مركز الدراSضات الح†ضارية.. تتويج للعمل الثقافي بùضلطنة عمان
العمل الثقافي.. هو عمل في العقل الاجتماعي، فلا يوجد اجتماع منتظم قابل للبقاء والتطور دون اأن تكون الثقافة وراءه، تبتدع له تفكيره، وتنتج له مدنيته، وتنظّم له علاقاته، وهي في الوقت نفùسه ابنة الاجتماع، فالاإنùسان بمفرده لا ينتج ثقافة. والثقافة.. كبقية المنظومات الاجتماعية؛ بداأت بùسيطة؛ بكونها عملًا فرVسته الحاجة قبل الوعي بوجودها. ثم Uسارت جزءًا من علوم تهيمن على الùساحة المعرفية، مثلما كان علم التاريخ؛ تن†سوي تحته الاأSسطورة والح†سارة والانثروبولوجيا والاجتماع، حتى Tسبت عن طوقه؛ واتخذت لنفùسها طريقًا Sسربًا في المعرفة. وهكذا كانت الثقافة متوزعة بين الفلùسفة والدين والتاريخ والاأدب والفن، فكان الفيلùسوف ورجل الدين والموؤرخ والاديب هم مثقفي عüسورهم، حتى تبلور للثقافة مûسروعها الخاUص بها.
الثقافة.. بداأت اSستقلالها في اوروبا خلال عüسر التنوير؛ وهو عüسر اتùسم باأربع Sسمات: الانفكاك من طوق الخرافة، والتخلüص من هيمنة الكنيùسة، وكùسر قيد الاSستبداد باإزميل الحرية، وتنظيم الحياة بدولة الموؤSسùسات والقانون. واSستجابة للمعطيات الكبرى التي اأفرزها هذا العüسر؛ Tسرع اللاهوتيون المùستنيرون في تنظيم معرفتهم الدينية وتقديمها بقالب يتناSسب مع عüسرهم. هذا اللون المùستحدث من معرفة التنوير الدينية؛ التي عملت على المواءمة بين النüص والتقليد الديني والمùستجدات المعرفية في التخلüص من الخرافة والعمل خارج تقاليد الكنيùسة، والاحتفاء بالحرية؛ وما لحقها من قيم العلمانية كتقدير الحياة بالجمال مثل: الûسعر والرSسم والفن والموSسيقى والمùسرح، وجد عناية من الفلاSسفة والمفكرين؛ فاأوجدوا له اSسمًا خاUًسا به هو «الثقافة»، والذي اTستق في اللغات اللاتينية من «الزراعة». فالثقافة.. هي تهذيب لذوق المجتمع واSستزراع لقيم الجمال وتنمية للاآداب والمعارف الراقية فيه.
وجد مûسرّع الدولة القومية في الثقافة هيكلًا Uسلبًا ليجمع به Tستات هذه المعارف خارج نظام الدولة القديمة؛ فجعل وظيفتها توحيد الطبقة العليا للمجتمع المعرفي، كالاأدباء والûسعراء والفلاSسفة
والاأكاديميين والكُتّاب والموSسيقيين والفنانين، وقد خüستهم الدولة بالعناية بكونهم الذراع الذي تتحرك به بين Tسعوبها، فاأنûساأت لها الموؤSسùسات والوزارات والنوادي والاتحادات لكي ت†سبط حركة الاجتماع فكريًا. كما انه عبر Sسفنها الاSستعمارية تمكنت من نûسر ثقافتها عالميًا. وبالثقافة كذلك اSستطاعت الدولة اأن تواجه المعتقدات التي تهددها، فاتخذت منها Sسدًا منيعًا Vسد العنüسرية المتعüسبة والاTستراكية الûسمولية، خلال القرن العûسرين الميلادي.
