ﻋﻠﻴﻨﺎ اﻻﻫﺘﻤﺎم ﺑﻠﻐﺘﻨﺎ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ

ﻧـــﺰل اﻟــﻘــﺮآن اﻟــﻜــﺮﻳــﻢ ﻋـﻠـﻰ ﻧﺒﻴﻨﺎ ﻣﺤﻤﺪ، ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ، ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ، واﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺣـﺮوﻓـﻬـﺎ ﺳﻬﻠﺔ وﻟـﻜـﻦ ﺗﻌﻠﻢ اﻟﻨﻄﻖ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻣﻦ أﺻﻌﺐ ﻟﻐﺎت اﻟﻌﺎﻟﻢ، وﻟﻜﻦ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻺﻧﺴﺎن اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻳﺠﺪ أن ﺗﻌﻠﻢ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺳﻬﻞ ﺟﺪا وﻟﻜﻦ إذا ﺗﻌﻤﻘﻨﺎ ﻓﻲ ﻟﻐﺘﻨﺎ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺗﺠﺪ ﻓﻴﻬﺎ ﻗﻮاﻋﺪ وأﺳﺴﺎ ﺻﻌﺒﺔ ﺟﺪا وﻟﻴﺲ ﻣﻦ اﻟﺴﻬﻞ إﺗﻘﺎﻧﻬﺎ ﻛﻜﻞ.

اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻣــﻦ اﻟـﻠـﻐـﺎت اﻟﺴﺎﻣﻴﺔ وﻫﻲ أﻗﺪﻣﻬﺎ ﻧـﺸـﺄًة وﺗـﺎرﻳـﺨـﺎً وﻫﻨﺎﻟﻚ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻵراء ﻓﻲ أﺻﻞ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻟﺪى ﻗﺪاﻣﻰ اﻟﻠﻐﻮﻳﻴﻦ اﻟـﻌـﺮب ﻓﻴﺬﻫﺐ اﻟﺒﻌﺾ إﻟــﻰ أن ﻳـﻌـﺮب ﻛﺎن أول ﻣﻦ أﻋﺮب ﻓﻲ ﻟﺴﺎﻧﻪ وﺗﻜﻠﻢ ﺑﻬﺬا اﻟﻠﺴﺎن اﻟــﻌــﺮﺑــﻲ ﻓـﺴـﻤـﻴـﺖ اﻟــﻠــﻐــﺔ ﺑــﺎﺳــﻤــﻪ، وورد ﻓﻲ اﻟـﺤـﺪﻳـﺚ اﻟـﻨـﺒـﻮي أن ﻧـﺒـﻲ اﷲ إﺳـﻤـﺎﻋـﻴـﻞ ﺑﻦ إﺑﺮاﻫﻴﻢ أول ﻣﻦ ﻓﺘﻖ ﻟﺴﺎﻧﻪ ﺑﺎﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺒﻴﻨﺔ وﻫﻮ اﺑﻦ أرﺑـﻊ ﻋﺸﺮة ﺳﻨﺔ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻧﺴﻲ ﻟﺴﺎن أﺑﻴﻪ، »واﻟﻤﺘﻌﺎرف ﻋﻠﻴﻪ أﻧﻪ أول »ﻧﺒﻲ« ﻧﻄﻖ ﺑﺎﻟﻌﺮﺑﻴﺔ، إﻻ أﻧﻪ ﻗﺪ ﺗﻌﻠﻢ ﻫﺬه اﻟﻠﻐﺔ ﻣﻦ أﻫﻞ اﻟﺠﺰﻳﺮة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺮﻛﻪ واﻟﺪه ﻓﻴﻬﺎ وﻫﻮ ﺻﻐﻴﺮ ﻓﺘﻌﻠﻢ ﻟﻐﺔ أﻫﻞ اﻟﺠﺰﻳﺮة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻋــﺎش ﻓﻴﻬﺎ وﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻓﻬﻮ أول » ﻧـﺒـﻲ« ﻧﻄﻖ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ وﻟﻜﻨﻪ ﻟﻴﺲ أول اﻟﺒﺸﺮ اﻟﺬﻳﻦ ﻧﻄﻘﻮا ﺑﻬﺎ.

ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻋﻠﻰ رأس ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺰاﻳﺎ، اﻷﻣــﺮ اﻟــﺬي أﻫــﻞ ﻋﻠﻤﺎء اﻟﻠﻐﺔ أن ﻳﻜﻮﻧﻮا ﻋﻠﻰ ﻋﻠﻢ ودراﻳـــﺔ ﺑﻤﺮاﺗﺐ أﻫــﻞ اﻷرض وﻣﻼﺋﻜﺔ اﻟـﺴـﻤـﺎء، وﻣـﺮﺟـﻊ ﻫــﺬا ﻳـﻌـﻮد إﻟــﻰ ﻛـﻤـﺎل اﻟﻠﻐﺔ وﻓﺼﺎﺣﺔ اﻟـﻠـﺴـﺎن، وﻣــﻦ اﻟﺠﺪﻳﺮ ﺑﺎﻟﺬﻛﺮ أن اﻟـﻠـﻐـﺔ ﻗــﺪ ﻧـﺸـﺄت ﻓــﻲ ﻋـﻬـﺪ آدم ﻋﻠﻴﻪ اﻟـﺴـﻼم ﻟﻘﻮل اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﻲ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﻳﻢ: َّ »وﻋﻠﻢ آ َد َم ا ْﻷَْﺳ َﻤﺎ َء ُﻛ ّﻠََﻬﺎ« ﺳﻮرة اﻟﺒﻘﺮة

- آﻳﺔ )١٣(. اﻟـــﻘـــﺮآن اﻟــﻜــﺮﻳــﻢ وﺣــــﺪه ﺑــﺤــﺮ ﻣـــﻦ اﻟـﻠـﻐـﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻓﻔﻲ اﻟﻘﺮآن ﺗﺘﻌﻠﻢ اﻟﻜﺜﻴﺮ وﻻ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﺗﺘﻘﻦ ﻣﺎ ﺗﻌﻠﻤﺘﻪ إﻻ ﺑﻌﺪ ﻓﺘﺮة ﻃﻮﻳﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﻓﻬﻨﺎﻟﻚ ﻓــﻲ ﻗـــﺮاءة اﻟــﻘــﺮآن اﻟﻜﺮﻳﻢ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻘﺮاءات واﻟﺘﻲ ﻳﺼﻌﺐ ﺗﻌﻠﻤﻬﺎ ﻓﻲ وﻗﺖ ﻗﺼﻴﺮ أو ﻣﺨﺘﺼﺮ ﻛﺎﻟﺘﺠﻮﻳﺪ واﻟﺘﻨﻮﻳﻦ وﻋـــﻼﻣـــﺎت اﻟـــﻮﻗـــﻒ وﻣــﺼــﻄــﻠــﺤــﺎت اﻟـﻀـﺒـﻂ وﻣـــﺨـــﺎرج اﻟـــﺤـــﺮوف وﻫـــــﺬه ﻛــﻠــﻬــﺎ ﺿــﻮاﺑــﻂ وﻣﺼﻄﻠﺤﺎت ﺻﻌﺒﺔ ﻟﻠﻐﺎﻳﺔ وﻟﻴﺲ ﻣﻦ اﻟﺴﻬﻞ ﺗﻌﻠﻤﻬﺎ ﻓــﻲ زﻣـــﻦ ﻗـﺼـﻴـﺮ، وﻛــﻤــﺎ ﺗـﻼﺣـﻈـﻮن اﻟـﺬﻳـﻦ ﻳﺘﻜﻠﻤﻮن اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ وﻫــﻢ ﻟﻴﺴﻮا ﺑﻌﺮب ﺗـﺠـﺪ ﺑــﺄن ﻟـﺪﻳـﻬـﻢ ﻟﻜﻨﺔ ﻓــﻲ ﺑـﻌـﺾ اﻟـﺤـﺮوف وﻧﻄﻘﻬﻢ ﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻟﻴﺲ ﻛﻤﺎ ﻳﺘﻜﻠﻢ ﺑﻬﺎ اﻟﻠﺴﺎن اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﻔﺼﻴﺢ، ﻓﺎﻟﻔﺼﺎﺣﺔ ﻟﻠﻌﺮب ﻓﻘﻂ، وأﻳﻀﺎ ﻫﻨﺎﻟﻚ اﻟﺘﻨﻮﻳﻦ واﻟﺘﺸﻜﻴﻞ وﻫﺬا ﻻ ﺗـﺠـﺪه إﻻ ﻓـﻲ ﻟﻐﺘﻨﺎ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻓﻘﻂ وﻣﻨﻬﺎ اﻟﻀﻤﺔ واﻟﻔﺘﺤﺔ واﻟﻜﺴﺮة واﻟﺴﻜﻮن.

