فرانك بيشل
فـــي وقت فائت من هذا الشـــهر، حَـــ ذرَت رئيســـة ليبيريا الحائزة على جائزة نوبل للســـلام إلين جونسون سيرليف مـــن أن أفريقيا لـــن تتخلص من الفقر والجـــوع والمجاعة حتى توفـــر الحكومات للمزارعين مـــن أصحاب الحيازات الصغيـــرة الحقـــوق الآمنة فـــي الأرض. وكانت تتحدث من خبراتها الشخصية والسياسية.
تُعَد ســـيرليف ودولتها الصغيرة في غـــرب أفريقيا مثالا ممتازا للخسائر الثقيلة التي يتحملها الأفراد والمجتمعات والدول نتيجة لحقوق الأرض غير الآمنة. وكانت المنازعات حول ملكية الأراضي من الدوافع الأساســـية التي أشـــعلت شـــرارة الحرب الأهليـــة الدموية التي ابتليـــت بها ليبيريا طوال أربعة عشـــر عاما. وتســـتمر المطالبـــات المتداخلة بالأراضـــي في إثارة الصـــراع وعرقلة الاســـتثمار الأجنبي. وحتى الرئيســـة ليســـت محصنة ضد ضعف قوانين حيازة الأراضـــي؛ فقد اســـتولى واضعو اليد علـــى الأراضي على قطعة أرض مســـاحتها أربعة أفدنة اشـــترتها سيرليف في العام 1979، ورفضوا الخروج منها لسنوات.
وبوســـعنا أن نســـمع قصصا كهـــذه في مختلـــف أنحاء القارة. فوفقا للبنـــك الدولي، أكثر من %90 من الأراضي الريفيـــة فـــي أفريقيا غير موثقـــة بالتســـجيل. والواقع أن أجهزة إدارة الأراضي المتداخلـــة المتضاربة هي القاعدة، في ظـــل ســـجلات الأراضي غيـــر المتيســـرة، أو العتيقة، أو المنقوصـــة، أو غيـــر الدقيقة، أو التـــي لا وجود لها على الإطلاق. ولكن في حين تتكبـــد الحكومات الأفريقية بدون أدنى شـــك خسائر بالملايين من الاستثمار الأجنبي بسبب اختـــلال الأجهزة القائمة على تنظيم حيـــازة الأراضي، فإن المزارعين الأفارقة هم الأكثر عُرضة للضرر المباشر.
يواجه مزارعو الأســـر الصغيرة في أفريقيا ــ وهم بالفعل مثقلـــون بأعباء ناجمة عـــن تدهور التربة، وتغيـــر المناخ، والمنافســـة على الموارد التي تتفاقـــم حِدتها بفعل التزايد السكاني الســـريع ــ عقبة بيروقراطية أشـــد صعوبة: فهم لا يملكون أي ورقة تثبـــت ملكيتهم للأرض التي يعتبرونها بيتهم. وفي ظل ارتيابهم في قدرتهم على الســـيطرة على مزارعهـــم في الموســـم المقبل، تتقلص آفـــاق تخطيطهم للمســـتقبل. وبدلا من الاســـتثمار في حقول مدرجة، وزرع الأشـــجار، وشـــراء أســـمدة عالية الجودة، يســـعى مزارعو أفريقيا إلى تعظيم أرابحهم في الأمد القريب. ويصدق هذا بشكل خاص على المزارعات الإناث، اللاتي يواجهن عقبة إضافية متمثلة في قوانين الأراضي والعادات التمييزية.
تُظهِر الدراســـات أنه لا توجـــد وسيلة للحد من الفقر، أو تحســـين التغـذية، أو تحقيق أهـــداف التنمية الأســـاســـية الأخـــــرى، مـــن دون تعـزيـــز حقـــوق الأراضـــي، وخاصـــــة بالنســـــبة للنســـاء. فتأميـــن الحقـــوق في الأرض شــــرط أســـاسي للتنمية ببســاطــة.
في تنزانيا، تكســـب النســـاء اللاتي يتمتعن بحقوق آمنة فـــي الأرض ثلاثـــة أضعاف ما تكســـبه نظيراتهـــا اللاتي لا يملكـــن أرضا. وفي نيبال ســـنجد أن الأطفال الذين تتمتع أمهاتهم بحقوق آمنة في الأرض فرصتهم أكبر بنحو %33 للحصول على تغذية جيدة. وفي زامبيا، في المناطق حيث حقوق النســـاء في الأرض ضعيفـــة وحيث معدلات الإصابة بفيروس نقـــص المناعة البشـــرية مرتفعـــة، تكون فرصة النساء في الاستثمار لتحسين الحصاد أقل ــ حتى عندما لا يكون أزواجهن مصابين بفيروس نقص المناعة البشـــرية. وربما يجري إجبار النساء اللاتي يعشن مثل هذه الظروف على الخروج مـــن أراضيهن إذا ترملـــن، ومثل هذا التوقع يؤدي إلى إضعاف الاســـتثمار في المـــزارع، مما يؤثر على الحصاد وتغذية الأسر لسنوات.