وفي ظل تطور النظرية الليبرالية وتحت Vسغط مطالب الحرية والمُلْكية الفردية وتحرير الùسوق؛ تحولت الثقافة من حالتها الüسلبة الى حالة Sسائلة، اإلا ان الليبرالية فرVست ثقافتها الجديدة هذه على العالم من خلال حقوق الاإنùسان والمواثيق الدولية في الاأمم المتحدة، في هذه المرحلة كانت موؤSسùسات المجتمع المدني جùسرًا بين الدولة والûسعب، وظلت هذه الموSسùسات محكومة بالقانون لكيلا تخرج عن النظام العام للدولة.
ولما حلّ العüسر الرقمي ببرقه المûسظّي للمعرفة؛ هدّد المنظومات القديمة بالزوال ما لم تجدد من انظمتها الداخلية وتعاملها الخارجي، وبما ان الثقافة هي ابنة المعرفة فقد اأUسابها Tسعاع نافذ، ارغمها على التحول من Sسيولتها المتحكم بها من الدولة بقنوات القانون اإلى «مادة اأثيرية»؛ لا ت†سع الجمال والتناSسق معيارًا لتقييم العمل الثقافي، واإنما الربح والوUسول اإلى اأكبر قدر من المùستهلكين في العالم هما المتحكمان في نوع الثقافة، وبعد تحققه Sسرعان ما يتبخر ليحل محله نوع ثقافي جديد. لقد تفككت يد الدولة كثيرًا عن العمل الثقافي، واأدركت بع†ص الدول اأن الهيمنة الثقافية على الاجتماع لن تكون باإعادة الثقافة اإلى Sسيولتها ف†سلًا عن Uسلابتها، وانما بامتلاك القدرة على الاSستفادة من تûسظيها، وذلك.. باإنتاج عناUسر ثقافية منوعة قادرة على عبور حدود الدول اإلى قلوب الناSص وجيوبهم، فتكون الهيمنة على الاجتماع عبر بوابة الاSستهلاك المعولم.
اإن وراء هذه التحولات الكبرى مراكز بحث ورUسد وتحليل للعناUسر الثقافية باأبعادها الح†سارية
ومنظوماتها المعرفية وموؤSسùساتها الاإدارية، لم تتطور الثقافة في الدول الرائدة عالميًا؛ خارج الوعي بهذا التطور المتùسارع وموؤثراته المبهرة وماآلاته المذهلة الذي تقوم به هذه المراكز، وبذلك.. تüسدّرت ثقافتها المجتمعات الاإنùسانية. اأما الدول التي اأهملت اإنûساء الموؤSسùسات الثقافية ومراكز البحث الح†ساري؛ فقد ظلت Uسدى خجولًا لمنتجات غيرها.
اأSستطيع القول.. ان الثقافة مرّت باأربع مراحل كبرى: التاأSسيùص؛ كانت الثقافة فيها تبحث عن مفهومها واختüساUسها. ثم الüسلبة؛ لجاأت الدولة فيها الى تكوين قوميتها من خلال العمل الثقافي. ثم الùسيولة؛ حيث واكبت الدولة النظرية الليبرالية، فكانت الثقافة جùسرًا بين الحكومات وموؤSسùسات المجتمع المدني، واأخيراً.. التûسظي؛ اأUسبحت الثقافة بيد من يملك التقنية الرقمية. ولمزيد من الفهم للتحولات الثقافية يمكن الرجوع الى كتاب «الثقافة الùسائلة» لزيجمونت باومان.
