السياسة وتخريب التقدم
المشكلة أن العاملون على تحقيق أهداف التنمية المستدامة يواجهون بحواجز يقيمها رجال الثقة السياسية
مؤسســـة بل وميليندا جيتـــس، في تعطـــل أي تقدم نحو تحقيـــق مجموعة واســـعة من أهداف التنمية المســـتدامة »فـــي غيـــاب التركيز بشـــكل أكثر تعمقـــا ورزانـــة وأكثر اســـتفادة من البيانات علـــى احتياجات النســـاء والفتيات بشـــكل خاص. على مـــدار القرنين الفائتيـــن، قطع العالَم أشواطا كبيرة نحو الحد من الوفيات بين الأطفال الرُ ضع، حتـــى أن المرأة العادية لم تعـــد مضطرة إلى إنفاق خمس سنوات من حياتها حبلى وعشر سنوات أخرى في الإرضاع والرعايـــة. ومع ذلك، لا تزال الأنظمة الأبوية التقليدية تمنع النســـاء من المســـاهمة بما يتفق مع إمكاناتهن الحقيقية، وفي غياب المزيد من البيانات لا يمكننا أن نرى أين تكمن هذه العوائق.
مـــن جانبه، حَـــ ذر الخبير الاقتصادي الحائـــز على جائزة نوبل في علوم الاقتصاد مايكل ســـبنس من تضاؤل الأمل في »الحد من الفقر وتلبية التطلعات الإنســـانية الأساسية في الصحة، والأمن، والفرصة للإسهام بشكل منتج ومبدع فـــي المجتمـــع«. وما يزيد الأمـــور تعقيـــدا أن التوزيع غير العادل لفوائد النمو يهدد بتأجيج »الاضطرابات السياسية أو الاجتماعية التي تتســـم غالبا بالاستقطاب الإيديولوجي أو العِرقـــي، والـــذي يؤدي بدوره إما إلى تقلبات سياســـية واسعة النطاق أو شلل سياسي.«
ويُعرِب كوشـــيك باسو من جامعة كورنيل عن أسفه إزاء تحـــول »تباطؤ النمو« في الهند، التـــي كانت تُعَد ذات يوم »الممثل الأفضل للاســـتقرار السياسي والنمو الاقتصادي بيـــن الاقتصادات الناشـــئة«، إلى »مصدر للقلق الشـــديد ليس فقط على المســـتوى المحلـــي، بل في مختلف أنحاء العالَم«. ولتصحيح مســـار الســـفينة الهندية، يدعو باســـو الحكومـــة إلى تركيـــز جهود التنمية علـــى قطاعات بعينها مثل الصحة والتعليم والســـياحة الطبية، وبذل المزيد من الجهد لاجتذاب الاستثمار الرأسمالي.
في اعتقادي أن الشاغل الأساسي المشترك في كل هذه التعليقات ليس الاقتصاد بقدر ما هو السياســـة والناس ــ وسياسة الناس. نحن نعيش في عالَم أكثر ثراءً بأشواط من العالَم الذي عايشـــه أي جيل سابق. فمن الناحية النظرية، لابد أن يكون من الســـهل ضمان حصـــول كل الناس على مـــا يحتاجون إليه مـــن تغذية ورعاية صحية لكي يعيشـــوا حياة كاملة. ولابد أن يكون تعليم كل الناس، حتى يتمكنوا من الاســـتفادة عل أفضل وجه من التكنولوجيات الحديثة وغيـــر ذلك مـــن الموارد تحـــت تصرفهم، مـــن الضرورات الواضحة. ولابد أن يكون من الواضح للجميع ــ حتى الأكثر ثراء بيننا ــ أن توفير الراحة في ســـن الشـــيخوخة، والرخاء للجيل المقبل، يتطلـــب أن يدفع الأثرياء القدر الكافي من الضرائب لضمان تقاسم النمو بشكل حقيقي وعادل.
المشـــكلة هي أنه فـــي حين يعمل كثيـــرون نحو تحقيق أهداف التنمية المســـتدامة، يعمل رجال الثقة السياســـية (وبعض نسائها) على إقامة حواجز جديدة، من خلال تأجيج الاستياء والســـخط بين أولئك الذين حققوا أكبر استفادة من النمو المتفاوت، فضلا عن أولئك الذين لم يســـتفيدوا منه على الإطلاق. وفي الولايات المتحدة، يســـتطيع المرء أن يرى هذا كل ســـاعة على شاشـــات فوكس نيوز، حيث يجري بشـــكل روتيني تشـــويه ســـمعة عمال قطـــع الغيار المكســـيكيين، واللاجئين الســـلفادوريين، والمســـلمين، والأمريكيين »غير المعترفين بالجميل« من ذوي البشـــرة الملونة، و«أنصار العولمة« من جميع المشـــارب. وبطبيعة الحال، يســـتطيع المرء أن يرى الشـــيء نفســـه في بلدان أخرى في مختلف أنحاء العالَم.
بيد أن العديد من أولئك الجالسين في منازلهم يشاهدون أخبار قنـــوات الكابل (أو يطالعون التعليقات حول أهداف التنمية المســـتدامة في الصحف) ينتمون إلى أعلى %50 دخلا في الشمال العالَمي، أو ينتمون إلى أعلى %20 دخلا في الجنوب العالَمي. ونحن من ينبغي لنا أن نكون شاكرين لظروفنـــا. فبعضنـــا يملك ثـــروات أكبر كثيـــرا مما يملكه آخرون؛ ولكننا جميعا نملك ثروات أكبر كثيرا مما نستحق.
مـــرة أخرى، ربما ينبغي لنـــا أن نتوقف على الإطلاق عن التفكير من منظور ما هو »مســـتحق«. فكما تذكرنا إحدى شـــخصيات رواية أورســـولا كيه. لي جويـــن الصادرة العام 1974 بعنوان المحرومون: »كل منا يســـتحق كل شـــيء، وكل منا لا يستحق أي شيء.«
بعبـــارة أخرى، ربمـــا يتطلـــب تحقيق أهـــداف التنمية المستدامة نهجا مختلفا تمام الاختلاف. فكما تضيف نفس الشـــخصية في رواية لي جوين: »حرروا عقولكم من فكرة الاستحقاق، وفكرة الاكتســـاب، وآنئذ فقط ربما تصبحون قادرين على التفكير.«