جولز كورتنهورست
بعد موســـم مـــن الأعاصيـــر التـــي كســـرت كل الأرقام القياســـية في الولايات المتحـــدة والفيضانات في مختلف أنحاء آســـيا، أصبح من الســـهل أن نستســـلم لليأس إزاء الوتيرة المتسارعة لتغير المناخ. ولكن على الرغم من نُذُر نهايـــة العالَم، يظل إحداث تحول في الطاقة كبير وســـريع بالقـــدر الكافي للحد مـــن ارتفاع درجة الحـــرارة الكوكبية غايـــة في المتنـــاول. والأفضل من ذلك أننـــا لا نحتاج إلى انتظار اختراعات جديـــدة لتنفيذ ما نحتاج إليه من تغيير؛ فقـــد يحدث التحـــول في الحال، مع حلـــول مُربِحة تنفذها الشركات وتدفعها الأسواق.
الواقع أن الحد من الزيادة في درجة حرارة كوكب الأرض بما لا يتجاوز درجتين مئويتين زيادة على مستويات ما قبل الصناعـــة ــ وهو الهدف الذي حـــدده اتفاق باريس للمناخ في العام 2015 ــ يتطلب التقليل من الاعتماد على الوقود الأحفوري، وتغيير الكيفية التي يزرع بها العالَم المحاصيل ويحصد الأخشاب ويستخدم الأرض. وتُظهِر أبحاث جديدة أجراهـــا معهد روكـــي ماونتِـــن أن كلا النتيجتين في حكم الممكـــن، وإذا تحققتا معا فإن التأثيـــر المترتب على هذا من الممكن أن يعطل »إيجابيا« مسار تغير المناخ.
وتشير تحليلاتنا إلى وجود مسارات إلى العرض والطلب على الطاقة في المســـتقبل، وإلـــى الكيفية التي تخزن بها الغابـــات والأراضـــي الكربون، وهذه المســـارات كفيلة إذا سلكناها بإبطاء وتيرة الانحباس الحراري الكوكبي بشكل كبيـــر. ومن خلال التعجيـــل بالتحول الجـــاري إلى الطاقة النظيفـــة يصبح مـــن الممكن خفـــض الانبعاثـــات الغازية المســـببة للانحباس الحراري الكوكبي إلى مستوى أدنى من المتوقع في ظل أنماط الاستهلاك الحالية.
وهذا الســـيناريو ليس بعيد الاحتمال بقدر ما قد يتصور بعـــض المراقبيـــن. فالعالم يتحـــول الآن بالفعل نحو طاقة أنظف، والانتقال باستخدام السيارات الكهربائية، وأنظمة أكثر ذكاءً في إدارة الطاقة واســـتخدام الأراضي، بســـرعة أكبر من كل التوقعات، بما في ذلك توقعات الخبراء.
وهـــذه ليســـت المرة الأولـــى التـــي تتجاوز فيهـــا وتيرة التغيير التوقعات. ففي العام 1980، على ســـبيل المثال، اســـتأجرت شركة ايه تيتي شركة ماكينزي كومبني للتنبؤ بعـــدد الهواتـــف المحمولة التي ســـتكون قيد الاســـتخدام فـــي الولايات المتحدة في غضـــون عقدين من الزمن. وقد تنبـــأ الاستشـــاريون أن تدعم ســـوق الهواتـــف المحمولة في الولايـــات المتحدة نحو 900 ألف جهـــاز بحلول العام 2000. ولكـــن في واقـــع الأمر، بيع أكثر مـــن 100 مليون هاتف في ذلك العام. واليوم أصبح عدد الهواتف المحمولة على كوكب الأرض أكثر من عدد البشر.
وكانت التوقعات في ما يتصل بالطاقة الشمسية وطاقة الرياح معيبة على نحو مماثل. فعلى مدار عقود من الزمن، بخس الخبراء في الوكالة الدولية للطاقة ووكالة معلومات الطاقة الأميركية تقديراتهم لسرعة نمو الإمدادات من هذه المصادر. فكانت تخميناتهم منخفضة على نحو مســـتمر، وكانـــوا لا يزيدون توقعاتهم كل عـــام إلا قليلا، من دون أن يلحقوا بالواقع. ولكن مع تزايد إبداعات الشركات العاملة فـــي مجال الطاقـــة النظيفة، انخفضت تكلفـــة الإنتاج من الريـــاح والطاقـــة الشمســـية. وأصبحت الطاقـــة أرخص، وازداد الاســـتخدام نتيجـــة لذلك. وعـــادة، لا تضع النماذج الحكومية في الحسبان مثل هذه العائدات المتنامية.
