اﻟﻌﻤــﺮ اﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﻟﻺﻧﺴـــﺎن

أﺣـﻴـﺎﻧـﺎً ﻗــﺪ ﺗُــﺼــﺎدف أﺷـﺨـﺎﺻـﺎً ﻓــﻲ أواﺧــﺮ اﻟﺜﻼﺛﻴﻦ ﻣﻦ ﻋﻤﺮﻫﻢ وﻳﺨﻴﻞ إﻟﻴﻚ أﻧﻬﻢ أﻛﺒﺮ ﻣﻦ ذﻟﻚ ، وﻗﺪ ﺗُﻔﺎﺟﺄ ﺑﺄن ﺷﺨﺼﺎً ﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﻘﺪ اﻟﺨﺎﻣﺲ ﻣﻦ ﻋﻤﺮه ﻓﻲ ﺣﻴﻦ ﻛﻨﺖ ﺗﻌﺘﻘﺪ ﺑﺄﻧﻪ أﺻﻐﺮ ﺳﻨﺎ.

إن اﻟﻌﻤﺮ اﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﻟﻺﻧﺴﺎن ﻻ ﻳﺘﻢ ﺗﺤﺪﻳﺪه ﻣﻦ ﺧﻼل ﺣﺴﺎب ﻋﺪد اﻟﺴﻨﻴﻦ اﻟﺘﻲ ﻗﻀﺎﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﻛﻮﻛﺐ اﻷرض ، إﻧﻤﺎ ﻳﺘﻢ اﻟﺘﻨﺒﺆ ﺑﻪ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻣﻌﺮﻓﺔ اﻟﻌﻤﺮ اﻟﺤﻴﻮي و اﻟﻨﻔﺴﻲ و اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ. وﻳﻤﻜﻦ ﺗﻌﺮﻳﻒ اﻟﻌﻤﺮ اﻟﺤﻴﻮي ﻟﻺﻧﺴﺎن ﺑـــﺄﻧـــﻪ ﻋــﻤــﺮ أﻧــﻈــﻤــﺔ اﻟــﺠــﺴــﻢ و اﻟﻤﺘﻤﺜﻞ ﺑﻜﻴﻔﻴﺔ أداﺋﻬﺎ ﻟﻮﻇﺎﺋﻔﻬﺎ ، وﺗﻠﻌﺐ ﺑﻌﺾ اﻷرﻗﺎم دورا ﻣﻬﻤﺎً ﻓﻲ ﺗﺤﺪﻳﺪ ﻣﺴﺘﻮى اﻟﺼﺤﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺘﻤﺘﻊ ﺑـﻬـﺎ اﻟــﻔــﺮد ﻛﻀﻐﻂ اﻟــﺪم و ﻣـﺴـﺘـﻮى اﻟــﺠــﻠــﻮﻛــﻮز ﻓــﻲ اﻟــﺪم واﻟﺪﻫﻮناﻟﺜﻼﺛﻴﺔ.

