ﺣﺐ اﻟﻨﻔﺲ ﻳﺘﺨﻄﻰ ﻛﻞ اﻟﻘﻴﻢ اﻷﺧﻼﻗﻴﺔ

ﻓﻲ ﻗﺼﻴﺪﺗﻪ اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﻣﻄﻠﻌﻬﺎ »أراك ﻋــﺼــﻲ اﻟــــﺪﻣــــﻊ«، ﻳــﻘــﻮل أﺑــﻮ ﻓﺮاس اﻟﺤﻤﺪاﻧﻲ:

أراك ﻋﺼﻲ اﻟﺪﻣﻊ ﺷﻴﻤﺘﻚ اﻟﺼﺒﺮ .. أﻣﺎ ﻟﻠﻬﻮى ﻧﻬٌﻲ ﻋﻠﻴَﻚ وﻻ أﻣُﺮ؟

وﻗــﺪ ﺗﻔﻠﺴﻒ ﺑﻌﻀﻬﻢ، ﻓـﻈـﻦ أﻧــﻪ أﻣﺴﻚ ﺧﻄﺄ ﻓﺎدﺣﺎ ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟــﻔــﺤــﻞ، ﻋــﻨــﺪﻣــﺎ أﺟـــــﺎب: )ﻧـــﻌـــﻢ.. أﻧــﺎ ﻣﺸﺘﺎق وﻋﻨﺪي ﻟﻮﻋﺔ( »ﻓﻨﻌﻢ« ﺗﺪل ﻋـﻠـﻰ اﻟــﻨــﻔــِﻲ ﻋـﻨـﺪ اﻟــــﺮِد ﻋـﻠـﻰ اﻟــﺴــﺆاِل اﻟـــﻤـــﻨـــﻔـــﻲ، أﻣــــﺎ »ﺑـــﻠـــﻰ« ﻓــﻬــﻲ ﺗـﺜـﺒـﺖ اﻹﺟـــﺎﺑـــﺔ. ﻟـﻜـﻦ أﺑـــﺎ ﻓــــﺮاس ﻟــﻢ ﻳــﻌــﺪم »اﻟــــﻔــــﺮاﺳــــﺔ« وﺿـــــﺮب ﻛــﺮﺳــﻴــﺎ ﻓﻲ اﻟﻜﻠﻮب! ﻷﻧـﻪ أراد ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ أن »ﻳﻨﻔﻲ ﺳــﻠــﻄــﺎَن اﻟــﺤــﺐ وﺳــﻴــﻄــﺮﺗَــﻪ ﻋـﻠـﻴـﻪ« ﻓـــﺠـــﺎءت إﺟــﺎﺑــﺘُــﻪ ﻟــﺘُــﻠــﻘــﻢ اﻟـﺸـﺎﻣـﺘـﻴـﻦ ﺣــﺠــﺮا، وﺑــﻴــﻨَــﻪ وﺑــﻴــَﻦ ﻧـﻔـِﺴـﻪ ﻳـﻘـﻮل:

ﱠً )وﻟﻜﻦ ﻣﺜﻠﻲ ﻻ ﻳﺬاع ﻟﻪ ﺳﺮ(. وﺑﻌﻴﺪا ﻋﻦ ﻫـﺬا اﻟﺨﻼف -اﻟﺬي أﻫــﺮب ﻣﻨﻪ ﻓـــــﺮاري ﻣــﻦ ﺣــﻤــﺎرة اﻟــﻘــﺎﻳــﻠــﺔ، ﻷﻧــﻲ أﺑــﻐــﺾ اﻟــﺨــﻼف وأﻋــــــﺪه ﻣــﻦ ﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﻤﺘﺨﻠﻔﻴﻦ! ﻷﻧﻬﻢ ﻟﻢ ﻳﻔﻬﻤﻮا اﻟﻔﺮق

ﺑــﻴــﻦ اﻟــﺨــﻼف واﻻﺧﺘﻼف- أﺟــﺪﻧــﻲ وﻗـﺪ ﺳﺎﻗﺘﻨﻲ ﻋﻴﻨﺎي ﻟﻠﺒﻴﺖ »َﻣْﺮﺑﻂ اﻟﻔﺮس« وﻫﻮ ﻗﻮﻟﻪ: ُﻣﻌﻠﻠﺘﻲ ﺑﺎﻟﻮ ْﺻ ِﻞ واﻟﻤﻮ ُت دوﻧَ ُﻪ إذا ﻣﺖ ﻇﻤﺂﻧﺎ ﻓﻼ ﻧﺰل اﻟﻘﻄﺮ

