Al Shabiba

موسكو و»الباب الموارب« في اليمن

-

لا يختلف اثنان على أن روســـيا اســـتطاعت خـــلال عامين من التدخل العســـكري في ســـوريا تحقيق العديد من الأهداف الاستراتيج­ية التي ســـمحت لها بفرض ذاتها كفاعـــل قوى في معادلة الصراع الســـوري، والأخـــذ بزمام المبادرة لطـــرح رؤيتها للحل لذلك الصـــراع وهو الحل الذي جـــاء مخالفاً لتوقعات الكثير من الأفرقـــا­ء والقوى المنخرطة في الصـــراع عوضاً عـــن ذلك فقد أمكن لروســـيا أن تصبح لاعبـــاً محورياً في صوغ السياســـة الدولية إزاء ما يتعلق بمســـتقبل المشرق العربي أو في ما يخص خارطة التســـويا­ت للأزمات المشـــتعل­ة في الســـاحات الإقليمية وأبعد من ذلك فإن ما رســـمته روســـيا ضمـــن تلك الأهداف هو من ســـينعكس بنتائجه على الدور والمكانة وحجم النفوذ الروسي المستقبلي في هذه المنطقة.

وعلى خلفية الدور المحترف الذي لعبته روســـيا بصبر وهدوء لافتين في ســـوريا فقد اعتقد البعض في اليمن أن نجاح روسيا في امتصاص الوجبة الأولى سيحفزها على التحرك والانقضاض على الوجبة الثانية عبـــر الاســـتدا­رة نحو الميـــاه الدافئة فـــي البحر العربـــي وخليج عدن والبحر الأحمر خصوصاً وأن روسيا تعرف هذه المنطقة جيداً، وتعرف اليمـــن أكثر من غيرها فقد وقع الاتحاد الســـوفيت­ي مع اليمن في العام 1928 اتفاقا حمل اســـم اتفاق التجارة والصداقة حيث كان هم الاتحاد السوفيتي وقتذاك محصوراً في أن يكون حاضراً في اليمن نظراً لموقعه الجغرافي الاستراتيج­ي من جهة ودور ميناء عدن الذي كان يسيطر عليه البريطانيـ­ــون في مجـــال التجارة العالمي من جهـــة أخرى حيث كانت العين الســـوفيا­تية على هذا الميناء مركزة بدقة ســـيما بعد الانسحاب البريطاني من عدن واســـتقلا­ل اليمن الجنوبـــي في نوفمبر 1967، إذ لم يتأخر الأمر طويلا فقد سيطر الاتحاد الســـوفيت­ي على ذلك الميناء ابتداء من العـــام 1972 حين اتجهـــت الجمهورية الوليدة فـــي اليمن الجنوبـــي للانضمام للدول التي تدور في الفلك الاشتراكي.

قد يكون من باب المصادفة أن تلتقي تلـــك الرهانـــا­ت على التدخل الروســـي فـــي اليمن مـــع تجاذب طرفـــي الصراع (الحكومـــة– وتحالـــف صنعـــاء) حـــول ذلك الدور ومحاولة كل منهما اســـتمالة موســـكو إلى جانبه وعلى خط موازٍ فقد خرج العديد من السياسيين الذين يرون أن هناك نوايا روســـية لاســـتعاد­ة دورها في اليمن وأن ذلك قـــد يدفعها لأن تنير الأضواء الحمراء والســـير نحو استخدام المبرر نفسه الذي جعلت منه غطاء لتدخلها العسكري في سوريا، وهو التصدي للإرهاب ومثل هذا الطرح قد يكون مقنعاً للكثيرين، وبالذات الذين طالما استمعوا لموسكو وهي من تتحدث في وسائل إعلامها عن الترابط الوثيق بين الحربين في سوريا واليمن وعن أن القوى الإقليمية التـــي تتخندق وراء جبهتي القتال هنا وهناك هي ذاتها تقريبا أو اولئك الذيـــن كثيراً ما أغرتهم تصريحات الكرملين التي يحاول أن يظهر فيها وكأنه من يتحفظ على الحرب في اليمن لكونها من قد تحول هذا البلد إلى دولة فاشلة تتغلغل في فراغاتها التنظيمات الإرهابية.

ما نعلمه جيداً من معطيات الاحداث التي شـــهدها اليمن ان موسكو لـــم تكن في وارد الدخول فـــي مواجهة مع تحالف (عاصفة الحزم) وأن مواجهة كهذه ليســـت جـــزءا من اجندات صانع القـــرار في هذه الدولة العظمـــى ولا ضمن خطته ومع ذلك فإن هذا لا ينفي حقيقة أن روســـيا ظلت تتمنى أن يتورط خصومها بالمنطقة في المستنقع اليمني، ولعل هذا ما يفســـره عدم ممانعة موســـكو على صدور القرار الأممي 2216 الذي ســـهل من مهمة تدخل دول التحالف العربي عســـكريا في اليمن لعلمهـــا بتعقيـــدا­ت الوضع اليمني الأمـــر الذي قد يدفـــع بتلك الدول مضطـــرة لطلب تدخل روســـيا بوصفها الدولة الوحيـــدة القادرة على التأثيـــر على كل الاطراف المحلية وإيجاد تـــوازن بين القوى الاقليمية المتصارعة على النفوذ في المنطقة وهذا ما شجع روسيا الى حد كبير الى ممارسة سياسة (الباب الموارب) في تعاطيها مع مجريات الصراع في اليمن.

علـــى ما يبدو فإن سياســـة (الباب الموارب) قد وجدت فيها روســـيا الأســـلوب الأمثل للتعامل مع تناقضات الإقليم وتوتراته والتي تنقسم فيهـــا مواقف الـــدول الى ثلاثة مســـتويات لتؤكد من خـــلال ذلك على أن السياســـة الأمريكية التي ظلت تتحكم بمســـارات الأوضاع في هذه المنطقة هي سياســـة مصلحيـــة متناقضة وفاقدة لثبـــات في مواقفها ولا يمكن معالجة الوضع القائم في اليمن التي تتجاذبه رؤى متنافســـة إلا إذا ربطنـــاه بحـــل جذري كل المشـــكلا­ت والأزمات المســـتعر­ة في المنطقـــة حتى يتســـنى لها توظيف هـــذا الوضع المرتبـــك بما يخدم مصالحهـــا وسياســـات­ها، وبالنظر إلى كل هذه المعطيـــا­ت فإن موقف الحكومة الروســـية مما يجري في اليمن اســـتمر مثار جدل ولغط على الصعيدين السياســـي­ى والإعلامي ويمكن استشراف هذا الموقف من حالة الازدواجية التي عادة ما تبرز في تصريحات الدبلوماسي­ين الروس والتي تظهر متذبذبة بين تأييد الســـلطة الشـــرعية وبيـــن الابقاء على العلاقة مفتوحة مع خصوم تلك الشرعية الى درجة يصعب معها تحديد الى أي جانب تقف موسكو من طرفي النزاع.

لا يمكننا التنبؤ بما ســـتقوم به روســـيا باليمن لكن الواضح تماما أن مفتاح هذا اللغز هو في مصالح روســـيا القومية والتي لم تتغير منذ أن قال عنها تشرشل العام 1939 من أنها تحركها دوافع ملفوفة بالغموض وليس هناك اشـــد غموضا من سياســـة (الباب الموارب) التي يتراجع أمامها أي حدس التكهنات.

روسيا وجدت في سياسة »الباب الموارب « أسلوباً أمثلاً للتعامل مع تناقضات الإقليم وتوتراته

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Oman