وﻣـــــﻦ اﻟـــﻤـــﻌـــﺮوف ﺣــــﺪوث ﺗﻐﻴﻴﺮات ﺣﻮاﻟﻲ ١٪ ﺳﻨﻮﻳﺎ ﻓﻲ أداء ﻋﻤﻞ اﻟﻘﻠﺐ واﻷوﻋﻴﺔ اﻟﺪﻣﻮﻳﺔ واﻟﺠﻬﺎز اﻟﺘﻨﻔﺴﻲ واﻟــﻐــﺪد اﻟــﺼــﻤــﺎء ﻣــﻊ ﺗــﻘــﺪم اﻟﻌﻤﺮ ﺑﻌﺪ ﺳﻦ اﻟﺜﻼﺛﻴﻦ أو اﻷرﺑﻌﻴﻦ ﺗﻘﺮﻳﺒﺎ، ﻓﺈذا ﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬه اﻟﺘﻐﻴﻴﺮات أﻗﻞ ﻣﻦ ١٪، ﺳﻴﻜﻮن ﻋـﻤـﺮك اﻟـﺤـﻴـﻮي أﻗــﻞ ﻣــﻦ ﻋـﻤـﺮك اﻟـﺰﻣـﻨـﻲ، و ﻣــﻦ ﺧـــﻼل ﻣــﻤــﺎرﺳــﺔ اﻟــﺮﻳــﺎﺿــﺔ ﺑـﺎﻧـﺘـﻈـﺎم وﺗﻨﺎول ﻃﻌﺎم ﺻﺤﻲ ﺑﺈﻣﻜﺎﻧﻚ ﺗﻘﻠﻴﻞ ﻓﻘﺪان اﻟــﻮﻇــﺎﺋــﻒ اﻟـﺒـﻴـﻮﻟـﻮﺟـﻴـﺔ اﻟـﺮﺋـﻴـﺴـﻴـﺔ ﻣـﺜـﻞ ﻗـﻮة اﻟﻌﻀﻼت و ﻗﻮة اﻟﺠﻬﺎز اﻟﻤﻨﺎﻋﻲ ﺑﻨﺴﺒﺔ ﺗﺼﻞ إﻟـﻰ ٠٥٪. أﻣـﺎ اﻟﻌﻤﺮ اﻟﻨﻔﺴﻲ ﻓﻴﻨﻘﺴﻢ إﻟﻰ ﻗﺴﻤﻴﻦ اﻷداء اﻟﻤﻌﺮﻓﻲ و ﻳﻘﺼﺪ ﺑﻪ اﻟﻘﺪرة ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻌﻠﻢ واﻟـﺘـﺬﻛـﺮ، وﻣــﻦ اﻟـﻤـﻌـﺮوف أﻧﻪ ﻣـﻊ ﺗـﻘـﺪم اﻟـﺴـﻦ ﻳﻌﺎﻧﻲ اﻟﺒﻌﺾ ﻣـﻦ ﺻﻌﻮﺑﺔ ﻓــﻲ اﺳـﺘـﻴـﻌـﺎب ﻣـﻌـﻠـﻮﻣـﺎت ﺟــﺪﻳــﺪة وﻣـﺸـﺎﻛـﻞ ﻓــﻲ اﻟــﺬاﻛــﺮة، واﻟـﻘـﺴـﻢ اﻟـﺜـﺎﻧـﻲ ﻫــﻮ اﻷداء اﻟﻌﺎﻃﻔﻲ و ﻳﻌﻨﻲ اﻟﻘﺪرة ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣــﻊ اﻟــﻤــﺸــﺎﻋــﺮ وإدارﺗـــﻬـــﺎ، ﻓـﻜـﻠـﻤـﺎ زاد ﺗــﺤــﻜــﻤــﻚ ﺑــﺎﻧــﻔــﻌــﺎﻻﺗــﻚ و اﻟــﻤــﺸــﺎﻋــﺮ اﻟـﺴـﻠـﺒـﻴـﺔ ﻛـﺎﻟـﻐـﻀـﺐ و اﻟــﺤــﺰن ، ﻛــﻠــﻤــﺎ ﺗــﻤــﺘــﻌــﺖ ﺑـﺼـﺤـﺔ ﻧﻔﺴﻴﺔ أﻓﻀﻞ، وﻹﺑﻘﺎء ﻋﻤﺮك اﻟﻨﻔﺴﻲ أﺻﻐﺮ ﻣـــــﻦ ﻋــــﻤــــﺮك اﻟـــﺰﻣـــﻨـــﻲ ﻳﺘﻌﻴﻦ ﻋﻠﻴﻚ أن ﺗﻘﻮي ذاﻛـــــﺮﺗـــــﻚ ﻣـــﻨـــﺬ ﻓــﺘــﺮة اﻟﺸﺒﺎب ﺑﺎﻟﻘﺮاءة اﻟﻤﺴﺘﻤﺮة واﻟﺘﻌﻠﻢ اﻟﺪاﺋﻢ، وأﻳﻀﺎً اﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺼﺤﺔ اﻟﻨﻔﺴﻴﺔ.

و ﻳﻌﺘﻤﺪ ﺗـﺤـﺪﻳـﺪ اﻟـﻌـﻤـﺮ اﻻﺟـﺘـﻤـﺎﻋـﻲ ﻋﻠﻰ وﺿـﻊ اﻟـﻔـﺮد ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﺘﻮﻗﻌﺎت اﻟﺴﺎﺋﺪة ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺣﻮل ﻣﺠﺎﻟﻲ اﻷﺳﺮة و اﻟﻌﻤﻞ، ﻓﻔﻲ ﻣﺠﺘﻤﻌﻨﺎ اﻟﻤﺤﻠﻲ ﻳﻔﺘﺮض اﻟﻨﺎس أن ﻣﻦ ﻫﻢ ﻓﻲ أواﺧـﺮ اﻟﻌﺸﺮﻳﻨﻴﺎت أو أواﺋـﻞ اﻟﺜﻼﺛﻴﻨﻴﺎت ﻣـــﺘـــﺰوﺟـــﻴـــﻦ، وﻣـــــﻦ ﻫــــﻢ ﻓـﻲ اﻟــﺴــﺘــﻴــﻨــﻴــﺎت ﻣــﺘــﻘــﺎﻋــﺪﻳــﻦ ﻋـﻦ اﻟﻌﻤﻞ و ﻟﺪﻳﻬﻢ أﺣﻔﺎد، ﻟﻜﻦ ﻗﺪ ﻳﻜﻮن اﻟﻌﻤﺮ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻟﻠﻔﺮد أﺻــﻐــﺮ أو أﻛــﺒــﺮ ﻣــﻦ اﻟـﻤـﺘـﻮﻗـﻊ، ﻓــــﻤــــﺜــــﻼً ﻫـــــﻨـــــﺎك ﻣــــــﻦ ﻳــــــﺮزق ﺑﺄﻃﻔﺎل ﻓﻲ أواﺋﻞ اﻷرﺑﻌﻴﻨﻴﺎت، وﺑﻌﻀﻬﻢ ﻣﻦ ﻳﺘﻌﺮض ﻹﺻﺎﺑﺔ وﻳـﺘـﻘـﺎﻋـﺪ ﻓــﻲ ﺳــﻦ ﻣــﺒــﻜــﺮة، و آﺧــــﺮﻳــــﻦ ﻣــﻨــﻌــﺘــﻬــﻢ اﻟـــﻈـــﺮوف ﻣـــﻦ اﻟــﺤــﺼــﻮل ﻋــﻠــﻰ اﻟــﺸــﻬــﺎدة اﻟـــﺜـــﺎﻧـــﻮﻳـــﺔ ﻗـــﺒـــﻞ ﺳــــﻦ اﻟــﺜــﺎﻣــﻨــﺔ ﻋﺸﺮة، و ﺣﺼﻠﻮا ﻋﻠﻴﻬﺎ أواﺧﺮ اﻟﻌﺸﺮﻳﻨﻴﺎت.

