Al Shabiba

كيف نكافح الشعبويين؟

يميل الناخبون إلى المرشحين المعروفين بمعاداة المؤسسة الرسمية ويتوقع منهم الخروج على السياسات السائدة

-

يكن بلا ثمن. فقد كَل ف الحركات السياســـي­ة في الوســـط مصداقيتها. كما زاد من الصعوبة التي تواجهها النُخَب في محاولة تضييق الفجوة التـــي تفصلها عن الناس العاديين الذي يشـــعرون بـــأن المؤسســـة الرســـمية تخلـــت عنهم وهجرتهم.

يتحيـــر كثيـــرون من المنتميـــ­ن إلى النخب فـــي محاولة تفســـير الأســـباب التي تجعل الناس من الفقـــراء أو أبناء الطبقـــة العاملـــة يُدلـــون بأصواتهم لصالح شـــخص مثل ترامـــب. فمـــن الواضـــح أن سياســـات هيـــلاري كلينتون الاقتصاديـ­ــة المعلنـــة كانت لتثبت في الأرجـــح كونها أكثر ملاءمـــة لهم. ولكنهم، في محاولة تفســـير هـــذه المفارقة، يستشـــهدو­ن بجهـــل هـــؤلاء الناخبيـــ­ن، أو افتقارهـــ­م إلى المنطق والعقلانية، أو عنصريتهم.

ولكن هناك تفســـير آخر، وهو تفســـير يتســـق تماماً مع العقلانية والمصلحة الذاتية. فعندما يخســـر ساســـة التيار الرئيســـي مصداقيتهــ­ـم، يُصبِح مـــن الطبيعـــي أن يرتاب الناخبون فـــي الوعود التي يبذلونها. يميـــل الناخبون إلى الانجذاب إلى المرشحين المعروف عنهم معاداة المؤسسة الرسمية والذين يمكنهم أن يتوقعوا منهم بنسبة كبيرة أن يخرجوا على السياسات السائدة.

في لغة الاقتصاديي­ن، يواجه الساسة الوسطيون مشكلة المعلومـــ­ات غيـــر المتماثلة. فهم ي دعـــون أنهم مصلحون، ولكن لمـــاذا يصدّق الناخبون قادة لا يبـــدو أنهم مختلفون عن زمرة الساســـة الســـابقي­ن الذيـــن بالغوا فـــي تصوير مكاسب العولمة واستخفوا بشكاواهم وهمومهم.

في حالة هيلاري كلينتون، تسبب ارتباطها الوثيق بالتيار المناصر للعولمة في الحزب الديمقراطي وعلاقاتها المتينة مع القطاع المالي في تعقيد المشكلة بوضوح. وقد وعدت حملتها الانتخابية باتفاقيات تجارية عادلة وتنصلت من دعم الشراكة عبر المحيط الهادئ، ولكن هل كانت مخلصة في ذلك حقاً؟ الواقع أنها أيّدت الشـــراكة عبر المحيط الهادئ بقوة عندما كانت وزيرة للخارجية الأمريكية.

وهذا هو مـــا يُســـميه الاقتصاديو­ن التـــوازن التجميعي. ويبدو الساســـة التقليديون والإصلاحيو­ن متشابهين، وهم يســـتحثون بالتالي نفس الاســـتجا­بة من جانب قسم كبير من الناخبين. فهم يخســـرون الأصوات لصالح الشعبويين وزعماء الدهمـــاء الذين يعتبر الناخبـــو­ن وعودهم بزعزعة أركان النظـــام أكثـــر مصداقية. كما يشـــير تأطير التحدي في هيئة مشـــكلة معلومات غير متماثلـــة إلى حل واضح. فمن الممكن تعطيل التوازن التجميعي إذا تمكن الساسة الإصلاحيون من »إظهار« نوعهم »الحقيقي« للناخبين.

ويحمل التلميح بالإشـــار­ة معنى محدداً في هذا السياق. فهو يعني الانخراط في سلوك مكلف يتسم بالقدر الكافي مـــن التطرف الذي يجعل أي سياســـي تقليدي غير راغب فـــي محاكاته على الإطلاق، ولكنه ليـــس متطرفاً إلى الحد الذي قد يحوّل الإصلاحي إلى شـــعبوي فيهزم الغرض منه. وبالنسبة لشـــخصية مثل هيلاري كلينتون، على افتراض أن تحوّلهـــا كان حقيقياً، فربما كان ذلك ليعني الإعلان عن أنها لم تعد تأخذ أي موال من وال ستريت أو أنها لن توقع على أي اتفاقية تجارية أخرى في حال انتخابها.

بعبـــارة أخرى، يتعيّن على الساســـة الوســـطيي­ن الذين يرغبـــون في ســـرقة بريق زعمـــاء الدهماء أن يمـــروا عبر مســـار ضيّق للغاية. وإذا كان شـــق مثل هذا المسار يبدو صعباً، فإن هذا يـــدل على حجم التحدي الذي يواجه هؤلاء الساســـة. ومن المرجح أن يتطلـــب التصدي لهذا التحدي وجوهاً جديدة وساسة أكثر شباباً لم يتلوثوا بوجهات نظر سابقيهم المتأثرة بالعولمة وأصولية السوق.

يتطلـــب الأمر أيضـــاً الإقـــرار الصريح بأن الســـعي إلى تحقيق المصلحـــة الوطنية هو ما يُنتَخَب الساســـة للقيام به. وهذا يعني ضمناً الاســـتعد­اد للهجـــوم على العديد من أبقار المؤسسة الرســـمية المقدسة -وخاصة المؤسسات المالية مطلقة العنان، والتحيّز لصالح سياسات التقشف، والنظـــرة المســـتهج­نة للـــدور الـــذي تلعبـــه الحكومة في الاقتصـــا­د، وحركة رأس المال المتحـــرر­ة من العراقيل في مختلف أنحاء العالَم، وعبادة التجارة الدولية.

سيظل خطاب هؤلاء القادة يحمل طابعاً متنافراً متطرفاً فـــي نظر المنتمين إلى التيار الرئيســـي. ومـــع ذلك، ربما يكـــون هذا أقل ما يلزم القيام بـــه لاجتذاب الناخبين بعيداً عن زعماء الدهماء الشعبويين. ويتعيّن على هؤلاء الساسة أن يقدّمـــوا مفهوماً للهوية الوطنية أكثر شـــمولية، وليس معاديـــاً للمهاجرين، كما يجب أن تظل سياســـاته­م ضمن إطار المعاييـــ­ر الديمقراطي­ة الليبرالية. أما أي شـــيء آخر فينبغي أن يكون مطروحاً على الطاولة. أستاذ الاقتصاد السياسي الدولي في كلية جون كينيدي في جامعة هارفارد

Newspapers in Arabic

Newspapers from Oman