Al Shabiba

سيمون جونسون

-

اعتقـــد العديد من الناس أن فجر الإنترنت ســـوف يبشـــر بعصـــر جديد مـــن الديمقراطي­ـــة. كان مـــن المفترض أن تصبح المعلومات حرة، وهذا من شـــأنه أن يشـــكل تهديداً وجوديـــاً للأنظمة القائمـــة على الرقابة ومراقبـــة المعرفة، وخاصـــة ضد أولئك الذيـــن حاولوا في وقت ســـابق فصل أنفسهم عن العالم الخارجي.

يبـــدو أن هذه الرؤية فقدت بريقها في أيامنا هذه. بل إن البعـــض يجدها زائفة إلى حد كبير. لقد وجد المســـتبد­ون طرقاً ليست فقط لتشويه المعلومات والتحكم في تدفقها في مجتمعاتهم الخاصة، ولكـــن أيضاً لإحداث ارتباك لدى الناس في الدول الأخرى، وربما حتى تعطيل الديمقراطي­ات الموثوقة سابقاً. قد يكون ظهور وسائل الإعلام الاجتماعية مؤخـــراً قد أزعج بعض الحكام المســـتبد­ين - دعنا نتذكر الربيع العربي - لكنهم استعادوا بلا شك نشاطهم.

فـــي جميع مناطق العالم تقريباً، تمكن المســـتبد­ون من ترسيخ سلطتهم، غالباً وراء ستار الديمقراطي­ة والانتخابا­ت. لقد تم القضـــاء على المعارضين. وكممت أفواه الصحافة. كمـــا يتم التحكم بشـــدة فـــي تدفق المعلومـــ­ات من خلال مجموعة من الأدوات بدءا من وسائل الإعلام التقليدية التي يرعاها النظـــام، إلى أدوات أكثر حداثـــة مثل البرمجيات أو »الروبوتـــ­ات« الآلية. وفقاً لأحدث مؤشـــر للديمقراطي­ة الصادر عن مجلة »إيكونوميسـ­ــت« البريطانية، فإن نصف دول العالـــم كانت أقـــل ديمقراطية في العـــام 2017 عن العام 2016، و 5 % فقط من ســـكان العالم يعيشـــون في »ديمقراطية كاملة .«

الآن وصلـــت تكنولوجيا رقمية جديدة: كريبتو كرنســـي (العملة المشـــفرة). هناك نقاش واســـع يدور حول كيفية تأثير هـــذا النهج في إنشـــاء ونقـــل القيمة علـــى الأنظمة المصرفية، إلا أن تأثيره المحتمل على السياسة في جميع أنحاء العالم قد تم تجاهله إلى حد كبير.

مـــن الواضح أن العملات المشـــفرة - مثـــل البيتكوين، والإيثيروم، والعديد من منافسيها - تعتمد على تكنولوجيا الإنترنـــ­ت، ولكن هنـــاك اختلاف بســـيط وعميق على حد ســـواء. يعمـــل الإنترنـــ­ت على الوصـــول إلـــى المعلومات بأشـــكال عديـــدة، دون الحاجـــة إلـــى التركيز علـــى رؤية واحدة. فـــي الواقع، يمنحك الإنترنت إمكانية الوصول إلى آراء متنوعة، حيث يفســـح لك المجال لتحديد المعلومات الصحيحة ومعرفة الشخص الذي يشوه الحقيقة في خدمة ديكتاتورية خبيثة.

مـــن ناحية أخـــرى، تعمل العمـــلات المشـــفرة فقط إذا وافق الجميع (في نظام التشـــفير هـــذا) على حامل وحدة القيمة أمس وكذلك على الشـــخص الذي سيتم نقل هذه الوحدة إليه اليوم. يمكننا محاولة تشـــويه هذه المعلومات أو اختراق أجهزة الكمبيوتر الخاصة بالمواطنين مباشـــرة أو تعطيـــل الخوارزمية التي تســـجل المعاملات - وتحدث مثل هذه الهجمات باســـتمرا­ر. ومع ذلك، ونظراً للمنافسة بين العملات المشـــفرة، فيما يتعلق بأمنها وفائدتها، يبدو من المعقول أن نفترض أن الأقوى سيظل قائماً.

