اﻟﺘﻘﺮب إﻟﻰ اﷲ ﺑﺎﻷﺿﺤﻴﺔ ﻣﻦ أﻋﻈﻢ اﻟﻌﺒﺎدات واﻟﻄﺎﻋﺎت

اﻷﺿـــــﺤـــــﻴـــــﺔ ﻟــــﻔــــﻆ ﻣـــﻔـــﺮد وﺟﻤﻌﻬﺎ اﻷﺿﺎﺣﻲ، ﻣﻌﻨﺎﻫﺎ ﻣﺎ ﻳﻀﺤﻰ ﺑﻪ ﻣﻦ اﻟﺤﻴﻮان، ﻫﺬا ﻓـﻲ اﻟﻠﻐﺔ، أﻣــﺎ ﻓـﻲ اﻻﺻـﻄـﻼح ﻓـــﻬـــﻮ ﻣــــﺎ ﻳـــﺬﺑـــﺢ ﻣــــﻦ ﺑـﻬـﻴـﻤـﺔ اﻷﻧـﻌـﺎم ﻓﻲ ﻳـﻮم ﻋﻴﺪ اﻷﺿﺤﻰ اﻟﻤﺒﺎرك إﻟﻰ آﺧﺮ أﻳﺎم اﻟﺘﺸﺮﻳﻖ ﺗﻘﺮﺑﺎ إﻟﻰ اﷲ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ وﺗﻌﺎﻟﻰ.

إن ﺗــﺎرﻳــﺦ اﻷﺿــﺤــﻴــﺔ ﻗـﺪﻳـﻢ ﺟــــــــًﺪا، اﺑـــــﺘـــــﺪاًء ﻣــــﻦ أﺿــﺤــﻴــﺔ اﺑـــــﻨـــــﻲ آدم ﻋــــﻠــــﻴــــﻪ اﻟــــﺴــــﻼم ﻫـﺎﺑـﻴـﻞ وﻗــﺎﺑــﻴــﻞ، وﻛــﺎﻧــﺖ ﻫـﺬه اﻷﺿــﺤــﻴــﺔ أﺿــﺤــﻴــﺔ أوﻟــــﻰ ﻓﻲ ﺗﺎرﻳﺦ اﻹﺳــﻼم، إن اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻳـــﻘـــﻮل ﻓــــﻲ ﻛـــﺘـــﺎﺑـــﻪ اﻟــﻤــﺠــﻴــﺪ: »َواْﺗـــــُﻞ ﻋــﻠــﻴــﻬــﻢ ﻧــﺒــﺄ اﺑــﻨــﻲ آدم

َََ َْ َِ َِ ﺑﺎﻟﺤﻖ إْذ َﻗﱠﺮﺑﺎ ﻗﺮﺑﺎﻧﺎ ﻓﺘﻘﺒﻞ

ًَ ﻣـﻦ أَﺣﺪﻫﻤﺎ وﻟــﻢ ﻳﺘﻘﺒﻞ ﻣﻦ ا ْﻵَﺧــــﺮ«. ﺳــﻮرة اﻟـﻤـﺎﺋـﺪة اﻵﻳــﺔ ٣٨١.

إن ﻏـــــــــــﺮض اﻷﺿـــــﺤـــــﻴـــــﺔ ﻳﻘﺴﻢ ﺑـﻴـﻦ ﻗﺴﻤﻴﻦ: اﻟـﻐـﺮض اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ واﻟـﻐـﺮض اﻟـﺬاﺗـﻲ، ﻓـﺎﻟـﻐـﺮض اﻻﺟـﺘـﻤـﺎﻋـﻲ ﻫــﻮ أن ﻳﺬﺑﺢ أﻏﻨﻴﺎء اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﺤﻴﻮان ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ اﷲ ﺗﺒﺎرك وﺗﻌﺎﻟﻰ، وﻳـــﻘـــﺴـــﻤـــﻮا ﻟـــﺤـــﻮم اﻷﺿــﺤــﻴــﺔ ﺑـــﻴـــﻦ اﻟــــﻔــــﻘــــﺮاء واﻟــﻤــﺴــﺎﻛــﻴــﻦ واﻟﻤﺤﺘﺎﺟﻴﻦ، اﻟـﺬﻳـﻦ ﻳﻜﻮﻧﻮن ﻣــﺤــﺮوﻣــﻴــﻦ ﻋـــﻦ أﻛـــﻞ اﻟـﻠـﺤـﻢ ﻃــــــﻮال اﻟـــﺴـــﻨـــﺔ، أﻣـــــﺎ اﻟــﻐــﺮض اﻟﺬاﺗﻲ ﻓﻬﻮ أن ﻳﻀﺤﻲ اﻹﻧﺴﺎن ﻟــﻠــﺘــﻘــﺮب إﻟــــﻰ اﷲ ﻋـــﺰ وﺟــﻞ ﻓﻘﻂ.

