كــرة القــدم لم توحـــد السوريين
وكأن السوريين كانوا بحاجة لمزيد من المحرضات كي يزداوا فرقة وتشـــرذماً وتشـــظيــــاً وانقســـاماً. ألا يكفيهم استخدم السلاح الطائفي والمناطقي البغيض منذ الأيام الأولى للثورة الذي زاد الشـــروخ الداخلية، وعمّـــق التناقضات بين مكونات الشعب؟
لقد جاءت مباراتا كرة القدم بين الفريق الســـوري والفريق الأســـترالي للتأهـــل لكأس العالـــم لترش الملـــح على جروح السوريين ولتزيد من تناحرهم.
إن من اســـتغل السلاح الطائفي لتمزيق ســـوريا، وتشتيت شـــعبها وضربـــه بعضه ببعـــض لن يتوانـــى عن اســـتغـــــلال ســـلاح الرياضة كي يستمر في تعميق الأحقاد والضغائن ودق الأسافين بين الشعب السوري.
لقـــد لاحـــظ الصغار قبـــل الكبـــار كيـــف اســـتغل البعض المباراة بين ســـوريا واســـتراليا كي يفرق السوريين ويثيرهم على بعضهم البعض، فنســـي المتلاعبون بالقضية الســـورية كارثـــة الحرب، وراحـــوا ينصبون الشاشـــات العملاقة كل في منطقته في الســـاحات والميادين، ويستخدم وسائل التواصل الاجتماعي لتحشيد مؤيديه كي يشجعوا فريقاً ضد فريق، أولاً لإلهاء الســـوريين عـــن كـــارثتهم الرهيبـــة، وثانياً كي يوهمهم بتغير الأوضاع، وثالثاً وهو الأهم كي يســـتثير الســـوريين على بعضهم البعض. وقـــد نجحـــوا فـــي ذلك نجاحـــاً باهـــراً، فقد تحولـــت مبارة الفريق الســـوري مع أستراليا إلـــى حـــرب داحـــس والغبراء بيـــن المؤيديـــن والمعارضين، وصـــارت عنوانـــاً لســـوريا الجديدة المنقسمة على ذاتها.
فبينما ناصـــر مؤيدو النظام الفريـــق الســـوري، ناصـــر الكثير من المعارضين الفريق الاســـترالي، وتمنـــوا أن يفوز على الفريق السوري.
وبينمـــا فـــرح الكثيـــر مـــن المعارضيـــن بهزيمـــة الفريق، ســـادت حالـــة مـــن الحـــزن الشـــديد في أوساط المؤيدين الذين ذرفوا دموعاً غزيرة على هزيمة فريقهم.
وقـــد علق أحدهـــم على هذا المنظر التراجيكوميدي قائلاً: »أبكتهـــم خســـارة الفريق ولم يُبكهم 1500 طفل استشهدوا علـــى مســـافة لا تبعـــد عنهـــم عشرة كيلومترات، ولم يُبكهم ملايين المُهجرين والمُشردين ومئـــات الآلاف من الشُـــهداء والمُعتقليـــن والجرحى.. يا هيك اللحمة الوطنية يا بلاش«.
وكي يزيـــدوا الطين بلة ضغطت بعض الأطراف على بعض اللاعبين أن يرفعوا صوراً سياســـية، مما جعل الفريق يبدو في عيون الســـوريين على أنه عنوان للخلاف والفرقة بدل اللحمة الوطنية.
وقد ارتكـــب رئيس الفريق غلطة فادحـــة عندما خرج على الهـــواء ليقـــول إن الفريق الـــذي لعب مع اســـتراليا هو فريق النظام، مما زاد من البلبلة والتشـــظي بين السوريين جميعاً، وخاصة الاثني عشر مليوناً الذين صاروا إما نازحين أو لاجئين.
وهذا من شـــأنه طبعاً أن يرش الملح على جروح الســـوريين المكلومين بـــدل مداواتها. بعبارة أخرى بدل أن يســـتخدموا المناسبة الوطنية لجمع الســـوريين على كلمة سواء استغلوا كرة القدم كي يزيدوا في أحقادهم وصراعاتهم وضغائنهم.
ألا تعلمون أن المنتخبات الرياضية تلعب دائماً لترفع اســـم أوطانها وليست مؤسســـة لتلميع صورة جهات معينة، يجادل معلـــق ســـوري: »أظن وليـــس كل الظـــن اثمـــاً أن المنتخب الســـوري لعب بقلب مليء بحب الوطـــن، لكن بعض الجهات قزّمت دوره، وجعلته مؤسسة حزبية تثير الخلاف والفرقة بين الســـوريين بـــدل أن تجمعهم وتؤلف بيـــن قلوبهم المجروحة، فتزعزعـــت ثقة اللاعبين بين إنجازهم للوطن أو خدمة لتلميع جهة معينة.. وبين التلميع والتمييع فقدنا فرصة كان يمكن أن تُستثمر لإعادة بناء وطن منهك وقلوب محطمة«.
عندما يلعب فريق كرة قدم باســـم الوطن سيسانده بلا شك كل أبناء الوطن، وعندما يلعب باســـم جهة معينة مهما كانت، فســـوف يقسّم الوطن إلى أقسام، وهذا للأسف ما حصل في مبـــاراة كرة القدم بين الفريق الســـوري والفريق الاســـترالي فـــي المرتين الأولـــى والثانية. لقد كانت مشـــاركة الفريق في تصفيات التأهل لكأس العالم مناسبة كارثية زادت من الفرقة والتشـــظي بين الســـوريين بدل التقريب بينهم وجمعهم على قلب رجـــل واحد في مثل هذه المناســـبات الرياضية الكبيرة التي يلتف فيها الجميع حول فريقهم الوطني.
فبينما ناصر مؤيدو النظام الفريق السوري، ناصر الكثير من المعارضين الفريق الأسترالي، وتمنوا أن يفوز على الفريق السوري