محمد العريان
إن المؤسســـات الراســـخة فـــي المجتمـــع والتـــي تتمتع بالمصداقية والفعالية وتخضع للمساءلة كانت دوما تعتبر حيوية بالنسبة لخير المجتمع الدائم ورفاهيته فهي تحمي البلـــدان من التقلبـــات المتكـــررة والمقلقة ســـواء كانت اقتصادية أو إجتماعية كما أنها تخفف من خطر الصدمات المكلفـــة ولكن هـــذه الإيام فإن المؤسســـات السياســـية والإقتصادية الرئيســـية تتعرض لضغط بسبب التغييرات غير الاعتيادية في بيئة العمل فيها وتأثيرات تصاعد فقدان الثقة بالنسبة لجمهور الناخبين لتلك المؤسسات.
إن التداعيـــات تختلف مع احتماليـــة أكبر بكثير للتأقلم بما في ذلك من خلال عملية منظمة نسبيا للتدمير الخلاق وإعادة البناء بالنســـبة للكيانات الخاصة مقارنة بالكيانات العامة فتلك الأخيرة تتطلب تكثيف جهود الأصلاح خشـــية أن تشكل عقبة أخرى لقدرة الإقتصاد العالمي على تحقيق نمو كبير وشامل على أساس دائم.
إن المؤسسات القوية تشبه شـــبكات الطرق المصممة بعنايـــة والتي تعمل بشـــكل جيد فهي تعمـــل على تمكين الاقتصادات عـــن طريق التحقق من وجود بيئة تشـــغيلية مســـتقرة وآليات انتقال أكثر سلاسة وتعاملات إقتصادية أقل تكلفة ومخاطرة ومجموعة معتبرة من حقوق الملكية واحترام حكم القانون.
إن تلك المؤسســـات لا تعتبر عوامل مساعدة لمجموعة واســـعة من العلاقات الرابحة فحســـب ولكنها تعتبر كذلك مثـــل الحارس الأمين وعليه ولعقود عديدة كان ينظر لمثل تلك المؤسســـات على أنها العنصر الرئيسي الذي يجعلنا نميـــز الاقتصـــادات المتقدمة عن البلـــدان النامية التي ما تزال تخضع لمجموعة أوســـع كثيرا من الصدمات الدورية والهيكيلية المضرة.
لكن في الســـنوات الأخيرة كانت هنـــاك تحديات تواجه ذلـــك التصنيف بعـــد تردي وضـــع المؤسســـات الخاصة والعامة التي لديها تأثير منهجي كبير.
بالنســـبة لمجموعة الشركات الخاصة التي تزداد اتساعا فـــإن المصدر الرئيســـي للضغط كان تقنيـــا وخاصة ذلك التقـــدم الذي يعكـــس مزيجا قويـــا على نحـــو متزايد من الذكاء الصناعي والبيانـــات الكبيرة وإمكانية التنقل ولقد كان التحدي كبيرا ان لم يكن كارثيا بالنسبة لأولئك الذين يواجهون تنافســـاً كبيراً من منافســـين جـــدد قادرين على المـــزج بين المحتوى الذي يحدث تغييراً كبيراً والمنصات الكبيرة- إن من أهم الأمثلة على ذلك أمازون وفيســـبوك وجوجـــل ونيتفليكـــس واوبـــر- وكما يظهر مـــن الاهتمام التنظيمي المتزايد الذي تجتذبه تلك الشـــركات بالإضافة الى الاهتمام الإعلامي المتزايـــد المخصص لأمور مختلفة مثيـــرة للجـــدل (مثل تلـــك المتعلقـــة »بالأخبـــار الزائفة« والثقافة الداخلية لإدارة الشركات) فإنه يتوجب على تلك
الشـــركات التأقلم وأن تبقى مرنه بينما تكتسب المزيد من التأثير والمكانة المنهجية.
إن عمليـــة التأقلم تعتبر أصعب بالنســـبة للمؤسســـات العامـــة اذا اخذنا بعيـــن الاعتبار أدوارها الواســـعة النطاق كجهات تمكينية وتنظيميـــة بالإضافة إلى دورها كحارس. إن تلك المؤسســـات عادة ما تمثل خصائص »الاحتكارات الطبيعية« وعليه هي ليست محمية من التغييرات الكبيرة فحسب ولكنها أيضا تقمع وتؤخر الابتكارات المفيدة.
