشـعـر. وفـــي الــصــحــراء وأثــنــاء الــرحــات ال يـوجـد تمييز بينه وبـيـن رفــاقــه، يـأكـل معهم نفس األكل. أول ما لفت انتباهها مهرة مجول الجميلة، وسألته عنها وإذا ما كان يرغب في بيعها، ثم تحدث إليها عن ساالت الخيل الـــعـــربـــيـــة األصـــيـــلـــة وأحــــاديــــث أخرى عن التاريخ واآلثار.