وﻣﻦ اﻷﻫﻤﻴﺔ ﺑﻤﻜﺎن أن اﻟﻘﺮآن أﻋﺎد ﺗﻨﻈﻴﻢ اﻟﻠﻐﺔ وﺟﻤﻊ ﺷﺘﺎﺗﻬﺎ، ﺛﻢ وﻗﻒ ﻋﻠﻰ ﺣﺮوﻓﻬﺎ ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﻌﻠﻮم ﻣﻦ ﻓﻮاﺗﺢ اﻟﺴﻮر، ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ: » َو َﻛ َﺬﻟَِﻚ أَْو َﺣ ْﻴﻨَﺎ إِﻟَﻴ َﻚ ُﻗ ْﺮآَﻧًﺎ َﻋ َﺮﺑِ ًّﻴﺎ ﻟِﺘُ ْﻨ ِﺬر أَُّم اﻟ ُﻘ َﺮى َو َﻣ ْﻦ َﺣ ْﻮﻟََﻬﺎ«، ﺳﻮرة اﻟﺸﻮرى- آﻳﺔ .(٧)

ﻋﻠﻴﻨﺎ اﻻﻫﺘﻤﺎم ﺑﻠﻐﺘﻨﺎ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺑﺎﻟﺬات ﻓﻲ ﻣﺪارﺳﻨﺎ وﻣﺠﺘﻤﻌﺎﺗﻨﺎ ﻓﻲ اﻷﺳﺎس ﻓﻲ اﻟﺘﻌﻠﻢ وﻟﻜﻦ ﻣﻦ اﻟﻤﻼﺣﻆ اﻵن ﻓﻲ ﻋﺼﺮﻧﺎ اﻟﺤﺎﻟﻲ اﻻﻫﺘﻤﺎم ﺑﺘﻌﻠﻢ اﻟﻠﻐﺎت اﻷﺟﻨﺒﻴﺔ وﺗﺮك اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻛـﻤـﺎدة ﻏﻴﺮ أﺳﺎﺳﻴﺔ وﻫــﺬا ﻣـﺎ ﻳﻮﻗﻊ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣـﻤـﻦ ﺗﻌﻠﻤﻮا ﻓــﻲ ﻋــﺪم اﻟـﺘـﺮﻛـﻴـﺰ ﻓﻲ ﻗــﻮاﻋــﺪ اﻟـﻠـﻐـﺔ اﻟـﻌـﺮﺑـﻴـﺔ أو اﻻﻫــﺘــﻤــﺎم ﺑﺎﻟﻨﻄﻖ اﻟﺼﺤﻴﺢ وﺑــﺬﻟــﻚ ﻳـﻜـﻮن اﻟﻤﺘﺨﺮج ﻣــﻦ ﻫﺬه اﻟﻤﺪرﺳﺔ ﻓﺎﻗﺪا ﻟﻘﻮاﻋﺪ ﻟﻐﺘﻨﺎ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ.

