Al Shabiba

تسييس الاحتياطي الفيدرالي

ترامب يتمتع بقدرة خارقة على تبنّي سياسات اقتصادية تعود بالفائدة عليه شخصياً

-

الســـنوات الخمـــس المقبلة، مـــع ارتداده إلى سياســـات أكثر طبيعية. فقد تتســـبب أســـعار الفائـــدة المرتفعة في إحداث اضطرابات في الســـوق، مع خضوع أسعار الأصول »للتصحيح«. ويتوقع كثيرون انكماشـــاً كبيراً في السنوات الخمـــس المقبلة، وإلا فإن الاقتصاد كان ليشـــهد توســـعاً لفترة غير مســـبوقة تمتد عقداً ونصـــف العقد من الزمن. ورغم توســـع مجموعـــة أدوات بنك الاحتياطــ­ـي الفيدرالي إلى حـــد كبير فـــي العقد الأخيـــر، فإن أســـعار فائدة بنك الاحتياطــ­ـي الفيدرالــ­ـي المنخفضـــ­ة وميزانيتــ­ـه العمومية الضخمة -والزيادة الهائلـــة المحتملة في الديون، إذا نجح ترامب في فرض التخفيضات الضريبية- تمثل تحدياً حتى لأفضل خبراء الاقتصاد تدريباً.

وقد شهدنا جهوداً ثنائية الحزبية (وعالمية) بالغة الأهمية لتجريد السياســـة النقديـــة من الطابع السياســـي. يتمتع بنـــك الاحتياطي الفيدرالي بقـــدرة اقتصادية هائلة بفضل ســـيطرته على المعروض النقدي، ومن الممكن بســـهولة إســـاءة اســـتخدام هذه القـــوة لأغراض سياســـية -ولنقل لتوليد المزيـــد من فرص العمل في الأمـــد القريب. ولكن الافتقار إلـــى الثقة في البنوك المركزيـــ­ة في عالَم الأموال الورقية (حيث تســـتطيع البنوك المركزيـــ­ة إصدار النقود كما تشـــاء) من شأنه أن يُضعِف الأداء الاقتصادي في الأمد البعيد، وهو ما يرجع جزئياً إلى المخاوف من التضخم.

وحتـــى فـــي غيـــاب التســـييس المباشـــر، يواجـــه بنك الاحتياطي الفيدرالي دائماً مشـــكلة »الاســـتيل­اء المعرفي« من قِبَل وال ســـتريت. وهذا هو ما حـــدث عندما كان ألان جرينســـبا­ن وبن برنانكي مســـؤولين. ونحن نعرف جميعاً العواقب: الأزمة الأكبر على الإطلاق منذ 75 عاماً، والتي لم يخفف من عواقبها سوى التدخل الحكومي الهائل.

ومع ذلك، يبدو أن إدارة ترامب نســـيت على نحو أو آخر ماذا حدث قبل أقل من عشـــر ســـنوات. وإلا فكيف نفسر الجهـــود التـــي تبذلها لإلغـــاء الإصلاحـــ­ات التنظيمية التي فرضها تشـــريع دود-فرانك لعام 2010، والمصممة لمنع تكرار حدوث ما حدث؟ تُجمِع الآراء خارج وال ستريت على أن تشـــريع-دود فرانك لم يكن محكماً بالقدر الكافي. فما يزال خوض المجازفات المفرطة والسلوك الجشع يفرض مشـــاكل حقيقية، كمـــا تذكرنا الأحداث علـــى نحو متكرر (على ســـبيل المثـــال، من خلال التقارير عـــن تنامي حجم قروض السيارات الثانوية).

وفي واحدة مـــن أكثر حالات التجـــاوز والإجرام الأخيرة غدراً، فتح المصرفيون في ويلز فارجو ببســـاطة حسابات نيابـــة عن العملاء، دون علمهم، حتى يمكنهم جمع رســـوم إضافية.

لا شـــيء من هذا يثيـــر انزعـــاج ترامب بطبيعـــة الحال، فهو رجل أعمال وليس غريباً على الممارســـ­ات الشـــائنة. ولكن من حسن الحظ، يبدو أن باول يدرك أهمية القواعد التنظيمية المالية جيّدة التصميم.

لكن ينبغي لنا أن ننظر إلى تســـييس مجلس الاحتياطي الفيدرالي باعتبـــار­ه مجرد جزء آخر من معركة ترامب ضد ما أشار إليه مستشاره الاستراتيج­ي السابق ستيف بانون بوصفه »الدولة الإدارية.«

وبالتالـــ­ي فإن هـــذه المعركة لا بـــد أن يُنظَـــر إليها على أنها جزء من حرب أوســـع نطاقاً ضـــد إرث العِلم والتنوير، والحكم الديمقراطي، وســـيادة القانون. ويستلزم التمسك بهـــذا الإرث توظيف الخبرات المطلوبـــ­ة، وإيجاد الثقة في المؤسســـا­ت العامة، كما أكد إدوارد ســـتيجليت­ز من كلية الحقوق في جامعـــة كورنيل. وهناك قدر كبير من الأبحاث التي تدعـــم الآن فكرة مفادهـــا أن أداء المجتمعات يصبح هزيلاً في غياب الثقة.

الواقع أن ترامب يرتكب كل بضعة أيام فِعلة تمزق نسيج المجتمـــع الأمريكي وتزكـــي نيران انقســـاما­ته الاجتماعية والحزبية العميقة بالفعل. ومكمن الخطر الواضح والداهم هـــو أن الولايات المتحدة أصبحت معتـــادة على انتهاكات ترامب إلـــى الحد الذي يجعلها الآن تبـــدو »طبيعية«. على مـــدار أكثر من ســـبعين عاماً، كافحت أمريـــكا -على نحو غيـــر منتظم غالبـــاً- لتأكيد قيمها المعلنـــة، ضد التعصب والفاشية ومعاداة المهاجرين بجميع أشكالها. والآن يحكم أمريـــكا رئيـــس كاره للنســـاء، وعنصـــري كاره للأجانب، وتجسّد سياســـاته ما يكنه من ازدراء عميق لقضية حقوق الإنسان.

ربما يتفـــق المرء أو يختلف مـــع مقترحات الجمهوريين الضريبية، والجهـــود الرامية إلى »إصلاح« الرعاية الصحية (التي تتغافل عن عشـــرات الملايين الذين ربما يخســـرون التغطيـــة التأمينية)، والالتـــز­ام بإلغاء القواعـــد التنظيمية المالية (فـــي تجاهل لعواقـــب أزمة العـــام 2008). ولكن في حين قـــد يكون مجلس الاحتياطــ­ـي الفيدرالي آمناً في الوقت الراهن، فإن أية فوائد اقتصادية محتملة ربما تجلبها هذه الأجندة تتضاءل بالمقارنة بحجم المخاطر السياســـي­ة والاجتماعي­ة التي تفرضها هجمات ترامب على مؤسســـات وقيم أمريكا الأكثر جوهرية وتبجيلاً.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Oman