Al Shabiba

ملحمة وطنية سيخلدها التاريخ

-

في ملحمة وطنية رائعة جسدها أبناء هذه الأرض الطيبة إزاء تجاوز تداعيات الحالة المدارية التي عصفت بمحافظتي ظفار والوسطى إلا أنها لم تعصف بعزائم وهمم الرجال أبناء هـذه الأرض الطيبة الذين ضربوا أروع الأمثلة في التضحية في سبيل الوطن وفي سبيل أن يبقى أبـدا سليما معافى بتوفيق الله وفضله ورحمته وبركته، وهـو ما يبعث على الارتـيـاح لمستويات التعامل مع الأحداث الكبيرة كالأعاصير و الحالات المدارية و الأنواء المناخية التي لم تعد ترهبنا وترعبنا من عنفوانها وبطشها في الأرض في ظل هذا التسامي للذود على كـل تبعات تخلفها هـذه الـكـوارث أهمها الهامات العالية والهمم القوية والعزائم التي لا تلين لهذا الشعب في تجاوز المحن.

إن هذه هي القيم العمانية المتجذرة في نفوس أبناء هذا الوطن أبا عن جد، وتلك التربية والتنشئة التي غرسها حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- في أبناء هذا الوطن منذ بواكير النهضة المباركة بأن يكونوا على قلب رجـل واحــد وأن تعلو الوطنية على أي شـيء آخـر، وكـل شبر من هذه الأرض هو وطن الجميع فكهذا يتسامى الكل في مثل هذه الظروف التي برهنت تآلف وتآزر المواطنين والجهات في تقديم كل التضحيات وتقديم كل غال ونفيس في سبيل هذا الوطن.

فالملحمة الوطنية التي عاشتها السلطنة خـلال الأيــام الفائتة كشفت عن المعدن الأصـيـل لأبـنـاء هــذا الشعب الأبــي، لقد هبت البلاد من أقصاها إلى أدناها هبت في عزيمة الرجال، وفي ضراوة الأكاسر لا تلوي على شيء، غير عابئة بالعنف الذي تجلى فـي سحنات مكونو وهـو يضرب الشواطئ الآمنة في صلالة متحدية كل المخاطر فـي سبيل اطمئنان وسلامة السكان.

لقد رأينا ورأى العالم معنا رؤيا العين كيف أن عُمان وشبابها ورجالها ونساءها كانوا جميعا على قلب رجل واحد، الكل ليس في عقله وقلبه غير محافظة ظفار وأهلها وساكنيها في سباق من إنقاذ وإجلاء وتسكين كل القاطنين على السواحل واحتضانهم في قلوبهم قبل أن يفتحوا لهم المدارس والبيوت، الكل وقد أنكر ذاته، وكـان قد استعداد للتضحية بنفسه من أجل الإنسان في محافظة ظفار، الكل لا يرى شيئا يحول بينه وبين شواطئ صلالة تلك الرائعة وقد جاءها مكونو بطوفانه يلتهم كل شيء أمامه لكن لم يثن الإرادة والعزيمة الصلبة لأبناء هذا الشعب في مواجهة التحديات على اختلافها.

لقد كانت الملحمة بمثابة اختبار ميداني نـاطـق وحــي وأمـيـن عـن مـا أعـدتـه هذه الأرض الطيبة فـي صمت لتجاوز أنـواء كـهـذه، فقد جـاء الـيـوم الــذي تختبر فيه جهود سنين طـوال من العمل الــدؤوب، وهــو عمل علمي مـــدروس ومخطط له بعناية شاركت فيه كل فعاليات الدولة من قوات السلطان المسلحة، وشرطة عُمان السلطانية والهيئة العامة للدفاع المدني، والهيئة العامة للطيران المدني والأرصاد الجوية وأجهزة البلديات وغيرها، فهذه الجهات المحورية عملت في إدارة الحالة بكفاءة عالية، وكافة مؤسسات القطاع العام والخاص، ووسائل الإعلام التي لعبت دورا محوريا في تغطية الحالة المدارية لحظة بلحظة لم تترك للإشاعات مكانا تخترق التلاحم العماني أو تشوش على الجهود المبذولة التي تبذل في الميدان ونقل كل الأحداث بشفافية عالية وضعت المشاهد والمستمع والقارئ في الصورة وكأنه حاضر لتلك الحالة المدارية، فهذه المصداقية وتلك الموضوعية هي خطوط السياسة الإعلامية التي تبرهن يوما بعد آخر على نجاحها في التعاطي مع الأمور.

