تأمين الأدوية للعالم
إهمال تهديد الأمراض المعدية ل9 »العالم النامي« يستدعي كارثة ستمتد إلى »الاقتصادات المتقدمة«
وفي حـــالات لا تصل العقاقير فيهـــا لمحتاجيها؛ لا يكون الســـبب في ذلـــك ارتفاع أســـعارها، بل اختـــلال الأنظمة الصحية وتعطلها وظيفياً. لكن من الأشـــياء الجيّدة هنا أن محللي الصحة العامة توصلوا إلى مجموعة من الإصلاحات الهيكليـــة التـــي قد تقضي بشـــكل كبير علـــى الصعوبات الخانقة القائمة التي تعوق توزيع الأدوية الأساسية.
وتمثل البنية الأساسية أول موطن من مواطن المشكلة، إذ لا يحصـــل أكثر من نصف ســـكان المناطق الريفية في العالم علـــى الرعاية الصحيـــة الأساســـية، مقارنة بخمس ســـكان المناطـــق الحضريـــة؛ ويرجع الســـبب فـــي ذلك إلـــى عدم كفاية شـــبكات المواصلات وعـــدم كفاءتها، مما يجعل الحصول على خدمات الرعايـــة الصحية أمراً مكل فاً ومســـتهلكاً للوقـــت، إضافة إلـــى إعاقة عمليـــات توصيل العقاقير من مراكز الإمداد. ولو قامت الاقتصادات الناشئة بتحســـين الطـــرق وتطويـــر أنظمـــة المواصلات بشـــكل كامل، لتمكنـــت من تعزيز النتائج الصحيـــة، بل والفرص الاقتصادية والتعليمية أيضاً.
ثمة مشـــكلة ثانية حتـــى في المناطق التـــي تتمتع ببنية أساســـية كافية، وهـــي انتشـــار المعوقـــات البيروقراطية
عل وواولافققتاً ل صداردايـــســةـاةلأتجيرتيقيت دالالعـــحامصو8 ل20 0 ىفــاـلأيد و6ية3 ادلأولسةا ن ساــمـييةة.، تتســـبب عمليات التســـجيل والموافقة المع ذبة والمرهقة في نقص متكرر في خمسة عشر نوعاً من الأدوية المكافئة (الجنيســـة) شـــائعة الاســـتخدام. في جنوب أفريقيا مثلاً، يمكن أن يستغرق وصول الأدوية الجديدة إلى السوق وقتاً يمتد حتى خمس ســـنوات، بســـبب القوانين التي يطبّقها هذا البلد فيما يتعلق بتسجيل العقاقير وتمييزها بعلامات تجارية. وســـيكون بوسع دول كثيرة زيادة إتاحة العشرات من صنوف الأدوية الأساســـية في الحال إذا قامت بتيسير عمليات الموافقة على العقاقير، وألغت الرسوم، وبسّطت الإجراءات الجمركية.
وتكمن المشكلة الثالثة في النقص الشديد في العاملين بمجال الرعاية الصحية، إذ لا يســـتطيع المرضى في كثير من الـــدول منخفضـــة ومتوســـطة الدخل الحصـــول على العقاقيـــر التي يحتاجونها لعدم وجـــود أطباء أو ممرضات لوصف الأدوية، أو صيادلة لصرفها. ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، يعاني العالم من نقص يق در بنحو ســـبعة ملايين متخصـــص في مجـــال الرعاية الصحية، ومـــن المتوقع أن يصـــل هذا الرقم إلى 13 مليوناً بحلول العام 2035. ومما يزيـــد الأمر ســـوءاً، وجود نقـــص أكبر فـــي المتخصصين المؤهليـــن لعلاج الأمـــراض المزمنة مثل الســـكري، الذي ينتشـــر بســـرعة في العالم النامي بســـبب تغيّـــر الأنظمة الغذائية والعادات.
ويتمثـــل العائق الرابع، وربما الأكبر، أمام توصيل الأدوية بـــدول كثيرة في ضعف أنظمـــة التمويل الصحي -أو عدم وجودها بالمرة. فحتى عندما تُتاح الأدوية الأساســـية سواء المكافئـــة أو الأصليـــة، لا يقدر على شـــرائها المرضى ذوو الدخـــول المنخفضـــة في الـــدول التي تقدّم دعمـــاً ضئيلاً لمواطنيهـــا ولا تتوافـــر بهـــا آليـــات تأمينيـــة مجمعـــة ضد المخاطر. ووفقاً لأحد التقديرات، فإن نحو %90 من سكان الدول منخفضة ومتوسطة الدخل سيواجهون الفقر والعوز إذا اضطروا لدفع ثمن صنـــف واحد من العقاقير المكافئة شائعة الاستخدام من جيوبهم.
ويشـــتهر عـــدد من الـــدول الأكثر شـــغفاً بنـــزع حمايات براءات الاختراع بالتقتير في الإنفاق على الرعاية الصحية. فالحكومـــة الهندية مثلاً تنفق حوالـــي %1 فقط من الناتج المحلـــي الإجمالي على الرعاية الصحية، وهو ما يقل كثيراً عن نســـبة الــــ5 % التي تحتاجهـــا البلاد للتحـــرّك صوب التغطية الصحية الشـــاملة. لكن مصادرة الملكية الفكرية لشـــركات تصنيع الأدوية لن تفعل شـــيئاً لتحسين النتائج في ظل عدم وجود شبكات أمان جوهرية.
إن زيـــادة إتاحة الأدوية الأساســـية أمر حتمي لتحســـين نتائج الرعاية الصحية لمئات الملايين من الأشخاص حول العالـــم. وعندما لا تُثقِل أعباء المـــرض كاهل المجتمعات، فســـيكون بإمكانها حينئـــذ التركيز على تعزيـــز الإنتاجية والاســـتهلاك والتجارة. لكن إهمال التهديد الذي تشـــكله الأمراض المعديـــة في العالم النامي يســـتدعي في الوقت نفســـه كارثة لـــن تقتصـــر على دول هـــذا العالـــم النامي فحســـب، وإنما ســـتمتد إلى الاقتصادات المتقدمة أيضاً. بوســـعنا فعل الكثيـــر لإغلاق الفجـــوة العالميـــة في الأمن الصحي، أمـــا تقويض حمايات بـــراءات الاختراع للعقاقير الجديدة فلن يؤدي إلا إلى النقيض تماماً. أستاذ الاقتصاد في جامعة هاينريش هاينه