مشاريع حكومية لا تشتري الصناعات الوطنية!
إذا رغبنـــا في تطويـــر الصناعـــة العُمانية والنهوض بهـــا كقاطرة تقود الاقتصاد كما يحـــدث فـــي كل دول العالـــم، ليس فقط عبر تحفيز المســـتثمرين في هذا القطاع الحيـــوي والمهـــم، ما لـــم يقتـــرن بزيادة مشـــتريات القطاع العام مـــن الصناعات الوطنية وبنسبة 100 %، فليس في ذلك حرج، فـــإذا كنـــا نؤمـــن أن منتجاتنا ذات مواصفات ومقاييس عالية وجودة متناهية ومطابقة للمواصفـــات العُمانية والعالمية، فلمـــاذا لا نلـــزم القطـــاع العـــام بالاكتفاء بالمنتـــج الصناعي الوطنـــي وليس غيره، فنحن وواقعيا نشـــتري المنتجات العُمانية إذا كانت أســـعارها أعلى من المســـتوردة بنســـبة 10 % حســـب قانـــون مجلـــس المناقصـــات كمفاضلـــة ليـــس أكثر، فهل نعتقـــد أن هذا هو الدعـــم الواجب تقديمه للصناعـــة الوطنيـــة، في حيـــن أن الواقع المؤلـــم يتمثل فـــي ما نســـمعه من بعض الصناعييـــن عندما يتحدثون بحســـرة عن معاناتهم في إقناع المســـؤولين وأصحاب الشركات العاملة في المشاريع الحكومية والاستشاريين لشراء منتجاتهم.
في حين يُفتح الباب على مصراعيه أمام المنتجات المســـتوردة بـــدون أي مبررات اقتصاديـــة أو علميـــة بشـــأن المواصفات والمقاييـــس كأن تفضـــي لحقيقـــة أن المســـتوردة أفضـــل جودة مـــن منتجاتنا، وهـــذا مـــا يجـــب أن تحقـــق فيـــه الجهات المختصـــة ومن أجـــل الوصـــول للدوافع الحقيقية لتصرف كهذا فلا يجب أن يترك الحابل على الغارب مـــن الآن فصاعدا إذا رغبنا من شـــركاتنا تلبية التزامات وطنية وقيام صناعة بمفاهيم الصناعة.
هناك الكثير من المشـــاريع التي حدثت فيها مثـــل هذه التصرفات، منها مشـــروع مطار مسقط والمطارات الأخرى، فالرخام العُمانـــي لـــم يُحبـــذ أمـــام إغـــراء الرخام الإيطالي والهنـــدي وغيره، وبصعوبة بالغة تم شـــراء ما نســـبته 20 % من احتياجات المشروع، في حين أن 80 % من الرخـــام اســـتـــورد مـــن الخـــارج وكذلـــك الإنـــارة والمـــواد الصحيــة وغيــرها من متطلبات المشــــــروع، فهـــذا نموذج بســـيط وواحد فقـــط مـــن مئـــــات النمـــاذج التي تهمش فيهـــا الصناعات الوطنيـــة، فهل ما يحدث يعـــد ظاهــرة صحيـــة، ليتســـنى لنا بعدها مطالبـــة الصناعييـــن بتطويـــر صناعاتهم والتوســـع فيهـــا واســـتيعاب أبنائنـــا مـــن الباحثين عن عمل؟!
اليوم نحن أمـــام مفترق طرق فإذا رغبنا فعلا فـــي تطوير صناعتنـــا الوطنية فعلينا فقط شـــراء منتجاتها وليس هناك منطقة وسطى في هذا الشأن.
فاليوم الصناعـــات الوطنية مرغوبة من دول العالـــم وتصدر لعشـــرات إن لم تكن المئـــات مـــن دول العالم، وعليهـــا طلب، وتقـــام معـــارض فـــي دول العالـــم لزيادة التصديـــر وامتصـــاص الطاقـــة الإنتاجية الفائضة، في حين تفضل مشاريع حكومية للأســـف شـــراء منتجات مســـتوردة، ماذا يمكـــن أن نقـــول في ذلك، أكثـــر ما يجب التحقيق فيه معاقبة المتسببين.
هنـــاك بعـــض الـــــدول كالجزائـــر إذا توفـــر المنتـــج المحلـــي تحظر اســـتيراد المنتجـــات الأخرى مـــن دخـــول أراضيها لتشـــجيع الصناعات المحلية ودول أخرى تفـــرض ضرائـــب علـــى الاســـتيراد لرفع التكلفـــة وغيرهـــا مــــــن الإجـــراءات التي تتخذهـــا الدول، فـــي حين أننـــا لا نطالب بحظر اســـتيراد منتجــات منافســـة وعدم إتاحتهـــا للعامـــة، أكثـــر مــن أن تشـــتري جهـــات حكوميـــة أو تلزم بشـــراء منتجات وطنيـــة بـــدلا مـــن المســـتوردة، ففي هذه الممارســـات مفارقة غريبـــة، كيف نرغب بتشجيع الصناعة لكي تأخذ وضعها، ونحن كوزارات لا نشتري منتجاتها.
صحيـــح إن الجهـــات المختصـــة كوزارة التجـــارة والصناعـــة والمؤسســـة العامـــة للمناطـــق الصناعية والهيئة العامة لترويج الاســـتثمار وتنمية الصادرات وغرفة تجارة وصناعة عمان تشـــجع الصناعـــة الوطنية وتحفز المســـتثمرين بكل الطـــرق، إلا أن ذلـــك ليـــس كافيا فـــي ظل وجـــود جهات أخرى تفضل المنتج الأجنبي، فالمطلوب الآن سن تشـــريعات وقوانين صارمة تلزم الجميـــع بشـــراء المنتجـــات الوطنية كما فعلت دولـــة قطـــر الشـــقيقة وغيرها من الدول التي تلزم بشراء المنتجات الوطنية.
بالطبـــع نتفهم حقيقة عـــدم توفر بعض المـــواد محليـــا أو ليســـت بالمســـتوى المطلوب، ولكن بالنسبة للصناعات التي تتوفـــر موادها محليا فليس هناك أي عذر يوجب اســـتيرادها لتعارض ذلك مع مبدأ تشجيع الصناعة الوطنية.
نأمل في ســـرعة ســـن تلك التشريعات الصارمـــة التي تلزم المشـــاريع الحكومية بشـــراء منتجـــات وطنية، وعـــدم الالتفات لما يقوله المقاولون والاستشاريون الذين لديهـــم مآربهـــم في ذلـــك، إذ لا يســـتقيم عقلا ولا منطقا أن نشـــجع علـــى التجويد والتصدير وفي ذات الوقت لا نستخدم هذا الذي نصـــدره للدول الأخـــرى!! فهذا كما يقال يد تبنى وأخرى تهدم.