يكمـــن ســـبب آخر وراء تدني التقديرات بشـــأن ســـرعة تحـــول الطاقـــة اليوم في اختـــلاف الحجم عـــن التحولات السابقة إلى تكنولوجيات جديدة. فعندما تحول الناس من حـــرق الحطب إلى حرق الفحم، ثم إلى حرق النفط، كانت مصـــادر الطاقة »الجديدة« تأتي من مشـــاريع رأســـمالية بالغة الضخامة، مثل مناجـــم الفحم، وحقول النفط والغاز البحرية، ومصافي النفط. وكانت التكاليف المرتفعة لنشر هذه المشاريع تمرر آنذاك إلى المستهلكين.
علـــى النقيض من هذا، في ســـوق الطاقـــة اليوم، يملك المستهلكون قدرا أكبر من الســـيطرة. ولنتأمل هنا مدى ســـهولة تثبيـــت الألـــواح الشمســـية على الأســـطح؛ فمن الممكن الانتهاء من تثبيتها في يوم واحد. وهناك الملايين مـــن الآلات الصغيرة ــ الخلايا الضوئية، وتوربينات الرياح، والبطاريـــات، والأجهزة الذكية ــ التـــي تدفع تحول الطاقة اليـــوم. وكل جهـــاز جديد في هذا النظـــام الموزع رخيص ويحقـــق العائـــد المرجو بســـرعة، وعلى هـــذا فقد أصبح التجريـــب ميســـور التكلفة، وبـــات من الممكن تحســـين التكنولوجيـــا بســـرعة. والنتيجـــة هـــي مجـــال ضخم من المنافســـين العالمييـــن، في ظل تســـارع الإبـــداع ونماذج الأعمال الجديدة التي تســـاعد في تحقيق ميزة اقتصادات الحجم الكبير.
وتشـــترك آلات ثورة الطاقة النظيفـــة مع أجهزة الهاتف المحمول وأجهـــزة الكمبيوتر المحمولة في ســـمات أكثر من تلك التي تشـــترك فيها مع المناجـــم ومصافي النفط. وبفضـــل إمكانيـــة بيعهـــا في أســـواق ضخمـــة للغاية، مع سلاســـل إنتـــاج قابلة للتطويـــر وتكنولوجيـــات لم تنضج بالكامل بعد، يحدث التحول نحو الطاقة الأنظف بســـرعة أكبر من توقعات العديد من الخبراء.
ومع ذلك، لـــن يكون حتى التحول الســـريع نحو الطاقة »الأكثر اخضرارا« كافيا للإبقاء على متوســـط درجة حرارة كوكـــب الأرض عند مســـتوى لا يتجـــاوز درجتين مئويتين فوق مســـتوى ما قبـــل الصناعـــة. فلتحقيق هـــذه الغاية، يتعين علـــى العالَم أن يعمل أيضا علـــى امتصاص المزيد من غازات الانحباس الحراري الكوكبي من الغلاف الجوي.
ومـــا يدعو إلى التفاؤل أن هذا أيضـــا ممكن. فمن خلال دمج اســـتراتيجيات الحد من الكربـــون في الزراعة وجهود الحفـــاظ على الأراضي، يمكن احتجـــاز المزيد من الغازات التي تحبس الحرارة في الغابات والتربة. ولكن على الرغم من توفر التقنيات اللازمة الفعل، فســـوف يتطلب النجاح زيادة اســـتخدام الزراعة بلا حرث، وتبنـــي مبادئ الزراعة الدائمـــة، وتحســـين إدارة الأراضـــي الرطبة، واســـتخدام تقنيات الرعي الدوراني، بين تدابير أخرى.
الواقـــع أن قدرة الأســـواق على إحداث تغيـــرات جذرية في مجال الطاقة واســـتخدام الأراضـــي عظيمة، ولكن كما ينبغي لموســـم العواصف في العام 2017 أن يذكرنا، فإن الطـــوارئ المناخية التـــي نواجهها تتطلـــب تحركات قوية وعاجلة. ويتطلب تحويل الطريقة التي يحصل بها البشـــر على الطاقة ويســـتهلكونها إيجـــاد حوافز قوية ووضع أطر السياسة لرسم مسار النجاح.
ولكـــن لا داع لليأس: فلا يزال الوقـــت متاحا لإنقاذ مناخ كوكـــب الأرض. وقد بدأ التحول بالفعل ــ وســـوف تتوالى فصوله بسرعة أكبر من توقعات أغلب الناس.
العالم يتحوّل الآن بالفعل نحو طاقة أنظف والانتقال باستخدام السيارات الكهربائية وأنظمة أكثر ذكاءً في إدارة الطاقة واستخدام الأراضي بسرعة أكبر من كل التوقعات