ولأن هنـــاك نحـــو 400 مليـــون أنثى مزارعـــة، فإن مثل هذا الكشـــف يشـــير إلى التكاليـــف العالميـــة المرتفعة ــ قياســـا على الإنتاجية المهدرة والإمكانات الاقتصادية غير المحققة ــ الناجمة عن حقوق الأرض غير الآمنة للنساء.
وفـــي أفريقيـــا، تتجلى بوضـــوح علامات حقـــوق الأرض غيـــر الآمنة حرفيا. ففي بعض المناطق، أرغم ســـوء حفظ الســـجلات والبنيـــة الإدارية الضعيفة مـــلاك الأراضي على نشـــر إشـــعارات في حقولهم أو على مســـاكنهم، لتحذير المشـــترين المحتملين من أنهم ربما يُحتال عليهم لشراء قطع أرض من أشـــخاص ليســـوا هم أصحابها الشرعيين. وفي العديد من الدول، لا توجد ببساطة أي وسيلة لمعرفة من يملك أي قطعة من الأملاك.
تتمكـــن المجتمعـــات التـــي تتمتـــع بســـيطرة قانونيـــة واضحـــة على الأرض مـــن إدارة هـــذه المـــوارد على نحو أكثر انضباطا مقارنـــة بتلك التي تعاني من ضعف قوانين الحيازة. ويصدق نفس الأمر على الأفراد. ففي غانا سنجد أن المزارعيـــن الذيـــن يتمتعـــون بحقوق قويـــة في الأرض ترتفـــع احتمالات قيامهم بزرع الأشـــجار إلى %39 مقارنة بغيرهـــم. والمزارعون في إثيوبيا أكثر ميلا بنســـبة %60 إلى الاســـتثمار في منع تآكل التربة عندما يملكون حقوق آمنة في أراضيهم.
ولكـــن على الرغم مـــن وضوح الأدلة، فـــإن ما يقرب من مليار شـــخص فـــي مختلف أنحاء العالـــم لا زالوا يفتقرون إلى الحقوق الآمنة في الأرض التي يعتمدون عليها لكسب معايشهم. وكما أظهرت حملة »أرض صلبة« التي نظمتها مؤسســـة كاداســـتا ومنظمة موطـــن من أجل الإنســـانية مؤخرا، في اســـتطلاع جديـــد على الإنترنت، فإن أســـباب عدم اليقيـــن هذه تخلـــف عواقب بعيدة المـــدى. فحقوق الأرض الضعيفة قد تحد من قدرة المزارعين على الوصول إلى تأميـــن المحاصيل، مما يجعل من الصعب تســــــجيل أطفالهم في المدارس، وربما يساهم ذلك حتى في ارتفاع معدلات الانتحار.
في الوقـــت الحالي، يدرس مجلس الشـــيوخ في ليبيريا تشـــريعا مـــن شـــأنه أن يعزز بشـــكل كبير حقـــوق ملكية الأراضي لصالح المزارعين، بما في ذلك الإناث المزارعات. وقد فعلت نفس الشـــيء، أو تخطط للقيام به، دول عديدة أخرى في أفريقيا (وأبرزها رواندا وزامبيا) وفي آسيا (بما في ذلك ميانمـــار والهند). وينبغي لهذه الجهود أن تحظى بالدعم، ولابد من التعجيل بها وتكرارها.
بيـــد أن النـــاس لا ينتظـــرون حتى يتحـــرك قادتهم. وقد ظهـــرت بالفعل تكنولوجيات مبدعة ترســـم المســـار إلى الأمام في المجتمعات في الدول حيث الحكومات غير راغبة أو عاجزة. فبفضل تقدم أنظمة تحديد المواقع، والطائرات بـــدون طيار، والحوســـبة الســـحابية تحظـــى المجتمعات بالقـــدرة على تســـجيل الأراضي ــ في ظـــل الدعم، أو في غيـــاب الدعم، المتمثل في الاعتراف الرســـمي. فبالتعاون مع مؤسســـة كاداستا، تســـتخدم المجتمعات من نيجيريا إلـــى الهند أجهزة محمولة يدويا لرســـم حـــدود الملكيات ودعم مطالبات الأراضي بأدلة قوية، وهو ما يسمح بالتالي بتعزيز الحيازة تدريجيا.
الواقـــع أن المحاولة التـــي تبذلها ليبيريـــا لقيادة عملية إصـــلاح حقوق الأراضي على نطـــاق القارة بالكامل موضع ترحيـــب؛ ويـــدرك الزعماء مـــن أمثال ســـيرليف بوضوح التحديات التـــي تصاحب ضعف القوانين المنظمة لحيازة الأراضي. ولكن التغييرات البنيوية ســـوف تستغرق بعض الوقت. وفي غياب التدخـــل الحكومي الأكثر حزما، يتعين على المجتمعات والأفراد أن يعملوا على دفع عجلة الجهود التقليدية وإكمال الفراغات على الخريطة.
تتمكن المجتمعات التي تتمتع بسيطرة قانونية على الأرض من إدارة الموارد على نحو أكثر انضباطاً مقارنة بتلك التي تعاني من ضعف قوانين الحيازة