ﻫﻨﺎﻟﻚ ﺑﻌﺾ اﻟــﺪول ﻻ ﺗﺘﻜﻠﻢ ﻏﻴﺮ ﻟﻐﺘﻬﺎ، وذﻟﻚ ﺣﺼﺮا ﻣﻨﻬﺎ ﻟﻼﺣﺘﻔﺎظ ﺑﻠﻐﺘﻬﺎ وﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﺄﺗﻲ ﺟﻴﻞ ﻏﻴﺮ ﻧﺎﻃﻖ ﺑﻠﻐﺘﻬﺎ، وﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺪول اﻟﻴﺎﺑﺎن واﻟﺼﻴﻦ وﺗﺮﻛﻴﺎ، وﻫﺬا ﺷﻲء ﻻ ﻋﻴﺐ ﻓﻴﻪ ﻓﻠﻤﺎذا ﻻ ﻧﻌﻤﻞ ﻧﺤﻦ ﻣﺜﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﺪول ﺣﺘﻰ ﻧﺤﺎﻓﻆ ﻋﻠﻰ دﻳﻨﻨﺎ وﻣﻠﺘﻨﺎ وﻋﺎداﺗﻨﺎ وﺗﻘﺎﻟﻴﺪﻧﺎ.

ﻟـﻐـﺘـﻨـﺎ اﻟـﻌـﺮﺑـﻴـﺔ ﺟـﻤـﻴـﻠـﺔ ﻓــﻲ ﻣﺨﻄﻮﻃﺎﺗﻬﺎ ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ ﺗﺠﺪ آﻳﺔ ﻗﺮآﻧﻴﺔ ﻣﻜﺘﻮﺑﺔ ﺑﺨﻂ ﺟﻤﻴﻞ وﻣﺰﺧﺮﻓﺔ ﺑﺎﻟﺰﺧﺮﻓﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺗﻌﺠﺐ ﻟﻬﺎ وﺗـﻤـﻌـﻦ اﻟـﻨـﻈـﺮ ﻓﻴﻬﺎ وﻫـﻨـﺎﻟـﻚ ﺑـﻌـﺾ اﻵﻳــﺎت ﺗﺠﺪﻫﺎ ﻣﻜﺘﻮﺑﺔ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻳﺼﻌﺐ ﻗﺮاءﺗﻬﺎ أو ﻧﻄﻘﻬﺎ واﻟﻮاﺣﺪ ﻣﻨﺎ ﻳﺤﺎول ﺟﺎﻫﺪا ﻗﺮاءة ﺗﻠﻚ اﻵﻳﺔ ﻷﻧﻬﺎ ﻣﺨﻄﻮﻃﺔ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﺟﻤﻴﻠﺔ.

إذا ﻓﻠﻨﺤﺎﻓﻆ ﻋﻠﻰ ﻟﻐﺘﻨﺎ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ وﻟﻨﺒﺬل ﻛﻞ ﻣﺎ ﺑﻮﺳﻌﻨﺎ ﻟﺘﻌﻠﻴﻢ أﺑﻨﺎﺋﻨﺎ واﻻﺟﺘﻬﺎد ﻣﻌﻬﻢ ﻓﻲ ﺗﻌﻠﻢ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻐﺔ وأﻳﻀﺎ اﻻﻫﺘﻤﺎم ﺑﺎﻟﺨﻂ اﻟــﻌــﺮﺑــﻲ وﻫـــﻮ اﻟــﺨــﻂ اﻟــﻮﺣــﻴــﺪ واﻟـﻤـﻤـﻴـﺰ ﺑﻴﻦ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺨﻄﻮط وﺟﻤﻴﻊ اﻟﻠﻐﺎت.