Al Shabiba

إليزابيث درو

-

من المتفق عليه عمومًا في واشـــنطن العاصمة أن رئاســـة دونالـــد ترامب تدخـــل مرحلة جديدة. ولكـــن تعريف هذه المرحلة على وجه التحديد أمر مُعضِل وملتبس.

كان من المتوقع عل نطاق واسع أن يؤدي إبعاد ستيفن بانون كبير مستشـــاري البيت الأبيض الأسبق والتجسيد المقيـــم للقومية الأمربكية البيضاء إلى جعل الإدارة تجري بقـــدر أكبر من السلاســـة، وتخفيـــف حِـــدة (وإن لم يكن القضاء على) الاقتتال الداخلي، وتقليل عدد التســـريب­ات. وربما أصبحت الحرب الداخلية أكثر هدوءًا منذ تولى جون كيلـــي منصب رئيس هيئـــة العاملين فـــي البيت الأبيض، وفَـــرَض المزيد من النظـــام في الجناح الغربـــي. ولكن ما دام ترامب رئيسًـــا، فلن يكون النظام الســـمة الرئيســـي­ة للبيـــت الأبيض. والواقـــع أن ترامب لا يـــزال على اتصال دائم بســـتيفن بانون، الذي عاد إلى تولي المســـؤول­ية في بريتبارت نيوز.

كان من المحتم، بحلول أوائل سبتمبر، بعد مرور خمسة أســـابيع كاملـــة على كيلي فـــي منصبه، أن يبـــدي ترامب الانزعـــا­ج في ظل القيود التي فرضها رئيس هيئة العاملين لديـــه. الواقع أن كيلي فرض ضوابط مشـــددة على عملية اختيـــار من يدخل المكتب البيضـــاو­ي، وهو يتنصت على أغلب مكالمات ترامب الهاتفية خلال ساعات العمل، وهو من يقـــرر أي قطعة من الورق تصل إلـــى مكتب الرئيس، مما يزيل الخطب المطولة المفرطة في الإيديولوج­ية التي تعود بعض الموظفين على تمريرها إليه خلسة.

المشـــكلة أن ترامب يحـــب الفوضى، وهكـــذا كان يدير أعماله، وهو لا يحب أن يسوســـه أحد. وكان يحب السماح لأشـــخاص مفضليـــن بالدخول إلـــى مكتبه وقتما شـــاءوا، وكانـــت عقيدته الإداريـــ­ة تتلخص في تأليـــب الناس على بعضهـــم بعضا. وهو لا يكلف نفســـه عناء الســـيطرة على انفعالاتــ­ـه عندما يتعامل مع مســـاعديه. وحتى كيلي، وهو جنرال ســـابق في ســـلاح البحرية، وقع تحت سياط لسان ترامـــب. والآن يراهن المراقبون على متـــى يقرر كيلي أنه نال ما يكفي.

لم أعهد البيت الأبيض قَـــط بهذه الصورة إذ يعتمد قدر كبير من الأمر على من جلب على نفســـه غضب الرئيس. كان جـــاري كوهـــن، رئيـــس جولدمان ســـاكس الأســـبق وكبير مراقبي العمليات الذي يشـــغل منصب المستشـــا­ر الاقتصـــا­دي للرئيـــس ترامـــب، آخـــر المقاليـــ­ن. وكانـــت الخطيئة التي ارتكبها كوهن أنه أذاع علنًا أنه كاد يستقيل في أعقاب أعمال العنف التي اندلعت الشـــهر الفائت في شارولتســـ­فيل في ولاية فرجينيا، عندما ساوى ترامب بين المتظاهرين من المؤمنين بتفوق العِرق الأبيض والنازيين الجدد، الذيـــن كان كثيرون منهم يحملون الســـلاح، وبين أولئك الذين عارضوهم.

فـــي واقـــع الأمر، ربمـــا يتعاطف المرء بعض الشـــيء مع رئيس يريد مساعده أن يلعب على الحبلين، كما فعل كوهن فيبدي الألم والأسى دون أن يلحق ذلك بالأفعال. ولكن ربما تنشأ المشاكل عندما يختار الرئيس تجاهل كبير مستشاريه الاقتصاديي­ن. فقد اعتُبِر كوهن واحـــدًا من الأصوات الأكثر اعتدالًا في الإدارة، وكان يريد أن يخلف جانيت يلين كرئيس لمجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي.

