روبرت واتسون
بينما تنعقد جلســـات مؤتمر الأمم المتحدة لتغيّر المناخ في مدينـــة بون في ألمانيا، تعود درجات الحرارة الكوكبية متزايـــدة الارتفاع مرة أخـــرى إلى قمة الأجنـــدة العالمية. ولكن لماذا نهتم بزيادة درجات الحرارة، إن لم يكن بسبب تأثيرها على الحياة على الأرض، بما في ذلك حياة البشر؟
إنها مســـألة مهمة وتســـتحق الدراســـة؛ نظـــراً للافتقار النســـبي إلى الاهتمام المكرّس لتهديـــد آخر وثيق الصلة ولا يقل أهمية لقدرة الإنسان على البقاء: الوتيرة المذهلة لخسارة التنوع البيولوجي على كوكب الأرض.
يعتمـــد توافر الغذاء والماء والطاقة -اللبنات الأساســـية التـــي يقـــوم عليها أمـــن أي بلد فـــي العالـــم- على صحة الأنظمـــة الإيكولوجية البيئية وقوتها وتنوعها، وعلى الحياة التي تســـكنها. ولكن نتيجة لأنشطة بشرية، أصبح التنوع البيولوجـــي الكوكبي الآن في انحدار أســـرع من أي لحظة أخـــرى في التاريخ. ورغم ذلك لم يـــدرك العديد من صنّاع السياســـات حتى الآن أن خســـارة التنوع الأحيائي تشكّل تهديداً لا يقل جســـامة عن ارتفاع مســـتويات سطح البحر وأحداث الطقس القاسية متزايدة التواتر.
يأتـــي هذا الافتقـــار إلى القدر الكافي مـــن الاهتمام رغم التعهدات الدولية بحمايـــة التنوع البيولوجي. ففي أكتوبر مـــن العـــام 2010، التقـــى زعمـــاء العالمـــي في إيتشـــي فـــي اليابان، حيـــث أنتجوا الخطـــة الاســـتراتيجية للتنوع البيولوجي -2020، 2011والتي تضمنت عشـــرين هدفاً طموحاً -مثل خفض خســـارة الموائـــل الطبيعية العالمية إلـــى النصف، وإنهاء الصيد الجائـــر- اتفق الموقعون على تلبيتهـــا بحلـــول العـــام 2020. كمـــا تأتي حمايـــة التنوع البيولوجي على وجه التحديد ضمن أهداف الأمم المتحدة للتنميـــة المســـتدامة. ومـــن المرجح رغم ذلـــك أن يكون التقـــدم نحو تحقيق أهـــداف التنوع البيولوجـــي العالمي قاصـــراً بدرجة خطيرة عـــن المطلوب لضمان مســـتقبل مقبول للجميع.
يتفـــق صنّاع السياســـات إلى حد كبير علـــى أهمية منع ارتفـــاع درجة الحرارة العالمية عن تجاوز درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الصناعة -وهو هدف اتفاق باريس للمنـــاخ. غير أن قِلـــة من زعماء العالَم أبدوا أي إحســـاس بإلحـــاج الحاجـــة إلـــى وقف خســـارة التنـــوع البيولوجي. ويعتمد المســـتقبل المســـتدام الذي نريده على إنهاء هذه الحالة من عدم الاكتراث.
لتحقيـــق هـــذه الغاية، يعتـــزم المنبر الحكومـــي الدولي للعلوم والسياســـات بشـــأن التنـــوع البيولوجي وخدمات النظم الأيكولوجية، الذي أتولى رئاســـته، إطلاق سلســـلة مـــن التقارير التاريخية في مارس حـــول العواقب المترتبة على تدهور التنوع البيولوجي. وســـتغطي هذه التقييمات التي أعدها على مدار ثلاث ســـنوات أكثر من 550 خبيراً من نحـــو 100 دولة أربـــع مناطق عالميـــة: الأمريكيتين، وآســـيا ومنطقة المحيط الهادئ، وأفريقيا، وأوروبا وآسيا الوســـطى. وســـيتناول تقريـــر خامـــس تدهـــور الأراضي وإعادتهـــا إلى حالتهـــا الأصلية على المســـتويين الإقليمي والعالمي.
