Al Shabiba

ثلاثة مسارات أمام منطقة اليورو

-

يونكر بعض المصداقية.

لكـــن تناول يونكـــر »الأحادي الســـرعة« لقضية التكامل يظـــل مثار جـــدال كبير. ومن ثمّ فقد طـــرح ماكرون رؤيته الطموحـــة لأوروبـــا، والتي تعكس فـــي طياتهـــا كثيرا من مقترحـــات يونكر، لكنها تســـمح في ظاهرهـــا بتباين أكبر داخـــل الاتحـــاد الأوروبي، ولو على المدى المتوســـط على الأقل.

فمثـــلا إذا لم تكن بولنـــدا راغبة في تبنـــي عملة اليورو، لا ينبغـــي إجبارها علـــى فعل ذلك، كمـــا لا ينبغي أن يمنع هذا القـــرار دول منطقة اليورو الأخرى مـــن التحرك قدما نحو التكامـــل. لذا يريد ماكرون برلمانـــا منفصلا لمنطقة اليـــورو للبت في الأمور التي لا تتعلق بكل أعضاء البرلمان الأوروبي، حتى لا تمنع التباينات في مستوى التكامل الذي تســـعى إليه الدول اليوم أحدا ـــــ أو الجميع ــ من الانضمام في النهاية إلى »جوهر« الاتحاد الأوروبي المتكامل بشـــكل عميق ومستقر.

أما الطريـــق الثالث أمام منطقة اليـــورو للمضي قدما ــ وهو الأرجح فيما يبدو ــ فيتمثل في بقاء الأمور على حالها. فقد خمدت الأزمة الاقتصادية التي لطالما فجرت الدعوات لتكامـــل أكبر ــ وفي بعض الحالات لتفتت أكبر ــ مع تجاوز نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي اثنين بالمئة، وانخفاض مســـتوى البطالة بشـــكل كبير. حتى أن اليونـــان ــ الدولة الوحيدة التي لا تـــزال في وضع الأزمة إلى حد ما ــ تواصل اجتهاداتها لإدارة الأزمة والخروج منها.

في هذا السياق، ربما يقرر صانعو السياسات، كما فعلوا من قبل مرات كثيرة، تأجيل الإصلاحات الطموحة لمنطقة اليورو، والاكتفاء بالإصلاحات التي استُهدفت خلال الأزمة، حيث ســـيتيح لهم ذلك مساحة أكبر للتركيز على مجالات أخرى قد تتطلب اهتماما أســـرع في السياق الحالي، مثل الطاقة، والتنظيم الرقمي، والهجرة.

لكن هناك مخاطر شـــديدة إذا سلك صانعو السياسات هـــذا الطريق فعلا. نعم، نشـــهد بأن منطقـــة اليورو تؤدي وظيفتها، وبأن الإصلاحات الرئيســـة في المجالات الأخرى مهمـــة، إلا أن الاتحـــاد النقـــدي لا يـــزال يعانـــي مـــن خلل جوهري، وهو: غياب آليات قـــادرة على منع صور التباين في التكلفة عبر الدول التي فقدت القدرة على الإقدام على تعديل سعر الصرف.

وقـــد تتمثل إحـــدى هذه الآليات في إتاحـــة قدر أكبر من حريـــة انتقـــال العمال في قطـــاع الخدمات. لكـــن حتى لو اتفقت دول منطقة اليورو على تحرير أكبر لســـوق العمل، قد يواجه العمال عقبات ثقافية ولغوية كبيرة. لكن على أية حال، في غياب آلية كهذه، قد تفضي التوجهات التي بلغت أوجها خلال الأزمة الاقتصادية الأخيرة إلى أزمة أخرى.

بعد تجربة الأزمة، فمـــن المتوقع حال بدء ظهور علامات تنامي تباينات التكلفة مســـتقبلا، أن ترتفع فروق أســـعار الصـــرف بين دول منطقة اليورو بوتيرة أســـرع كثيرا عن ما كانت عليه قبل الأزمة الأخيرة، لتعطي إشـــارة تحذيرية مبكـــرة. ولو أخذنا فـــي الاعتبار بقاء جـــزء كبير من عبء الديون المتراكمة وإنفاق الكثير من ذخيرة الإنقاذ، فإن أي صدمة أخرى قد تكون مدمرة.

وكمـــا نقـــل (الصحافـــي البريطانــ­ـي) مارتـــن ولف عن الاقتصادي آدم ليريك، يقترح الأخير نظاما يلزم المنتفعين من التغيرات المفاجئة في فروق أســـعار الصرف بتحويل نصف مكاســـبهم إلى »حســـاب لتثبيت تكاليف التمويل« ليُصـــرف مرة أخرى للمنتفعين عندما تهدأ صدمة أســـعار الصـــرف. لكن نظاما كهذا يســـتوجب اتفاقـــا بين أعضاء منطقة اليورو، كأي إصلاحات أخرى في منطقة اليورو.

وبمـــا أن ميـــركل لا تزال فـــي مرحلة تشـــكيل حكومتها الائتلافية الجديدة، يستحيل الجزم بالطريقة التي ستتبعها أوروبا في التعاطي مع قضية التكامل في السنوات المقبلة. لكن لـــو وضعنا في الاعتبـــا­ر احتمالية أن يشـــمل ائتلافها الديمقراطي­ين الأحرار المتشـــكك­ين فـــي أوروبا، والخضر المؤيدين للتكامل، وبينهما أتباع حزبها من الديمقراطي­ين المسيحيين، فإن الســـعي السريع وراء الأهداف الطموحة لتكامل يشمل أوروبا بأسرها أمر مستبعد.

ثمـــة خيار أكثر واقعية يتمثل في جهد متعدد الســـرعات تســـتطيع دول منطقـــة اليورو مـــن خلاله التحـــرك قدما، مع الســـماح للآخرين بالانتظار. بالطبـــع لن تكون النتيجة مثاليـــة، لكنها ســـتكون أفضـــل ــ بل وأفضـــل كثيرا ــ من الوضع الحالي.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Oman