وﻛــﺄﻧــﻪ ﻳـﺪﻋـﻮ ﻋـﻠـﻰ اﻟـﺒـﺸـﺮﻳـﺔ ﺑـﺄن ﺗُـــ ْﺤـــﺮ َم اﻟــﻤــﻄــ َﺮ، ﻷﻧـــﻪ ﻣـــﺎ َت َﻋــ َﻄــ ًﺸــﺎ، )ﻋـﻠـﻲ وﻋـﻠـﻰ أﻋــﺪاﺋــﻲ( وﻣــﺎ ﻛــﺎن ﻫﺬا ّّ ﻇﻨﻲﺑﻚ ﻳﺎ أﺑﺎ ﻓـﺮاس أن ﺗﻜﻮن -إﻟﻰ ﻫﺬا اﻟﺤﺪ- أﻧﺎﻧﻴﺎ، ﺣﺘﻰ ﻟﻮ ﻓﻲ اﻟﺤﺐ! ﻓــﺎﻷﻧــﺎﻧــﻴــﺔ ﻃــﺒــﻊ ﻣــﻤــﻘــﻮت، وﺣـــﺮص ﺷــﺪﻳــﺪ ﻋـﻠـﻰ اﻟــﻘــﻮت، وﺗـﺴـﺘـﺤـﻖ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻀﺮب ﺑﺎﻟﻨﺒﻮت! ﻟﻜﻨﻲ أﻋﺬرك ﻓﻬﺬا اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻳﻘﻮل: وﻧـﺸـَﺮُب -إْن ورْدﻧَـــﺎ اﻟﻤﺎَء ﺻﻔﻮا

- .. وﻳﺸﺮُب ﻏﻴُﺮﻧﺎ ﻛــﺪًرا و ﻃﻴﻨَﺎ وﻣﻊ

أﻧﻪ ﻗﺎل ﻫﺬا اﻟﺒﻴﺖ ﻓﻲ ﻣﺠﺎل اﻟﻔﺨﺮ، إﻻ أﻧﻪ ﻳﺤﻤﻞ أﺑﻐﺾ ﻣﻌﺎﻧﻲ اﻷﻧﺎﻧﻴﺔ، اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻤﺜﻞ ﻓﻲ ﻣﺒﺪأ: أﻧﺎ وﻣﻦ ﺑﻌﺪي اﻟﻄﻮﻓﺎن! وﻫﺬا دأب أﺻﺤﺎب اﻷﺛََﺮة -ﻻ اﻹﻳﺜﺎر- وﺣــﺐ اﻟـﻨـﻔـﺲ ﻣــﻦ أﻗﺒﺢ اﻟﻨﻘﺎﺋﺺ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺼﻒ ﺑﻬﺎ ﻧﻔﺲ إﻧﺴﺎن، ﻷﻧــــﻪ ﻳــﺴــﺘــﺄﺛــﺮ ﺑــﻜــﻞ ﺧــﻴــﺮ -ﺑﻨﻈﺮهﻓﻴﺴﺘﺤﻮذ ﻋﻠﻴﻪ ﻟﻨﻔﺴﻪ ﻟﻴﺤﺮم ﻣﻦ ﻟﻪ ﻓﻴﻪ ﻧﺼﻴﺐ، أو ﻣﻦ ﻫﻮ أوﻟﻰ ﺑﻪ.

وأﺳــﻮأ ﻣﺎ ﻓﻲ اﻷﻧﺎﻧﻴﺔ أﻧﻬﺎ ﻣﺸﻮﺑﺔ ﺑـﺎﻟـﻜـﺜـﻴـﺮ ﻣــﻦ اﻟــﻜــﺒــﺮ، ﻷن ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ ﻳﺸﻌﺮ -ﻣﺨﺪوﻋﺎ- أﻧﻪ أوﻟﻰ ﺑﻬﺬا اﻟﺨﻴﺮ ﻣﻦ ﻏﻴﺮه. ﻓﻴﺨﺘﺺ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﺎﻟﻤﻨﺎﻓﻊ اﻟﺪﻧﻴﺔ واﻟﻤﺼﺎﻟﺢ اﻟﺪﻧﻴﻮﻳﺔ. وﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗـﺴـﻴـﻄـﺮ اﻷﻧــﺎﻧــﻴــﺔ ﻋــﻠــﻰ اﻟـــــﺬات ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﺪﻓﻊ ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ إﻟﻰ ﺗﺨﻄﻲ ﻛﻞ اﻟﻘﻴﻢ اﻷﺧــﻼﻗــﻴــﺔ، ﻟﻠﺤﺼﻮل ﻋـﻠـﻰ ﻣﺒﺘﻐﺎه، وﻫﺬا ﻫﻮ ﺣﱡﺐ اﻟﻨﻔﺲ اﻟَﻤﺬﻣﻮم، ﻷَّن ﻣﺤﺒﺔ اﻟﻨﻔﺲ اﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﺗﺪﻓﻌﻨﺎ ﻟﺘﻐﻴﻴﺮ ﻋــﺎداﺗِــﻨــﺎ اﻟـﺴـﻴـﺌـﺔ، وﺗـﺨـﻠـﻖ ﻣـﻨـﺎ أﻧــﺎًﺳــﺎ إﻳـﺠـﺎﺑـﻴـﻴـﻦ، ﻧﻨﺸﺮ اﻟـﺨـﻴـﺮ واﻟــﺘــﻔــﺎؤل، ﻓﻨﺤﻮز رﺿﺎ اﻟﺮب، وﻣﺤﺒﺔ اﻟﺨﻠﻖ.