العنف والأسلحة الشخصية في أمريكا
العنف الجماعي متأصل بعمق في الثقافة الأمريكية ويمتد إلى المستوطنين الأوروبيين الأوائل الذين ارتكبوا جريمة الإبادة الجماعية ضد السكان الأصليين
لن نشهد أي تحرك فيدرالي عدا ذلك.
عندما حظرت أســـتراليا الأســـلحة الهجوميـــة في العام 1996، توقـــف إطلاق النار على حشـــود بشـــكل فجائي. ويرفض عشاق الأسلحة النارية في أميركا مثل هذه الأدلة، ولا تخـــدم عمليـــات إطلاق النـــار على حشـــود كتلك التي شـــهدتها مدينة لاس فيجاس إلا كوسيلة لتعزيز اعتقادهم بـــأن الأســـلحة النارية هـــي الحمايـــة الحقيقيـــة الوحيدة المتاحـــة لهم في عالَم محفوف بالمخاطـــر. ووفقا لبيانات مســـح حديثة مقنعة، فإن الارتباط بالأســـلحة شديد بشكل خاص بين الذكور الجمهوريين من ذوي البشـــرة البيضاء الأقـــل تعليما والذين يقيمون أساســـا في المناطق الريفية والضواحي في الجنوب والغرب الأوسط ــ وهي نفس الفئة الديموغرافيـــة التي تشـــكل جوهر الدعـــم الذي يحظى به الرئيس دونالد ترمب.
علـــى الرغـــم مـــن الانقســـامات الإيديولوجيـــة العميقة فـــي البلاد، فهناك بصيـــص من أمل. فبموجب الدســـتور الأمريكي، تتمتع الولايات بسلطة حظر الأسلحة الهجومية وتنظيـــم الأســـلحة الناريـــة (وإن كانت لا تســـتطيع حظر المسدســـات والبنادق صراحـــة، نظرا لتفســـير المحكمة العليـــا لحق حمل الأســـلحة في التعديـــل الثاني). وتحظر ولاية نيويورك الأســـلحة الهجومية بالفعل، كما تفعل بضع ولايـــات أخـــرى. وبدلا من خوض معركة أخرى فاشـــلة في واشـــنطن، ربما يكون تشـــجيع ولايات أخرى عديدة على ممارسة صلاحياتها في هذا الصدد تصرف أكثر تبشيرا.
الواقع أن الولايات التي تفعل ذلك سوف تنخفض لديها معدلات حدوث عمليات إطلاق النار على حشـــود، وسوف يكون مواطنوها أكثر أمنا، واقتصادها أكثر نشاطا وحيوية. وسوف تعاني لاس فيجاس، ليس فقط من صدمة المذبحة الأخيرة، بل وأيضا من تحول الســـياحة والمؤتمرات بعيدا عنهـــا، على الأقل إلى أن تتخذ ولاية نيفادا إجراءات صارمة ضد الأســـلحة الهجومية وتصبح قادرة على ضمان ســـلامة الزوار.
أمريـــكا اليـــوم ليـــس لديها ولايـــات حمـــراء (محافظة) وولايات زرقاء (تقدمية) فحسب، بل لديها أيضا دول حمراء ودول زرقاء بحكم الأمر الواقع، فهي أشبه بمناطق متميزة لها ثقافاتها، وأبطالها، وسياستها، ولهجاتها، واقتصاداتها، وتصوراتها للحرية. ففي مدينة نيويورك، تعني الحرية عدم الخوف من أن يكون آلاف الغرباء الذي يتقاسمون أرصفة ومتنزهـــات المدينـــة معك فـــي أي يوم يحملون أســـلحة مميتة. وفي تكساس أو لاس فيجاس، تعني الحرية الراحة حمل أسلحتك النارية التي تثق فيها إلى أي مكان تشاء.
الآن، آن الأوان للســـماح للولايـــات الحمـــراء والولايـــات الزرقاء بالاختيار. فنحن لسنا بحاجة إلى خوض حرب أهلية أخـــرى للاتفاق على تحـــرك ودي ومحدود نحو روابط أكثر مرونة عبر الولايات. وفي هذا الصدد، يســـلك المحافظون الاتجاه الصحيح: دعونا نخفض سلطة الحكومة الفيدرالية ونعيـــد المزيد من الإيـــرادات والتنظيمات إلـــى الولايات، على أن يخضع هذا للحدود الدستورية لتقسيم السلطات والحقـــوق الأساســـية. وبهـــذه الطريقة يســـتطيع كل من طرفي الحروب الثقافية أن يقترب من نتائجه المفضلة من دون إعاقة الجانب الآخر عن القيام بالأمر نفسه.
وســـوف يزدهر مسقط رأســـي، ولاية نيويورك، في ظل هذا الاتحاد الفيدرالي الأكثر تحررا من القيود، باســـتخدام هامشـــها المتزايد للمناورة لتشـــديد قيودهـــا التنظيمية وترقيـــة خدماتهـــا الاجتماعيـــة بالاســـتعانة بالتوفيـــر في الضرائـــب التي تُدفَـــع الآن للحكومة الفيدرالية. وســـوف تعنـــي الحكومة الفيدرالية الأضعف تضـــاؤل عدد »حروب الاختيـــار« التـــي تخوضها الولايـــات المتحدة في الشـــرق الأوسط.
عند مرحلة ما، ســـوف تحظى الولايات المتحدة بتشريع فيدرالـــي لمراقبـــة الأســـلحة. ومـــع تزايـــد أعـــداد أعضاء الكونجـــرس الذين يدركون أن حياتهم شـــخصيا أصبحت مهـــددة ــ ومن المؤســـف أن هذه هي الحال حقا ــ ســـوف نـــرى أخيـــرا تحركا وطنيـــا. لقد تعرض اثنيـــن من أعضاء الكونجـــرس لإطلاق النـــار بالفعل هـــذا العقـــد (جابرييل جيفوردس في العام 2011 وســـتيف ســـكاليس في وقت ســـابق من هذا العام). ولكن في الوقت الحاضر، ســـيظل أعضاء الكونجـــرس محاصرين في تبـــادل لإطلاق النيران السياســـية من جانب مســـلحين مختلين وجماعات ضغط مؤيدة للأســـلحة النارية. وهو أمر مرعـــب، ولكن هذه هي الحال للأسف.
في أمريكا فـــي عهد ترامب، يجـــري إذكاء نيران العنف المســـلح وعدم الاســـتقرار يوميا. ولا شك أن التوصل إلى حل وطني سريع التنفيذ هو الحالة المثالية. ولكن إلى أن يحدث هذا، ينبغي تشـــجيع المزيد من الولايات الأميركية علـــى اختيار العقل والســـلامة لأنفســـهم فـــي التعامل مع الأسلحة.