وستســـلّط التقارير الضوء على الاتجاهـــات واحتمالات المســـتقبل الممكنة، مع تحديد الخطوط العريضة لأفضل الخيـــارات بين السياســـات المتاحة لإبطـــاء تدهور النظم الإيكولوجية، من الشعاب المرجانية إلى الغابات المطيرة. وســـتمثل هذه التقييمات في مجموعها الرأي الذي يُجمِع عليـــه المجتمـــع العلمي حـــول حالـــة التنـــوع البيولوجي وخدمات النظم الإيكولوجية.
وستســـلّط التقارير الضوء فضلاً عن ذلك على الروابط الوثيقة بين خسارة التنوع البيولوجي وتغيّر المناخ، والتي ينبغـــي معالجتها في نفس الوقت. ولـــن يتمكن العالَم من تلبية أهـــداف اتفاق باريس للمناخ -أو العديد من أهداف التنمية المســـتدامة- ما لم يضع فـــي الاعتبار حالة التنوع البيولوجي وخدمات النظم الإيكولوجية.
اليـــوم، تفصل أغلـــب الحكومات ســـلطاتها البيئية عن تلـــك التي تركز علـــى الطاقة والزراعـــة والتخطيط. وهذا يجعـــل من الصعب معالجة تغيّر المناخ أو خســـارة التنوع البيولوجي بطريقة شـــاملة. ونحن فـــي احتياج إلى أنماط جديـــدة مـــن هيـــاكل الإدارة المبدعة للتقريـــب بين هذه الصوامع السياسية.
بعـــد إطـــلاق التقاريـــر الإقليمية الصـــادرة عـــن المنبر الحكومـــي الدولـــي للعلـــوم والسياســـات بشـــأن التنوع البيولوجـــي وخدمات النظـــم الإيكولوجية العـــام المقبل، سيُنشَـــر تقييم عالمي مبني على هـــذه التقارير في العام 2019. وســـتكون هـــذه أول نظرة عالمية شـــاملة للتنوع البيولوجـــي وخدمـــات النظـــم الإيكولوجيـــة منـــذ تقييم الألفية الرســـمي للنظم الإيكولوجية الصادر العام 2005. وســـيتناول هذا التقييم صحة النظـــم الإيكولوجية البرية، والميـــاه العذبة، والنظـــم البحرية، فضلاً عـــن تأثير بعض العوامل مثـــل التحمـــض، وارتفاع درجات حرارة ســـطح البحر، والتجارة، والأنواع الغازية، والصيد الجائر، والتلوث، وتغيّرات استخدام الأراضي.
وســـيتطلب نجـــاح الجهـــود الراميـــة إلى عكـــس اتجاه الاســـتخدامات غيـــر المســـتدامة للأصـــول الطبيعية في العالَـــم أن يُعيد صانعو السياســـات النظر في قيمة التنوع البيولوجـــي للشـــعوب، والبيئـــات، والاقتصـــادات. ولكن الخطـــوة الأولى تتلخص في ضمـــان الحصول على أفضل المعـــارف المتاحـــة لمراجعـــة الأقـــران لاتخـــاذ القرارات الســـليمة، وما إذا كانت التقييمات المرتقبة ستدفعنا في ذلك الاتجاه.
إذا كان لنـــا أن ننجـــح في التصـــدي للعواقـــب الكاملة المترتبة على تغيّر المناخ في حياتنا، فيتعيّن علينا أن ندرك أن الأنشـــطة البشـــرية تتســـبب في ما هو أكثر من مجرد إضافة بضع درجات حرارة إلى التنبؤات السنوية. وبحلول أوائل العام المقبل، ســـتتجمع لدينا البيانات الكافية حول التنوع البيولوجي وخدمات النظم الإيكولوجية لإثبات هذه الحقيقة، وبالتالي الخيارات المتاحة لتغيير المسار.
الأنشطة البشرية تتسبب في ما هو أكثر من مجرد إضافة بضع درجات حرارة إلى التنبؤات السنوية
المدير الاستراتيجي لمركز تيندال لبحوث تغيّر المناخ في جامعة إيست أنجليا