إن اﻷﺿــــﺤــــﻴــــﺔ ﻟـــﻬـــﺎ ﺣــﻜــﻢ ﻛﺜﻴﺮة ﻣﻦ أﻫﻤﻬﺎ اﻟﺘﻘﺮب إﻟﻰ اﷲ ﻋــﺰ وﺟـــﻞ، وإﺣــﻴــﺎء ﻟﺴﻨﺔ ﺳﻴﺪﻧﺎ إﺑﺮاﻫﻴﻢ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم، واﻟــﺘــﻮﺳــﻌــﺔ ﻋــﻠــﻰ أﻫــــﻞ اﻟـﺒـﻴـﺖ واﻷﺳـــﺮة واﻟـﻔـﻘـﺮاء واﻟﻀﻌﻔﺎء واﻟــﻤــﺴــﺎﻛــﻴــﻦ واﻟــﻤــﺤــﺘــﺎﺟــﻴــﻦ، وﻧـــــﺸـــــﺮ اﻟــــــﻔــــــﺮح واﻟــــــﺴــــــﺮور واﻟـﺴـﻌـﺎدة ﺑﻴﻨﻬﻢ، وأداء ﺷﻜﺮ اﷲ ﻋﻠﻰ ﻧﻌﻤﻪ اﻟﻌﻈﻴﻤﺔ.

ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ إن ﻫﺬه اﻷﺿﺤﻴﺔ ذرﻳــﻌــﺔ ووﺳـﻴـﻠـﺔ ﻹﻇــﻬــﺎر ﺗﻠﻚ اﻟــﻌــﻼﻗــﺔ اﻟـــﻮﻃـــﻴـــﺪة اﻟـــﺘـــﻲ ﻫـﻲ ﻗــﺎﺋــﻤــﺔ ﺑــﻴــﻦ اﻟــﻌــﺒــﺪ ورﺑــــﻪ، إن اﷲ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ وﺗﻌﺎﻟﻰ ﻻ ﻳﺤﺘﺎج إﻟــﻰ ﻟــﺤــﻮم اﻷﺿــﺤــﻴــﺔ وﻻ إﻟـﻰ دﻣﺎﺋﻬﺎ وﻟﻜﻨﻪ ﻳﺤﺐ أن ﻳﻨﻈﺮ إﻟـــﻰ ﻋــﻼﻗــﺔ اﻹﻧــﺴــﺎن ﺑــﻪ وإﻟــﻰ إﺧــــﻼﺻــــﻪ وﻧــﻴــﺘــﻪ اﻟـــﺼـــﺎدﻗـــﺔ، ﻳﻘﻮل اﷲ ﻋﺰ وﺟـﻞ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ اﻟﻤﺠﻴﺪ: »ﻟَ ْﻦ ﻳَﻨَﺎ َل ا َﷲ ﻟُ ُﺤﻮ ُﻣ َﻬﺎ و َﻻ ِد َﻣﺎ ُؤ َﻫﺎ َو ٰﻟَ ِﻜ ْﻦ ﻳَﻨَﺎﻟ ُﻪ اﻟﺘﱠ ْﻘ َﻮ ٰى ﻣﻨُﻜْﻢ«. ﺳﻮرة اﻟﺤﺞ اﻵﻳﺔ ٧٣.

ْإن ﻫـــﺬه اﻷﺿــﺤــﻴــﺔ ذﻛــﺮى ﻟﻘﺼﺔ ﻗﺮآﻧﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻣﺜﺎل أﻋــﻠــﻰ ﻟـﻼﻣـﺘـﺤـﺎن واﻻﺧــﺘــﺒــﺎر، ﻗــــﺪ ﺑـــﻴـــﻦ ﻓــﻴــﻬــﺎ ﻣـــﺜـــﺎل ﻧــــﺎدر ﻻﺳــﺘــﺴــﻼم ﻧـﺒـﻴـﻴـﻦ أﻣــــﺎم أﻣــﺮ اﷲ ﻋﺰ وﺟــﻞ، وذﻛــﺮت ﻗﺼﺔ ﺻـــﺒـــﺮﻫـــﻤـــﺎ واﺳـــﺘـــﻘـــﺎﻣـــﺘـــﻬـــﻤـــﺎ وﻃـــﺎﻋـــﺘـــﻬـــﻤـــﺎ، ﻗــــﺪ أﺣـــــﺐ اﷲ ﻋﻤﻠﻬﻤﺎ وﺗﻘﺒﻠﻪ ﺑﻘﺒﻮل ﺣﺴﻦ وﺟـﻌـﻞ ﻫــﺬه اﻷﺿـﺤـﻴـﺔ ذﻛـﺮى إﻟــﻰ ﻳــﻮم اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ، ﻻ ﺑـﺪ ﻟﻬﺬه اﻷﻣــــــﺔ اﻹﺳـــﻼﻣـــﻴـــﺔ أن ﺗـﻄـﻠـﻊ