في أوائل ســـبتمبر بلغت التكهنات حـــول إمكانية ظهور »ترامب جديد« ذروتها، عندما أبرم الرئيس اتفاقًا مفاجئًا مع القـــادة الديمقراطي­ين في الكونجرس. فقد اتفق ترامب مع زعيمة الأقلية في مجلس النواب نانسي بيلوسي، ونظيرها في مجلس الشـــيوخ تشاك شومر، على كيفية زيادة سقف الدين الفيدرالي، الذي يتعين على الكونجرس رفعه كل عام مع زيادة الإنفاق، وتوسيع الاعتمادات للإبقاء على الحكومة عاملة (لأن الكونجرس يفشـــل بشـــكل روتينـــي في تدوين فواتير الاعتمادات في الوقت المحدد). وكان كل من البندين مربوطًـــا باعتماد خاص في أعقاب إعصـــار هارفي لتغطية تكاليف جهود إعادة البناء، ولاحقًا إعصار إيرما الأكبر.

فـــي خضم المناقشـــ­ة في اجتمـــاع المكتـــب البيضاوي مع بيلوســـي وشـــومر، قاطع ترامب وزير الخزانة ســـتيف منوشـــين عندمـــا كان يدافع عن موقـــف الجمهوريين بأن هـــذه القضايـــا ينبغي أن تؤجـــل لمدة 18 شـــهرًا، إلى ما بعـــد انتخابـــا­ت الكونجرس فـــي العـــام 2018. وقد زعم الديمقراطي­ون أن زيادة ســـقف الدين وتوسيع الاعتمادات ينبغـــي أن يـــدوم لمـــدة ثلاثـــة أشـــهر فقـــط، ممـــا يجبر الجمهورييـ­ــن على الإدلاء بأصوات فيهـــا مخاطرة انتخابية قبل انتخابات 2018.

قبـــل الاجتمـــا­ع، رَفَض رئيس مجلس النـــواب بول ريان بشـــدة اقتراح الديمقراطي­يـــن. ولكن فجـــأة، وبدون حتى إخطار مساعديه، تبنى ترامب الاقتراح. وبهذا، قَبِل مؤلف كتاب »فن الصفقات« موقف الديمقراطي­ين المنفتح.

وذهب المعلقون إلى المبالغة، فأضفوا على الأمر أهمية كبيـــرة: فالآن لـــم يعد ترامب جمهوريًا بل مســـتقلًا. وربما ينشـــئ حزبًا ثالثًا. وكان ذلك التحرك بمثابة بداية طريقة جديدة للحكم.

حقيقـــة الأمر أن ترامب ربمـــا رأى فرصة وانتهزها. ففي غياب أي إنجازات تشـــريعية حقيقية يستطيع أن ينسبها إلى نفســـه، يصبـــح بهـــذا وكأنه فعـــل شـــيئًا. وكان قادة الجمهوريين فـــي الكونجرس، وريان، وزعيـــم الأغلبية في مجلس الشـــيوخ ميتش ماكونيل، علـــى خلاف مع ترامب لبعـــض الوقت، لأنهـــم كانـــوا عاجزين عن تنفيـــذ أجندته التشـــريع­ية. وقد شـــعر بالحرج والغضب إزاء فشـــلهم في إلغـــاء وإحلال قانون الرعاية الميســـرة، أو أوباما كير. (لم يعترف ترامب بمســـاهما­ته الخاصة فـــي الكارثة). وفي ما يتصـــل بالعديد من القضايـــا، يفتقر ترامب إلـــى الأغلبية الحاكمة في مجلس الشيوخ.

في خضم كل هذه الإثارة بشـــأن اصطفـــاف ترامب مع الزعمـــاء الديمقراطي­يـــن، جـــرى تجاهـــل حقيقـــة مفادها أن القضيـــة المطروحـــ­ة تتعلق بتوقيت التشـــريع، وليس جوهـــره. والواقع أن المناقشـــ­ات المحتدمة اللاحقة حول معتقدات ترامب الأساسية فربما كان ديمقراطيًا في السِر، فقد تبرع لمرشحين ديمقراطيين ذات مرة وكان متعاطفًا مـــع مواقف الديمقراطي­ين (مثـــل موقفهم من الإجهاض)، -أخطأت بيـــت القصيد. ذلك أن ترامب لا يعتنق فلســـفة سياسية بعينها، بل هو انتهازي متعطش للدعاية والثناء.

بيد أن هذا الســـلوك الجاحد ربما يتبين أنه ذاتي الدفع. فعلى الرغم من ازدرائه لوســـائل الإعلام »غير الشـــريفة،« كان ترامب مبتهجًـــا إزاء التغطية الصحافية الإيجابية التي حظيـــت بها خطوتـــه الثنائيـــ­ة الحزبية. وربمـــا يغريه هذا فيحاول القيام بتحركات أخرى من القبيل نفسه.

المشكلة أن ترامب يحب الفوضى، وهكذا كان يدير أعماله، وهو لا يحب أن يسوسه أحد1 وكان يحب السماح لأشخاص مفضلين بالدخول إلى مكتبه وقتما شاؤوا

Newspapers in Arabic

Newspapers from Oman