الخوارزمية الصينية والغربية
إذا استمرت الاتجاهات الحالية في ثقافة الأعمال والمستهلكين، فعندئذ سيكون لدينا قريباً الكثير من القواسم المشتركة مع تقاليد الجدارة والتقاليد الشيوعية
لذلـــك، فإن اســـتخدام هـــذه الخوارزميات يخلـــق الحاجة التكنولوجيـــة لتفســـير المعلومات المتعلقة بالأشـــخاص باعتبارهـــا بيانات قابلة للتســـجيل، ويمكن الوصول إليها. وكما هو الحـــال في نظام الإنتاج الضخـــم، فالخوارزميات »سياســـية بطبيعتهـــا«، لأن وظائفهـــا الأساســـية تتطلب بعض الممارســـات الاٍجتماعية وترفض الأخرى. على وجه الخصوص، تعمل خوارزميات التعلم الآلي بشـــكل مباشر على رغبة الأفراد في الحفاظ على سرية حياتهم الشخصية.
قد يبـــدو النظام القائـــم على التوافر العـــام للمعلومات حول أفـــراد المجتمع الفردي مقبولا لـــدى أنصار الملكية الشـــيوعية، مثـــل عالم الاجتمـــاع أميتاي اتزيونـــي، الذي يعتقـــد أن القيـــود المفروضة على خصوصيـــة الأفراد هي وســـيلة لفـــرض المعاييـــر الاجتماعية. لكن خلافـــاً لأنصار الملكية الشيوعية، فإن الخوارزميات غير مبالية بالأعراف الاجتماعية. همهـــم الوحيد هو تحســـين نوعية التوقعات، مـــن خلال تحويل المزيد من مجالات الحياة البشـــرية إلى مجموعات البيانات التي يمكن استخراجها.
بالإضافـــة إلى ذلك، فـــاٍن قوة الضـــرورة التكنولوجية لا تحول الغربيين الفرديين إلى شيوعيين عرضيين فحسب، بـــل تعزز أيضـــاً ارتباطهـــم بثقافـــة الجـــدارة القائمة على التقييمـــات الخوارزمية. ســـواء كان ذلك في العمل، أو في المدرســـة، أو حتى على تطبيقات المواعدة، فقد أصبحنا معتاديـــن بالفعل على تقييم أهليتنـــا من خلال أدوات غير شـــخصية، والتي تحـــدد لنا بعد ذلك مكانا في التسلســـل الهرمي.
من المؤكد أن التقييم الخوارزمي ليس جديدًا. قبل جيل، حذر علماء مثل أوسكار جاندي من أننا نتحول إلى مجتمع مصنّف ومســـجل، وطالب بمزيد من المســـاءلة، فضلاً عن إمكانيـــة تصحيح الأخطاء التي أحدثتها التكنولوجيا. ولكن بخـــلاف الخوارزميات الحديثة للتعلم الآلـــي، كانت أدوات التقييم القديمة مفهومة بشكل جيد، حيث اتخذت القرارات على أســـاس العوامل المعيارية والتجريبية المناسبة. على سبيل المثال، لم يكن سراً أن تراكم ديون بطاقات الائتمان الكبيرة يمكن أن يدمر الجدارة الائتمانية للشخص.
وعلى النقيض من ذلـــك، تدخل التكنولوجيات الجديدة للتعلـــم الآلي فـــي أعماق مجموعـــات البيانـــات الضخمة من أجل إيجاد علاقات متبادلة تســـمح بإجـــراء التنبؤات، والتي يتم فهمها بشـــكل ســـيئ. في مـــكان العمل، يمكن للخوارزميـــات تتبـــع محادثات الموظفيـــن، والمكان الذي يتناولون فيه الغداء، ومقدار الوقت الذي يقضونه في العمل علـــى الكمبيوتر وفـــي المحادثات الهاتفيـــة والاجتماعات. وبناء على هذه البيانات، تقوم الخوارزميات بتطوير نماذج متطـــورة للإنتاجية تتجاوز بكثيـــر مفاهيمنا المنطقية. في الجـــدارة الخوارزميـــة، تصبح أي متطلبـــات لهذه النماذج معيارا جديدا للتميز.
ومع ذلك، فإن التكنولوجيا ليســـت حتمية. نحن نشكلها قبل أن تشـــكلنا. يمكن لقادة الأعمال وصانعي السياسات تطوير ونشـــر التقنيات التي يريدونهـــا، وفقًا لاحتياجاتهم المؤسســـية. فـــي وســـعنا الحفاظ علـــى ســـرية الجوانب الحساسة للحياة البشرية، وحماية الناس من الاستخدامات الضـــارة للبيانات، والمطالبـــة بتـــوازن الخوارزميات بين دقـــة التوقعـــات والقيم الأخرى مثـــل النزاهة والمســـاءلة والشفافية.
ولكن إذا اتبعنا التدفـــق الطبيعي لمنطق الخوارزميات، ســـيكون وجـــود ثقافة أكثر جدارة وشـــيوعية أمـــرا لا مفر منه. وســـيكون لهـــذا التحـــول البطيء آثار بعيـــدة المدى على مؤسســـاتنا الديمقراطية وهياكلنا السياســـية. وكما لاحـــظ الباحثان الصينيان دانييل أ. بيل وجانج ويوي، فإن البديل السياسي الرئيسي للتقاليد الديمقراطية الليبرالية الغربية هو المؤسسات الاجتماعية التي لا تزال تتطور في الصين.
فـــي الصيـــن، لا يتم إضفـــاء الشـــرعية على القـــرارات الجماعية من خلال موافقة صريحة من المواطنين، ويكون للنـــاس عمومـــاً حقوق أقـــل قابلية للإنفاذ ضـــد الحكومة، خاصة عندما يتعلق الأمر بالمراقبة. ويقتصر دور المواطن الصينـــي العادي في الحياة السياســـية إلى حد كبير على المشـــاركة فـــي الانتخابـــات المحلية. وفي الوقت نفســـه، يتـــم اختيار قادة البلد في إطـــار عملية الجدارة، ويعتبرون أنفسهم الأوصياء على رفاهية الشعب.
من غيـــر المرجح أن تتحـــول الديمقراطيـــات الليبرالية بالكامل إلى مثل هذا النظام السياسي. ولكن إذا استمرت الاتجاهات الحالية في ثقافة الأعمال والمستهلكين، فعندئذ سوف يكون لدينا قريباً الكثير من القواسم المشتركة مع تقاليد الجـــدارة والتقاليد الشـــيوعية مقارنة مـــع تاريخنا الفـــردي والديمقراطيـــة الليبراليـــة. إذا أردنـــا تغيير هذا المســـار، يجب أن نضع ضروراتنا السياسية الخاصة فوق متطلبات تكنولوجياتنا.