أمريكا هي الخاسرة
هناك أعداد لا تحصى من الأمريكيين عادة ما يقعون فريسة للحملات الإعلانية، سواء على وسائل التواصل الاجتماعي أو التلفزيون، التي تتلاعب بأسوأ غرائزهم
للأوروبيين دراجات بخارية معفاة من الرسوم الجمركية.
وفـــي تغريدة أخيرة، أصدر ترامب مرســـوما يقضي بأن » شركة هارلي ديفيدسون ينبغي ألا تُقام أبدا في دولة أخرى – أبـــدا« ثم واصل حديثه متوعدا بتدمير الشـــركة، ومن ثمّ وظائـــف العاملين فيها قائلا: »إذا نقلو أعمالهم، فســـتكون هذه هي بداية النهاية – إن استسلموا، يخرجوا! وهذه الهالة ستذهب، وستُفرض عليهم ضرائب لم يشهدوها من قبل!«
ومـــن نافلة القول إن هذا ليـــس أمراً طبيعياً. فتصريحات ترامب تقطر ازدراءً لســـيادة القانون. ولا ترقى أي منها إلى مســـتوى أي شـــيء يمكن أن نطلق عليه سياســـة تجارية، ناهيك عن أن يُطلق عليـــه إدارة للدولة. فالأمر يبدو وكأننا قد عدنا إلـــى أيام هنري الثامن، الملـــك المندفع المخبول المُحاط بزمرة من الأثرياء ذوي النفوذ والمتملقين والأفاقين الذيـــن يحاولون جميعا أن يتقدمـــوا مهنيا وأن يحافظوا في الوقت ذاته على سفينة الدولة طافية.
ومن الواضح أن ترامب غير قادر على أداء واجبات منصبه بنية حسنة. وكان ينبغي لمجلس النواب الأمريكي ومجلس الشيوخ أن يكونا قد أقالوه بالفعل وعزلوه من منصبه بسبب انتهاكه لبند المكافآت المنصوص عليه في دستور الولايات المتحدة الأمريكية، إن لم يُعزل لســـبب آخر. وبخلاف ذلك، كان ينبغـــي لنائب الرئيس، مايك بنس، منذ وقت طويل أن يُعمل التعديل الخامس والعشـــرين الـــذي ينص على إقالة الرئيـــس إذا اعتبره أغلبيـــة الحكومة »غير قـــادر على أداء سلطات وواجبات منصبه«.
ولكـــن لم يجرؤ لا رئيس مجلس النـــواب، بول رايان، ولا زعيم الأغلبية بمجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل، ولا بينس أن يفعل أي شـــيء حيال اعتداء ترامـــب على الديمقراطية الأمريكية. فالجمهوريون قد أصابهم الشـــلل بسبب الخوف من أنهم إذا انقلبوا علـــى ترامب، المدعوم حالياً من %90 تقريباً من قاعدة الحزب، فإنهم سيعانون جميعا في صناديق الانتخابات خلال انتخابات التجديد النصفي للكونجرس في نوفمبر الثاني المقبل.
ومـــا ألطف أن تظن أن الانتخابات ســـتُصلح كل شـــيء. لكـــن، على الأقـــل، يحتاج الحـــزب الديمقراطي إلى ســـت نقاط مئوية لاســـتعادة مجلس النواب، وذلك بسبب تلاعب الجمهوريين في حدود الدوائر الانتخابية للكونجرس. ويحتاج الديمقراطيون أيضاً إلى التغلب على أثر التلاعب في حدود الدوائر الانتخابية في مجلس الشيوخ. فكتلة الديمقراطيين في مجلس الشيوخ المكونة من 49 عضوا تمثل، في الوقت الحالي، 181 مليون شخص، في حين أن كتلة الجمهوريين المكونة من 51 عضواً تمثل 142 مليون شخص.
وعلاوةً على ذلـــك، فإن الولايات المتحدة معروفة بضعف إقبـــال المصوتين في أثناء انتخابات التجديد النصفي، وهو ما يميل إلى الإضرار بفرص نجاح المرشحين الديمقراطيين. إن ترامب وأعضاء الكونجـــرس من الجمهوريين قد وصلوا إلى مقاليـــد الحكم في ظل اقتصاد قوي نســـبياً ورثوه من الرئيس الأســـبق باراك أوباما، إلا أنهم سعداء بادعائهم أنهم هم من صنعوا هذا الاقتصاد.
وأخيـــرا، ينبغي للمـــرء ألا يُغفـــل عامل الخـــوف. فهناك أعـــداد لا تحصـــى من الأمريكييـــن عادة ما يقعون فريســـة للحملات الإعلانية، ســـواء على وسائل التواصل الاجتماعي أو التلفزيـــون، التي تتلاعب بأســـوأ غرائزهـــم. ويمكنك أن تكـــون علـــى يقين من أن مـــا حدث في الماضي ســـيحدث في هذه الدورة الانتخابية، فســـوف تُقـــ دم وجبات ثابتة من الخطب الرنانة إلى المصوتين البيض من كبار السن لتبث في نفوســـهم الفزع من التهديـــدات التي يمثلها المهاجرون وأصحاب البشرة الملونة والمسلمون وغيرهم من الكائنات المرعبة بالنســـبة لأنصار ترامب (هـــذا إذا لم يُبَعْ لهم علاج زائف لمرض الســـكري أو صندوق ذهبي بثمن باهظ يفوق كثيراً سعره الحقيقي).
وبغـــض النظر عما ســـيحدث فـــي نوفمبـــر المقبل، من الواضح بالفعـــل أن القرن الأمريكي قد انتهى في 8 نوفمبر 2016. ففـــي ذلـــك اليوم، لم تعـــد الولايـــات المتحدة هي القـــوة العظمى التي تقود العالم، فلم تعـــد الدولة الضامنة ذات النية الحســـنة، رغم عيوبها، للسلام والرفاهية وحقوق الإنسان حول العالم. إن أيام الهيمنة الكيندلبيرجية للولايات المتحدة قد ولت وانتهت. فلا يمكن أبدا استعادة المصداقية التـــي فقدتهـــا الولايات المتحـــدة لصالح أنصـــار ترامب – بتحريض من روسيا والمجمع الانتخابي الأمريكي.