تتكون قيمة العملة المشفرة من سجل رقمي يتم التحكم فيه بطريقة لامركزية. يوجد السجل على العديد من العُقد داخل الشـــبكة، مما يجعله مقاومًا للســـيطرة المركزية أو »الرقابة« - وهو مصطلح يســـتخدم بشكل متكرر من قبل مؤسســـين تجار، ومراقبي العملات المشفرة، وتحديدا لأن الكثير منهم قلقون بشأن التغيير الانتقائي للسجلات.

ليس من الصعب معرفة ســـبب رغبة النظام الاستبدادي فـــي منع الناس مـــن الوصول إلى ســـجلات رقمية آمنة لا يمكن تعقبها.

بدايـــة، مع الوصـــول إلى مثـــل هذه الســـجلات، يمكن للمواطن دفع مبالغ أو تبرعـــات تتجاوز النظام المصرفي وإشـــرافه المتكامل. وبذلك، ســـتصبح القواعد التي تقيد التنظيم السياسي أسهل للتحدي.

بالإضافـــ­ة إلـــى ذلك، يمكن اســـتخدام ســـجلات مماثلة لتخزين ونقل معلومات أخرى. على ســـبيل المثال، يقوم بعض زملائي بتطوير نظام يســـمح للمستخدمين بتخزين السجلات الصحية الخاصة بهم والتحكم فيها. لماذا لا نبني نظاماً مشـــابهاً منظماً حول المظالـــم أو الاحتجاجات ضد النظام؟

لا يوجـــد حد أقصـــى لمســـتوى الإبداع الـــذي يمكن أن يحققه الأشـــخاص في كتابة ما يســـمى بالعقـــود الذكية، والتي ســـتؤدي إلى دفـــع مبالغ أو معامـــلات رقمية أخرى (مثل إرسال رســـائل احتجاج) عندما وقوع أحداث معينة. بالنســـبة للنشـــطاء في جميع أنحـــاء العالم، فـــإن العائق الوحيد هو إبداعهم.

وبطبيعة الحال، فإن الأنظمة الاســـتبد­ادية حذرة بالفعل مـــن المخاطـــر - ويمكننا أن نتوقع منهـــا أن تحظر حيازة العملات المشـــفرة بطرق شديدة القســـوة. وليس هناك شـــك في أنهم ســـيطورون أدوات جديدة لمحاولة مراقبة ما يفعله مواطنوهم في هذا الصدد. ســـيكون سباقاً مثيراً لأســـلحة الابتكار - وستعمل الأنظمة الاســـتبد­ادية للفوز، نظرا لأن التكنولوجي­ا التي ترتكز عليها، والمعروفة باســـم »بلوك شين«، صُممت لتفادي الحاجة إلى القوة المركزية.

ليس لدى الديمقراطي­ات المنظمة بشكل جيد ما تخشاه مـــن عمليات التشـــفير. قد تكـــون هناك بعـــض عمليات الخداع - ويجب على المســـتثم­رين أن يحـــذروا دائمًا من المنتجـــا­ت الجديدة غير الشـــفافة تمامًا. ولكن في الغالب سوف نحصل على أشـــكال جديدة من الضغط التنافسي على الوسائل الحالية لتسديد المدفوعات. أي شيء يمكن أن يقلل رســـوم بطاقة الائتمان ويساعد في زيادة الاندماج المالي سيكون موضع ترحيب.

من ناحية أخرى، فإن الأشـــخاص الذين تستند سلطتهم السياســـي­ة على التحكم فـــي المعلومـــ­ات لديهم مخاوف جديدة بالتأكيد. ســـتكون الأنظمة الاســـتبد­ادية دائما معنا بشـــكل أو بآخـــر وفي أماكـــن كثيرة. ولكن لـــن يكون من المســـتغر­ب إذا كان هنـــاك رد فعل معيـــن لصالح أولئك الذيـــن يفضلون أنظمـــة أكثـــر انفتاحا ودرجـــة أعلى من المنافسة السياسية الهامة.

وجد المستبدون طرقاً ليست فقط لتشويه المعلومات والتحكم في تدفقها في مجتمعاتهم الخاصة، ولكن أيضاً لإحداث ارتباك لدى الناس في الدول الأخرى

Newspapers in Arabic

Newspapers from Oman