دومينيك ليجروس
»أين هو الحمام؟« هذا هو السؤال الأول الذي أضعه عندما أزور مـــكان تفشـــي الكوليرا في أي موقع فـــي العالم. في كثير من الأحيان، الجواب يكون: »ليس لدينا حمام. نذهب أينما نستطيع«.
ويعـــد وبـــاء الكوليـــــرا -وهـــو مـــرض قـديـــم- مـــرض الفقـــر. وهو لا يميز بيـــن الجغـرافيــا، ولكنـــه يهاجم غالبا المجتمــــعات الضعيفة في المناطق التي تعاني من ســـوء المرافق الصحية.
إن بكتيريـــا الكوليـــرا فيبيريـــو، والتـــي تنقلهـــا ميـــاه الفيضانـــات الملوثة إلى مصادر مياه الشـــرب، عن طريق المســـافرين، أو تُجلب إلى المنازل عبر المنتجات المروية بمياه المجاري غير المعالجة، لتســـتقر في الأمعاء الدقيقة بعد ابتلاعها، مما يسبب في إسهال شديد وجفاف.
أولئك الذين حالفهم الحظ ولم يشهدوا قط آثار الكوليرا مباشرة قد يفترضون أنها مجرد جرثومة أخرى في المعدة. ولكن من دون رعاية طبية سريعة، يمكن للكوليرا أن تُنهي حياة شـــخص بالغ أو طفل في غضون ســـاعات. وفي كل عـــام، تـــودي الكوليرا بحياة ما يقدر بـ 95.000 شـــخص؛ معظمهم من الأطفال.
وقـــد ظهـــرت في هـــذا العـــام صـــور لضحايـــا الكوليرا المُرهَقين، الذين ينتظرون العـــلاج، في بلدان العالم. وقد انتشـــر المرض بمـــعدل لم يســــــبق له مثيـــل في اليمن، حيـــث تســـــــبب في مقتـــل أكثر من 2000 شـــخص منذ أبريل. وينتشـــر وبـــاء الكوليرا فـــي الصـــومـــال وجنوب الســـودان وهايتـــي وبلـــدان أخـــرى فـــي أفريقيـــا جنوب الصحراء الكبرى وآسيا.
ولكـــن الحقيقة الأكثـــر حزنا عن الخســـائر الأخيرة التي ألحقتهـــا الكوليـــرا بـــالأرواح البشـــرية هـــي أن كل حالة وفـــاة كان مـــن الممكن الوقاية منها. ولـــدى العالم بالفعل المعـــارف والأدوات اللازمـــة لمكافحة الكوليـــرا على نحو فعـــال، ولكـــن الموارد الحالية لا تتماشـــى مـــع الالتزامات العالمية الضرورية.
ولهذا فإن الإســـتراتيجية العالمية الجديدة التي وضعتها فرقة العمل العالمية المعنية بمكافحة الكوليرا، وهي شبكة متنوعة من الشـــركاء التقنييـــن، تعتبر فعالة. للقضاء على الكوليرا - تؤكـــد الخارطة العالمية حتى العام 2030 على النهج الاســـتباقي، بهدف الحد من وفيات الكوليرا بنسبة 90% على مدى العقد المقبل. ومع التنفيذ الكامل، يمكن أن تســـاعد الخطة أيضا 20 بلداً على القضاء على انتقال المرض في نفس الإطار الزمني. واستنادا إلى ثلاث ركائز - الكشف المبكر، وتكتيكات الوقاية المتكاملة، والتنسيق بين البلدان والشـــركاء - توفر الخارطة ســـبيلا ملموســـا لإنهاء الكوليرا باعتبارها تهديدا للصحة العامة.
وبمجـــرد أن تنتشـــر الكوليرا في المجتمـــع، يصبح من الصعـــب الســـيطرة عليها. ولذلـــك، من المهم ألا ننســـى المـــرض حتى مع عدم وجود ضحايـــا. ويمكن لنهج متعدد القطاعـــات يشـــمل الاســـتثمارات فـــي الميـــاه والصرف الصحي والنظافة - ما يســـمى بخدمـــات المياه والصرف الصحـــي والنظافة الصحية - أن يقي من الكوليرا. وكذلك اســـتخدام اســـتباقي للقاحـــات الكوليرا عـــن طريق الفم وســـرعة الوصـــول إلـــى العلاجـــات، مثل محلـــول الإماهة الفموية والسوائل الوريدية.
ويُعد تحسين البنية الأساسية للمياه والصرف الصحي أفضل الطـــرق للوقاية الفعالة ، علـــى الرغم من أن تنفيذ هذه الخدمات سيستغرق وقتا في البلدان التي لديها موارد أقل. ولهذا الســـبب، تشجع الخارطة أيضا التوزيع الوقائي والواسع النطاق للقاحات الفموية في المناطق التي تعاني مـــن الكوليرا. تعمل اللقاحات على الفور، ويمكن أن تمنع الكوليرا لمدة تصل إلى ثلاث ســـنوات، وهي بمثابة جسر لتنفيذ حلول طويلة الأجل.
وتتوافر لقاحات الكوليـــرا الفموية عن طريق مخزونات عالميـــة تحتفظ بهـــا منظمة الصحـــة العالميـــة بدعم من التحالـــف العالمـــي للقاحات. وقد تم توزيـــع أكثر من 15 مليـــون جرعة على 18 بلداً منذ إنشـــاء البرنامج في العام 2013. ومـــن المتوقع أن يزيـــد المخزون في العام المقبل إلى أكثر من 25 مليون جرعة، بزيادة مليوني عن بدايته.
وســـيتطلب القضاء على الكوليرا كتهديد صحي بحلول العام 2030، كما وعد شـــركاء عالميـــون ومنظمة الصحة العالميـــة مؤخـــراً، تعاونـــا مســـتمرا والتزاما مـــن البلدان المتضررة مـــن الكوليرا والشـــركاء التقنييـــن والمانحين الدولييـــن. قد يبدو الهدف شـــاقا، بالنظر إلى أن الملايين من النـــاس في جميـــع أنحـــــاء العالم معرضــــــون لخطر الإصابة بالمرض كل عام. ولكن مع تصاعد التمدن، وتغير المناخ، وعوامل أخرى من المرجح أن يزيد خطر العدوى، ليصبح القضـــاء على هذا الوبـــاء واجبا مؤكـــدا. الخارطة ستجعل هذا ممكنا.
وســـيكون تنفيـــذ الخطـــة حلاً فعـــالاً من حيـــث التكلفة للبلـــدان التي تعاني من تفشـــي وباء الكوليـــرا. وهذا أحد الأسباب التي تدعو إلى اتخاذ إجراءات عاجلة. ولكن تبني الإســـتراتيجية هو أيضا الشـــيء الصحيح الـــذي ينبغي أن يفعله المجتمع الدولي. ويجب أن تلتزم الحكومات أخلاقيا بضمان عدم تعـــرض أحد لوفاة يمكـــن الوقاية منها. وهو التزام تتقاســـمه منظمـــة الصحة العالمية، ولهذا الســـبب ســـنعمل بجـــد لمســـاعدة العالم علـــى تحقيـــق الأهداف الطموحة التي وضعناها.
لدينـــا الأدوات اللازمـــة للتغلب على الكوليـــرا. الآن، مع وجود خطة محكمة، لم يعد هناك أي عذر لعدم استخدامها.
يعد وباء الكوليرا مرض الفقر ورغم أنه لا يميّز بين الجغرافيا إلا أنه يهاجم غالباً المجتمعات الضعيفة التي تعاني سوء المرافق الصحية