اضطرابات قد تهز العالم
تغيّرات الافتراضات الاقتصادية المشتركة قد تدفع المستثمرين إلى إعادة تقييم احتمال تحقيق التدفقات النقدية المتوقعة
المتزايدة عن طريق تعديل أســـعار الفائدة أو السياســـات المالية، ويقوم المســـتثمرون بإعادة الأصـــول إلى قيمتها التي كانت عليها قبل الأزمة.
واليوم، يتصدر الصراع مع كوريا الشمالية بشأن برامجها النوويـــة والصاروخية معظم قوائم الأزمات المحتملة. ومن شـــأن الحـــرب المفتوحة أو وقـــوع حادث نووي في شـــبه الجزيـــرة الكوريـــة أن تؤدي إلـــى كارثة إنســـانية، وتوقف التجـــارة مع كوريـــا الجنوبية -الاقتصاد الثالث عشـــر في العالم- وإرســـال صدمات سياسية حول العالم. ومع ذلك، فـــإن هذه الكارثة ســـتكون على الأرجح وجيزة، وســـتكون نتائجها واضحة وفورية.
وســـتظل القوى الرئيســـية فـــي العالم منظمـــة إلى حد ما، كما ســـتظل التدفقات النقدية المســـتقبلية في معظم الاستثمارات مستقرة.
ونفـــس الشـــيء يمكـــن أن يُقال عـــن المملكـــة العربية الســـعودية، حيث قامت السلطات السعودية بحملة كبيرة ضـــد الفســـاد تمثلت بإيقاف عـــدد كبير من المســـؤولين للتحقيق معهم عـــن مصادر ثرواتهم المالية. وحتى لو كان الاضطـــراب المفاجـــئ في المملكة ســـيؤدي إلـــى تحويل ميزان القوى في الشرق الأوسط، فإن البلاد ما تزال ترغب فـــي الحفاظ على صادراتهـــا. وإذا كان هنـــاك انقطاع في التدفقـــات النفطية العالمية، فإنه ســـيتم تخفيفه من قِبل المنتجين المتنافسين والتكنولوجيات الجديدة.
وبالمثل، فإن الانهيار السياســـي أو الاقتصادي الشـــامل في فنزويلا ستكون له آثار إقليمية خطيرة، وقد يؤدي إلى أزمة إنســـانية أعمـــق هناك. ولكن علـــى الأرجح لن يكون لها أي تأثير واســـع النطاق أو عام على الطاقة والأســـواق المالية.
وكثيـــراً ما تكـــون هـــذه الســـيناريوهات فـــي العناوين الرئيســـية للصحـــف، وبالتالي فـــإن احتمـــال حدوثها لن يكون مفاجئاً. ولكـــن حتى عندما تندلع الأزمة، مثل هجوم إلكترونـــي أو وباء، بشـــكل غيـــر متوقع، فـــإن الاضطراب الناجم عن السوق عادة ما يستمر لحين قيام المستثمرين بإعادة تقييم معدلات الخصم وتدفقات الأرباح المستقبلية.
وعلـــى النقيض مـــن ذلك، فإنـــه من المرجـــح أن تؤدي التغيّرات في الافتراضات الاقتصادية المشتركة على نطاق واســـع إلى عمليات تصفية، عن طريق دفع المســـتثمرين إلى إعادة تقييم احتمال تحقيق التدفقات النقدية المتوقعة فعلاً. وقد يكون هناك وعي بين المســـتثمرين بأن معدلات النمـــو آخذة في التباطؤ، أو أن البنـــوك المركزية لم تتنبأ بظهـــور التضخم مرة أخرى. أو قد يحدث التغيير بشـــكل مفاجئ، مع اكتشـــاف مبالغ كبيرة من »القروض السامة« التي من غير المرجح أن تُسدد.
وكمـــا يعلـــم المســـتثمرون في الأســـواق الناشـــئة، فإن التغيّـــرات السياســـية يمكـــن أن تؤثـــر علـــى الافتراضات الاقتصاديـــة. ولكـــن مـــرة أخـــرى، ينبع الخطـــر ليس من الصدمـــات التي لا يمكن التنبـــؤ بها بل من التآكل البطيء للمؤسســـات التـــي يثـــق بها المســـتثمرون للتنبـــؤ بعالم غامض.
وعلى ســـبيل المثال، فإن المســـتثمرين فـــي تركيا على علم بأن ابتعـــاد البلد عن الديمقراطية أدى إلى إبعاده عن أوروبا، مما يعرّض العائدات المســـتقبلية لمخاطر جديدة. وفي البرازيل، رغم فضيحة الفساد المستمرة التي أطاحت بالرئيسة السابقة والتي يمكن أن تطيح بالرئيس الحالي، فإن المستثمرين يدركون أن مؤسسات البلاد تعمل -وإن كانت بطريقتها الخاصة- مع تحمّلها المخاطر وفقاً لذلك.
أما الخطر السياسي الأكبر الذي يواجه الأسواق العالمية اليوم فهـــو يتمثل في خضوع الفاعلين الرئيســـيين الذين يشـــكلون توقعات المســـتثمرين لإعادة تنظيم أساســـية. والأكثر إثارة للقلق هو ســـعي الولايـــات المتحدة الآن إلى رســـم دور عالمـــي جديد لنفســـها في ظـــل إدارة الرئيس دونالد ترامب.
وبالانســـحاب مـــن الاتفاقـــات الدوليـــة ومحاولـــة إعادة التفـــاوض بشـــأن الصفقـــات التجارية القائمـــة، أصبحت الولايـــات المتحدة أقـــل قابليـــة للتنبؤ بهـــا. وبالنظر إلى المســـتقبل، إذا ما استمر ترامب وزعماء الولايات المتحدة في المســـتقبل فـــي التعامل مـــع بلدان أخـــرى من خلال معاملات مجموع الصفر بدلاً من بناء المؤسسات التعاونية، فـــإن العالم لن يكون قادراً على جمع اســـتجابة مشـــتركة للفترة المقبلة من الاضطرابات في السوق العالمية.
وفـــي نهاية المطاف، فإن الولايـــات المتحدة المضطربة ستفرض ثمناً أعلى في كل مكان تقريباً.
وما لم تتدخـــل دورات اقتصادية أخـــرى قبل أن تتحوّل توقعـــات المســـتثمرين، فإن ذلك ســـيكون نهايـــة ازدهار السوق الحالي.