ﻋــﻠــﻰ واﻗــﻌــﺔ ﻧـﺒـﻴـﻴـﻬـﺎ إﺑــﺮاﻫــﻴــﻢ وإﺳــﻤــﺎﻋــﻴــﻞ ﻋـﻠـﻴـﻬـﻤـﺎ اﻟــﺼــﻼة واﻟﺴﻼم، وﻻ ﺑﺪ ﻟﻬﺎ أن ﺗﻔﻬﻢ ﻫـﺬه اﻟﻨﺴﺒﺔ إن ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻨﺘﺴﺐ إﻟــــــﻰ اﻟـــﻤـــﻠـــﺔ اﻹﺑـــﺮاﻫـــﻴـــﻤـــﻴـــﺔ، ﻓــﻠــﻴــﺴــﺖ ﻫـــــﺬه اﻷﺿـــﺤـــﻴـــﺔ إﻻ ﺷﻌﺎرا ﻟﻠﻤﻠﺔ اﻹﺑﺮاﻫﻴﻤﻴﺔ، إن اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻗﺪ أﻣﺮ ﻧﺒﻴﻪ ﻣﺤﻤﺪا ﺻــﻠــﻰ اﷲ ﻋــﻠــﻴــﻪ وﺳــﻠــﻢ ﺑــﺄن ﻳﺘﺒﻊ ﻫـﺬه اﻟﻤﻠﺔ اﻹﺑﺮاﻫﻴﻤﻴﺔ، ﻳــﻘــﻮل اﷲ ﺳـﺒـﺤـﺎﻧـﻪ وﺗـﻌـﺎﻟـﻰ: »ﺛُ ﱠﻢ أَْو َﺣ ْﻴﻨَﺎ إِﻟَﻴ َﻚ أَِن اﺗﱠﺒِْﻊ ِﻣﻠﱠَﺔ إِْﺑ َﺮا ِﻫﻴ َﻢ َﺣﻨِﻴ ًﻔﺎ َو َﻣـﺎ َﻛـﺎ َن ِﻣ َﻦ ا ْﻟــ ُﻤــ ْﺸــ ِﺮ ِﻛــﻴــ َﻦ«. ﺳــــﻮرة اﻟـﻨـﺤـﻞ اﻵﻳـــﺔ ٣٢١. إن اﻟـﻨـﺒـﻲ اﻟﻜﺮﻳﻢ ﺻــﻠــﻰ اﷲ ﻋــﻠــﻴــﻪ وﺳـــﻠـــﻢ ﻗـﺪ ﺣـﺮص ﻋﻠﻰ اﻷﺿﺤﻴﺔ، وﺣﺚ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻷﻧﻬﺎ ﻣﻦ أﻫﻢ ﺷــﻌــﺎﺋــﺮ اﷲ ﻋــﺰ وﺟــــﻞ، وﻣــﻦ ﺗﻘﻮى اﻟﻘﻠﻮب، ﻗﺎل رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳـﻠـﻢ: »ﻣﻦ ذﺑــﺢ ﻗﺒﻞ اﻟـﺼـﻼة ﻓﺈﻧﻤﺎ ﻳﺬﺑﺢ ﻟﻨﻔﺴﻪ وﻣـﻦ ذﺑـﺢ ﺑﻌﺪ اﻟﺼﻼة ﻓـﻘـﺪ ﺗــﻢ ﻧـﺴـﻜـﻪ وأﺻــــﺎب ﺳﻨﺔ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ«. )رواه اﻟﺒﺨﺎري(. إن اﻷﺿﺤﻴﺔ ﻟﻬﺎ أﻫﻤﻴﺔ ﻛﺒﻴﺮة وﻣـــﻨـــﺰﻟـــﺔ ﻋــﻈــﻴــﻤــﺔ وﻣــﻜــﺎﻧــﺔ ﺟﻠﻴﻠﺔ، واﻟﺘﻘﺮب إﻟـﻰ اﷲ ﻋﺰ وﺟﻞ ﺑﻬﺎ ﻣﻦ أﻋﻈﻢ اﻟﻌﺒﺎدات واﻟﻄﺎﻋﺎت.