إن التعطيل الداخلي والمعلومات غير الكاملة والعزوف عـــن المخاطـــرة والتحيز المقصـــود وغيـــر المقصود هي عوامـــل تجتمع من أجـــل إعاقة الاعتـــراف بأهمية التأقلم والحاجة الملحة له، وحتـــى التقصير الأقل خطورة – مثل البـــطء في تحديـــث القوانين مـــن أجل مواكبـــة الحقائق المتغيرة- يؤثر سلبا على الرخاء الإقتصادي.
إن هذا الفشـــل الواضح والمســـتمر للأنظمـــة التعليمية فـــي تبنـــي اختراقات تقنيـــة مثيـــرة للاهتمام هـــي مثال معروف على هذا التعطيل ومـــن الأمثلة الأقل وضوحا هو تأخر المؤسســـات الاقتصادية في تحديـــث النهج المتعلق بالسياســـات بما فـــي ذلك من خلال تطبيق أســـرع لرؤى وأدوات مهمـــة مـــن العلـــم الســـلوكي والـــذكاء الصناعي وعلـــم الأعصاب وغيرها من التخصصات كما يوجد كذلك الإنحدار المستمر في برامج إكتساب المهارات.
ونتيجـــة لذلك فإن هناك انخفاضاً كبيراً للثقة في فعالية المؤسسات العامة علما أن الضرر لمصداقيتها قد يقوض فعاليتها ويؤدي إلى استدامة حلقة مفرغة ناتجة عن فشلها في تحقيق نمو كبير وشامل.
إن فهمنـــا لكيفيـــة تأقلم وإصـــلاح المؤسســـات العامة مـــا يزال يتطـــور ممـــا يعني أن الحـــل الكامل لـــم يظهر بعد ولكن هنـــاك عدد قليل من العوامـــل الضرورية التي أصبحـــت واضحة وهـــي: الحد مـــن الضرر بمـــا في ذلك عن طريـــق مقاومة الميـــل الطبيعي للترويـــج لمقارابات وكيانـــات وعقليات غير فعالة بشـــكل متزايـــد وإن كانت مترسخة والانفتاح بشـــكل أكبر على الدروس المستفادة من الجهـــات الخارجية التي تحدث تغييـــرا كبيرا والرغبة فـــي إعـــادة النظر في أســـس العمليات ونمـــاذج الأعمال التجارية برمتها وتعزيز التواصـــل بين القطاعين الخاص والعـــام، وليس فقط من اجـــل المحتوى المباشـــر ولكن ايضا كأســـلوب مـــن أجل توســـيع نطاق ترســـيخ أفضل الممارسات وتحسين أساليب الاتصالات العامة خشية من أن الفشـــل المستمر المتعلق بالمعلومات والقنوات التي تزداد قدما وتراكم انعدام الثقة قد يؤدي إلى تفاقم الفشل العملياتـــي وحتـــى الآن فإن العديد من المؤسســـات ذات النفـــوذ المتأصل قد تخلفت عـــن ركب تحديد الاصلاحات وتطبيقهـــا وقد أدى ذلـــك الى زيادة مشـــاعر خيبة الأمل والعزلـــة والتهميش من قبل قطاعات مـــن المجتمع تجاه الحكومات التي لا تســـتمع أو تتجاوب مع مخاوف عميقة تتعلـــق بانعـــدام الأمـــن الاقتصادي وهي ظاهرة تتشـــكل منذ ســـنوات عديـــدة والتـــي لا يمكن ازالتها بين عشـــية وضحاها وهي تؤدي بشكل متزايد إلى زيادة الاضطرابات الاجتماعية والسياسية.
إن المؤسســـات مهمـــة وخاصـــة فـــي فتـــرة التغيـــرات الاقتصاديـــة والسياســـية والاجتماعية وكلمـــا طالت فترة اســـتعادة الثقة في المؤسســـات العامة وبشـــكل أقل في المؤسســـات الخاصة كلمـــا زادت المعوقـــات التي تواجه ازدهارنا وازدهار أولادنا.
إن المؤسسات القوية تشبه شبكات الطرق المصممة بعناية فهي تعمل على تمكين الاقتصادات عن طريق التحقق من وجود بيئة تشغيلية مستقرة