أﺧﻴﺮا إن اﻟﻌﻤﺮ اﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﻟﻺﻧﺴﺎن ﺗﺤﺪده ﻋﻮاﻣﻞ ﻋﺪة ﻣﻨﻬﺎ اﻟﺼﺤﺔ اﻟﺠﺴﺪﻳﺔ واﻟﻨﻔﺴﻴﺔ و اﻟــﻮﺿــﻊ اﻻﺟــﺘــﻤــﺎﻋــﻲ ، و ﻟـﻤـﻌـﺮﻓـﺔ ﻋـﻤـﺮك اﻟﺤﻘﻴﻘﻲ اﺳـــﺄل ﻧﻔﺴﻚ ﻫــﺬا اﻟــﺴــﺆال: ﻣــﺎ ﻫﻮ ﺷﻌﻮري ﺗﺠﺎه اﻟﻌﻤﺮ؟ ﻻ ﺗﻘﻞ وﻓﻘﺎ ﻟﻠﺘﻘﻮﻳﻢ ﻓﻘﺪ أﺻﺒﺢ ﻋﻤﺮي ﻛﺬا، ذاك ﻋﻤٌﺮ زﻣﻨٌﻲ ﻻ ﻋﻼﻗﺔ ﻟـــﻪ ﺑـﻌـﻤـﺮك اﻟـﺤـﻘـﻴـﻘـﻲ اﻟــــﺬي ﺗـﺸـﻌـﺮ ﺑــﻪ ﻣﻦ اﻟﺪاﺧﻞ ، وﻗـﺪ ﻳﻜﻮن ﻣﺎ ﺗﺸﻌﺮ ﺑﻪ أﻫـﻢ ﻋﺎﻣﻞ ﻳﺤﺪد ﺻﺤﺘﻚ وﺳﻌﺎدﺗﻚ.

دراﺳــــــﺎت ﻋـــﺪﻳـــﺪة أﺛــﺒــﺘــﺖ أن اﻷﺷــﺨــﺎص اﻟﺴﻌﺪاء اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻨﻈﺮون ﻟﻠﺤﻴﺎة ﺑﺈﻳﺠﺎﺑﻴﺔ ، و ﻳﺘﻜﻴﻔﻮن ﻣﻊ اﻟـﻈـﺮوف اﻟﻤﺤﻴﻄﺔ ﺑﻬﻢ ﻏﺎﻟﺒﺎ ﻣـﺎ ﻳﺘﻤﺘﻌﻮن ﺑﺼﺤﺔ ﺟـﻴـﺪة و ﻳـﺒـﺪون أﺻﻐﺮً ﻣــﻦ ﻋﻤﺮﻫﻢ اﻟـﺰﻣـﻨـﻲ، ﻟــﺬا ﻻ ﺗﺤﺒﺲ ﺗﻔﻜﻴﺮك و إﺑـﺪاﻋـﻚ و إﻧﺘﺎﺟﻴﺘﻚ ﻓﻲ إﻃﺎر ﻋﻤﺮك اﻟﺰﻣﻨﻲ، ﺗﻨﻔﺲ ﺑــﺈﻳــﺠــﺎﺑــﻴــﺔ ، و اﻋــﺘــﻦ ﺑﺠﺴﺪك ، و ﺳـﻴـﻨـﻌـﻜـﺲ ذﻟــــــــــــــــﻚ ﻋــــﻠــــﻰ ﻣـــــــــﻈـــــــــﻬـــــــــﺮك اﻟﺨﺎرﺟﻲ.