أزمة إسبانيا توقظ لأوروبا
تمتد جذور المسألة الكتالونية عميقاً في التاريخ، وهذا شأن القومية في عموم الأمر" ولكن هل كانت لتندلع كما حدث مؤخراً لو لم تسئ أوروبا معالجة أزمة منطقة اليورو منذ العام 2010
خمســـة عشـــر ألف لاجئ ــ وهي حصة كبيرة من إجمالي العدد الذي كان المفترض أن تســـتوعبه إســـبانيا من دول المواجهة مثل اليونان وإيطاليا. وكان تحقيق كل هذا واردا مـــع الحفاظ على دفاتر المدينة متوازنة في الوقت نفســـه، من خلال تقليل الفائض في الميزانية البلدية ببساطة.
من المؤســـف أن كولاو ســـرعان ما أدركـــت أنها تواجه عقبـــات لا يمكـــن التغلب عليهـــا. فقد أصـــدرت الحكومة المركزية في إسبانيا، مستشهدة بالتزامات الدولة بموجب توجيهات التقشـــف الصادرة عن الاتحاد الأوروبي، تشريعا يحظـــر فعليـــا على أي بلديـــة خفض فائضهـــا. في الوقت نفســـه، منعت الحكومة المركزية دخول اللاجئين الخمسة عشر ألفا الذين بنت لهم كولاو مرافق سكنية ممتازة.
حتى يومنا هـــذا، تظل الغَلَبة للفائض في الميزانية، ولم يتم تسليم الخدمات والتخفيضات الضريبية الموعودة، ولا يزال إسكان اللاجئين الاجتماعي خاويا. والطريق من هذه الحال المؤســـفة إلى إعادة تنشـــيط النزعة الانفصالية في كتالونيا شديد الوضوح.
في أي أزمة جهازية شـــاملة، يخلق الجمع بين التقشـــف للغالبية، والاشـــتراكية للمصرفيين، وخنـــق الديمقراطية المحليـــة حالـــة من اليـــأس والســـخط، الأكســـجين الذي تتغذى عليه النزعة القومية. ويجد التقدميون المناهضون للقومية، من أمثال كولاو، أنفسهم محاصرين من الجانبين: مؤسسة الدولة السلطوية التي تستخدم توجيهات الاتحاد الأوروبي كغطاء لســـلوكها من جانب، وعلى الجانب الآخر صعود التعصب الراديكالـــي، والعزلة، ومعاداة المهاجرين الرجعية. وكل من الأمرين يعكس الفشـــل في الوفاء بوعد الرخاء المشترك على مستوى الاتحاد الأوروبي.
تزودنـــا كاتالونيا بدراســـة حالة ممتـــازة لمعضلة أوروبا الأعرض. فالاختيار بين دولة إسبانية استبدادية، والقومية التي تحمل شعار »جعل كتالونيا عظيمة مرة أخرى« يعادل الاختيار بين جيروين ديسلبلوم رئيس المجموعة الأوروبية بيـــن وزراء ماليـــة منطقـــة اليـــورو، ومارين لوبـــان زعيمة الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة في فرنســـا: التقشـــف أو التفكك.
يتعيـــن على الأوروبيين التقدمييـــن أن يرفضوا الأمرين: المؤسســـة العميقـــة علـــى مســـتوى الاتحـــاد الأوروبـــي والقوميات المتنافسة التي تدمر التضامن والحس السليم في الدول الأعضاء مثل إسبانيا.
والبديـــل هو إضفاء الطابع الأوروبي على حل المشـــكلة الناجمـــة إلى حد كبير عن الأزمة الجهازية في أوروبا. وبدلا من عرقلـــة الحكم الديمقراطي على المســـتويين المحلي والإقليمي، ينبغي للاتحـــاد الأوروبي أن يعمل على تعزيزه. ومـــن الممكن تعديل معاهدات الاتحـــاد الأوروبي لتكريس حق الحكومـــات الإقليمية ومجالس المـــدن، مثل كتالونيا وبرشـــلونة، في الحصول على الاستقلال المالي بل وحتى إنشـــاء أموال ضريبية خاصة بها. ومن الممكن السماح لها أيضا بتنفيذ سياساتها الخاصة بشأن اللاجئين والهجرة.
وإذا ظلـــت المطالبـــة بدولـــة مســـتقلة والانفصـــال عن الدولة المعترف بها دوليا قائمة، يستطيع الاتحاد الأوروبي أن يســـتحضر مدونة الســـلوك في حالات الانفصال. على ســـبيل المثال، بوســـع الاتحاد الأوروبـــي أن يقرر الموافقة على الاستقلال على الاستفتاء إذا كانت الحكومة الإقليمية التـــي تطالب به فازت بالفعل في انتخابات بأغلبية مطلقة اســـتنادا إلى برنامج انتخابي شمل الوعد بعقد الاستفتاء. وعلاوة على ذلك، ينبغي أن يُعقَد الاســـتفتاء بعد عام واحد علـــى الأقل من الانتخابات، للســـماح بالمناقشـــة الرصينة الواجبة.
أمـــا عن الدولة الجديدة، فيجـــب أن تلتزم بالحفاظ على نفس مســـتوى التحويلات المالية التي كانت من قبل على الأقل. فقد تنفصل منطقة فيميتو الغنية عن إيطاليا، على ســـبيل المثال، ما دامت تحافظ على تحويلاتها المالية إلى الجنوب. وعـــلاوة على ذلك ينبغي منع الدولة الجديدة من إقامة حدود جديدة وإجبارها على ضمان حق ســـكانها في الحصول على جنســـية ثلاثية (جنســـية الدولـــة الجديدة، وجنسية الدولة القديمة، والجنسية الأوروبية).
تُعَد أزمة كتالونيا إشـــارة قوية من التاريخ إلى أن أوروبا تحتاج إلى تطوير نوع جديد من السيادة، يعمل على تعزيز المدن والمناطق، وتذويب الذاتية الوطنية، ودعم المعايير الديمقراطيـــة. وســـوف تعود الفوائد المباشـــرة على أهل كتالونيا وأيرلندا الشـــمالية، وربما أهل اســـكتلندا (الذين يحصلون بهذه الطريقة على الفرصة للخروج من بين فكي الخروج البريطاني).
ولكن أوروبا ككل هي المســـتفيد الأكبر في الأمد الأبعد من هـــذا النـــوع الجديد من الســـيادة. والواقـــع أن تصور ديمقراطية تشـــمل أوروبا بالكامل يمثل شـــرطا أساســـيا لتصور أوروبا التي تستحق الإنقاذ.