Al Shabiba

تحرروا من عوالمكم الوهمية!

كل إنسان ينتج عالمه ويؤمن بمعتقداته الخاصة، فيظن أن عالمه الخاص هو العالم الصحيح دون أن يعلم أن الآخرين لديهم أيضاً عوالمهم الخاصة التي يعتقدون أنها العوالم الصحيحة

-

أن عالمـــه الخـــاص هو العالـــم الصحيـــح دون أن يعلم أن الآخرين لديهم أيضاً عوالمهـــم الخاصة التي يعتقدون أنها العوالم الصحيحة. والحقيقة انـــه ليس هناك عالم صحيح وعالم غيـــر صحيح، بل هناك عوالم مختلفة قد تكون كلها غير صحيحة. لهذا من الخطـــأ أن نفرض عوالمنا وأفكارنا ومعتقداتنا على الآخرين، ومـــن الخطأ أن يفرض الآخرون معتقداتهم وعوالمهم الخاصـــة علينا في ظل هذا التلاعب الخطير بعقول البشر سياســـياً واجتماعياً وثقافياً ودينياً. لاحظوا مثلاً كيف بدأت بعض الدول تغير توجهات شعبها الدينية وتقلبها رأساً على عقب. لاحظوا كيف بدأت تنقلب علـــى النظام الدينـــي والاجتماعي القديم، وبدأ بتأســـيس نظام اجتماعـــي وديني وثقافي جديـــد لا علاقة له بالنظام القديـــم. بعبـــارة أخرى، فـــإن العوالم التي ظنها الشـــعب أنها عوالـــم حقيقية تبين أنها عوالـــم مصطنعة بطلب من الخارج. وهذا ينســـف معتقدات وأفـــكار وأوهام الملايين الذين كانوا يعيشون على وقع تعاليم النظام السابق. وبما أننا نرى الآن أمام أعيننا كيف يغيّرون توجهات الشـــعوب حتى الدينية، أليس حرياً بنا أن نخرج من قواقعنا وعوالمنا الخاصة التي حبســـنا أنفســـنا داخلها، وظننـــا أنها العوالم الحقيقية الوحيدة؟

من حقك أن تســـتمتع بعالمك ومعتقداتك الخاصة، لكن إيـــاك أن تظن أنها الأصح. لا أحـــد يمتلك الحقيقة الكاملة غيـــر الله عز وجل، ونحـــن وعوالمنا ومعتقداتنـ­ــا وأفكارنا لا نشـــكل ســـوى جزيئات وذرات مـــن الحقيقـــة الكاملة. ويـــرى الفيلســـو­ف الألمانـــ­ي نيتشـــه أن بعض البشـــر لا يســـتطيعو­ن التخلّي عن أوهامهم التي عاشوا عليها طوال حياتهم خوفاً من التـــردّي في مهاوي التلف وتنهار حياتهم بكاملهـــا ...لذلك نرى أصحـــاب الدّوغمائية مثل القوميين والإســـلا­ميين العرب لا يريدون التخلّـــي عن إيديولوجيت­هم الســـقيمة حاملـــة الشـــعارا­ت الرنّانة رغم مـــا أظهرته من فشل وكذب، لأنهم يخشون من انتهاء حياتهم المبنيّة على الأوهام و الخيالات زهاء عشرات السنين .

وقـــد عـــرّف الفلاســـف­ة الدّوغمـــا بالابن غير الشـــرعي للفلسفة، لأن الفلسفة تستسلم أمام الحقيقة، أمّا الدّوغما فلا، بل هي ترى الحقيقة المطلقة في ذاتها .

ولو انتبه الحابســـو­ن أنفسهم في عوالم ضيقة إلى كلمة يختلفـــون وتختلفون، وكم مرة وردت فـــي القرآن الكريم لبدأوا يخرجون من قواقعهم. في (113) من سورة البقرة، و(19) يونس، (إِ ن رَب كَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (25) السجدة)، (48) المائدة.

(إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَب ئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ )48) المائدة) (فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُـــمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113) البقرة)

(إِ ن رَب ـــكَ يَقْضِـــي بَيْنَهُمْ يَـــوْمَ الْقِيَامَـــةِ فِيمَـــا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُـــونَ (17) الجاثيـــة) (إِ ن رَب كَ هُوَ يَفْصِـــلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (25) السجدة)

الإسلام نفسه أقر وجود الاختلاف بين الناس في فهمهم و اعتقادهـــ­م وتوجههـــم. حتى القـــرآن يختلـــف في فهمه العلماء. وليس هناك فهم موحد.

يقول ديكارت (1650 / 1556) مقولته الشـــهيرة (إن العلـــم لا يبدأ بالشـــك فقط، ولكنه ينتهي بالشـــك أيضاً)، فالعلم ينســـخ بعضه بعضاً ويحوله مرة، ويســـتبدل­ه أخرى ويطوره مرات أخرى.

اخرجوا مـــن عوالمكـــم الضيقـــة، واســـتمتع­وا بالعوالم الأخرى، فالحيـــاة ليس عالماً واحداً، ولا حتى إيماناً واحداً، ليســـت كلها فنـــاً، أو دينـــاً، أو فلســـفة، أو موســـيقى، أو سياســـة، أو اقتصاداً، أو رياضة، أو اعتقـــاداً روحياً يتيماً لا شـــريك له، فلا تنظروا إلى العالـــم من منظار اختصاصكم واهتمامكم وهوياتكم وتوجهاتكم ومعتقداتكم الضيقة، بل انظروا إليها نظرة بانورامية، فســـتجدون أنها أجمل بكثير من عالمكم الضيق الذي ظننتموه العالم الحقيقي. لا أبداً، ليس هناك عالم واحد، بل عوالم بعدد ســـكان هذا العالم. كلٌ يصنع عالمه الخاص، ويظن أنه العالم...لا يا عزيزي إنه عالمك الخاص الذي لا يمت لعوالم الآخرين بصلة. اخرجوا من قواقعكم!

Newspapers in Arabic

Newspapers from Oman