وعندما جاءت ساعة الصفر رأينا تناسقا وتكاتفا وتضافرا للجهود وللفعاليات، وبفضل نجاح هذا النفير التلقائي تفوقت السلطنة حتى على الـولايـات المتحدة الأمريكية، هذا ما قالته لغة الرياضيات، إذ لم تصل الخسائر إلى درجة الكارثية كما وصلت في أمريكا، ولم تصل الخسائر المادية إلى أي مصطلح يشير ولو همسا إلى كلمة (فادحة)، ولم تصل الخسائر في الأرواح إلى أي مستوى يذكر رغم عنف مكونو.

كـل النتائج مـا بعد الـحـالـة الـمـداريـ­ة ستخضع للدراسة والتمحيص والتدقيق مـن قبل الجهات المختصة لإخضاعها للمزيد من الدراسة والتحليل واستلهام نقاط الضعف إن وجـدت ومن ثم تعزيز القدرات والإمكانات ولتبقى الاستعدادا­ت مستمرة وقائمة على قـدم وســاق، تلك هي توجيهات جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- الذي يتابع عن كثب هذه الملحمة بعين الرضا للجاهزية العالية التي يبديها أبناؤه في مواقع العمل والتضحيات التي يقدمها كل العاملون في الميادين في محافظة ظفار والوسطى للتخفيف من حدة الحالة المدارية وطمأنة السكان في هذه الأجزاء العزيزة على قلوبنا من هذا الوطن، فتلك يا مولاي هي تربيتكم التي حرصتم على غرسها وذاك هو زرعكم الذي تحصدونه في بناء الإنسان العماني المؤمن بوطنه وقدسيته في أحلك الظروف وأشدها على الإطلاق.

فالملحمة الوطنية التي سطرها إخواننا وأبناؤنا قد أثبتت وبرهنت للعالم جميعه وقد انحسرت الحالة المدارية الآن أثبتت للعالم أن هـذا الشعب دائــم الاستعداد ودائـم اليقظة والأهـم من كل ذلك روعة الـوحـدة الوطنية الـتـي تجلت ومكونو يضرب شواطئ صلالة، في تلك اللحظة كانت كل محافظات وولايات السلطنة هي في الواقع تنطق باسم محافظتي ظفار والـوسـطـى، كـل مـواطـن ومقيم تسامى فـوق ذاتــه وأبــدى استعدادا لتقديم كل غال يملكه وكل نفيس بحوزته، وكل عزيز يحتفظ به، فالوطن هو الأغلى والأعلى، ومحافظة ظفار كانت بالأمس تمثل الوطن كل الوطن، فشكرا لكل الجهود الخيرة التي تبارت في تقديم الغالي والنفيس في هذه الحالة المناخية الاستثنائي­ة، وشكرا لكل التضحيات التي بذلت لتخفيف تبعات ما شهدته محافطتي ظفار والوسطى من رياح وأمطار وأوديـة وآثارها، وسيضاف ما حـدث كعلامة بـارزة لمعاني التكاتف والـتـآزر ونكران الــذات في أداء الواجب الـــذي أظـهـره كـل مـن شـــارك فـي هـذه الملحمة إلى سجلات التضحيات الوطنية، التي تربينا عليها في عهد باني هذا الوطن حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Oman