لناأتِ الى وVسعنا العماني، وكيف تطور العمل الثقافي في الدولة الحديثة، قبل عام 1970م لا يمكن الحديث عن حالة ثقافية، فالوVسع اأTسبه بما قبل ميلاد مفهوم الثقافة، فالاأدب والتاريخ وعلوم الدين بدون اإطار ثقافي محدد. ومع بداية الدولة الحديثة جاءت العناية بالثقافة، فاأنûسئت وزارة الاإعلام والثقافة في عام 1974م، حينها لم تبداأ بعد الخطط الخمùسية، والثقافة.. كغيرها في مرحلة التاأSسيùص لم تتبنَ روية محددة، فالدولة.. لا زالت تكتûسف ذاتها، وتعالج ق†ساياها العليا، كمواجهة التيارات الفكرية الدخيلة مثل: الاTستراكية والقومية، ووVسع البنية الاأSساSسية لموSسùسات المجتمع والحكومة. لتبداأ المرحلة الüسلبة من العمل الثقافي عام 1979م بتاأSسيùص وزارة التراث القومي والثقافة، حيث ربطت بالتراث؛ الذي يحمل الüسبغة القومية. حتى دخلت الدولة في التعددية الفكرية، واأعلن الùسلطان قابوSص بن Sسعيد -طيّب الله ثراه- عنها عام 2000م من على منبر جامعة الùسلطان قابوSص، وفي عام 2002م تغيّر اSسم الوزارة اإلى وزارة التراث والثقافة، لتüسبح الثقافة اأكثر مرونة من قبل، وامْيَل اإلى الحالة الùسائلة.
خلال نüسف قرن في عمر الدولة.. اأنûسئ العديد من الموSسùسات الثقافية كمركز الùسلطان قابوSص العالي للثقافة والعلوم، والمنتدى الاأدبي، والنادي الثقافي، والجمعية العمانية للكُتّاب والاأدباء، والمكتبات، والمراكز الثقافية، والاأوبرا، اإلا انه لم تنûساأ مراكز للدراSسات الثقافية. والاآن وSسلطنة عمان تمرّ بمرحلة التجدد، والثقافة تûسهد مرحلة التûسظي تحت مطارق العولمة الرقمية، فاإن وزارة الثقافة والرياVسة والûسباب اتخذت قرارها الواعي بمتطلبات المرحلة؛ فاأنûساأت مركزًا للدراSسات الح†سارية.
عام 2015م.. تقدمتُ بفكرة تطوير المنتدى الاأدبي، وذلك بتحويله اإلى «بيت خبرة» للثقافة العمانية، بحيث يركّز عمله على الدراSسات البحثية، متجاوزًا تكرار الاأعمال التي تقع فيها عادة الموؤSسùسات الثقافية، لكن الظروف التي تمرّ بها Sسلطنة عمان حينها حالت دون تحقق المراد. وما اأن اأعيدت هيكلة الجهاز الاإداري للدولة عام 2020م، حتى وVسعنا هيكلة لمركز الدراSسات الح†سارية بما يواكب «روية عمان 2040»، وقد تمت الموافقة عليها، وUسدر قرار اإنûساء المركز مع هيكلة الوزارة الجديدة «وزارة الثقافة والرياVسة والûسباب». لقد حمل اSسم المركز البُعد الح†ساري لتفüسح الثقافة عن جذرها العميق في عمان، فهي تûسكّل بُنية ح†سارية ممتدة اإلى اآلاف الùسنين، وليهتم المركز كذلك بالاإنتاج المعرفي؛ متجاوزًا الاأعمال الاإجرائية للثقافة، والتي اأSسندت اإلى دوائر اأخرى بالوزارة.
اإن الحديث عن رSسالة المركز واختüساUساته، والروية التي يüسبو الى تحقيقها، والامال المعقودة عليه؛ يحتاج الى مقال بنفùسه. ويوجب الحال هنا.. رفع عظيم الûسكر اإلى المقام الùسامي لمولاي Uساحب جلالة الùسلطان هيثم بن طارق حفظه الله واأدام مجده، على رعايته الجليلة للمركز، منذ ان كان فكرة تراود حلمنا، ولا يزال يلحظه بعين التùسديد. والûسكر موUسول لüساحب الùسمو الùسيد ذي يزن بن هيثم، الذي ينال المركز منه التوجيه والتعزيز والمتابعة، ولùسعادة الùسيد Sسعيد بن Sسلطان البوSسعيدي الذي يûسرف عليه؛ ويùسهم باتخاذ القرارات العملية في بنائه الاإداري وترSسيخ تقاليده العلمية.