ﻻ ﺗﻘﻄﻊ ﻋﻨﻖ أﺧﻴﻚ ﺑﺎﻟﻤﺪح

اﻟـﻤـﺪح ﻣﻨﻬﻲ ﻋﻨﻪ ﻓـﻲ ﺑﻌﺾ اﻟـﻤـﻮاﺿـﻊ؛ ﻷﻧـﻪ ﻳﺪﺧﻠﻪ ﺳﺖ آﻓﺎت، أرﺑﻊ ﻓﻲ اﻟﻤﺎدح واﺛﻨﺘﺎن ﻓﻲ اﻟﻤﻤﺪوح. ﻓﺄﻣﺎ اﻟﻤﺎدح ﻓـــﺎﻷوﻟـــﻰ: أﻧـــﻪ ﻗـــﺪ ﻳـــﻔـــﺮط ﻓــﻴــﻪ ﻓــﻴــﻨــﺘــﻬــﻲ ﺑـــﻪ إﻟـــﻰ اﻟـــﻜـــﺬب، واﻟﺜﺎﻧﻴﺔ: أﻧﻪ ﻗﺪ ﻳﺪﺧﻠﻪ ﻓﻲ اﻟﺮﻳﺎء، واﻟﺜﺎﻟﺜﺔ: أﻧﻪ ﻳﻘﻮل ﻣﺎ ﻻ ﻳﺘﺤﻘﻘﻪ وﻻ ﺳﺒﻴﻞ ﻟﻪ إﻟـﻰ اﻻﻃـﻼع ﻋﻠﻴﻪ، واﻟﺮاﺑﻌﺔ: أﻧﻪ ﻗﺪ ﻳَﻔﺮُح اﻟﻤﻤﺪوُح وﻫﻮ ﻇﺎﻟٌﻢ أو ﻓﺎﺳٌﻖ، وذﻟﻚ ﻏﻴﺮ ﺟﺎﺋﺰ.

وأﻣــﺎ اﻟـﻤـﻤـﺪوح، ﻓﻴﻀﺮه اﻟـﻤـﺪح ﻣـﻦ وﺟـﻬـﻴـﻦ: أﺣﺪﻫﻤﺎ: أﻧﻪ ﻳﺤﺪث ﻓﻴﻪ ﻛﺒﺮا وإﻋﺠﺎﺑﺎ وﻫﻤﺎ ﻣﻬﻠﻜﺎن. واﻟﺜﺎﻧﻲ: أﻧﻪ

ُُ إذا أﺛﻨﻲ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﺮح وﻓﺘَﺮ، ورﺿﻲ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻪ، وﻗﻞ ﺗﺸﻤﻴﺮه ﻟﻠﻌﻤﻞ. ﻓـﺈن ﺳﻠﻢ اﻟـﻤـﺪح ﻣـﻦ ﻫـﺬه اﻵﻓــﺎت ﻓـﻲ ﺣـﻖ اﻟﻤﺎدح واﻟﻤﻤﺪوح ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺑﻪ ﺑﺄس.

وﻋﻠﻰ اﻟﻤﻤﺪوح أن ﻳﻜﻮَن ﺷﺪﻳَﺪ اﻻﺣﺘﺮاز ﻋﻦ آﻓﺔ اﻟﻜﺒﺮ واﻟــﻌــﺠــﺐ وآﻓـــﺔ اﻟــﻔــﺘــﻮر، وﻳــﺘــﺬﻛــﺮ أﻧـــﻪ ﻳـﻌـﻠـﻢ ﻣــﻦ ﻧـﻔـﺴـﻪ ﻣﺎ ﻻ ﻳﻌﻠﻤﻪ اﻟــﻤــﺎدح. وﻋـﻠـﻴـﻪ أن ﻳــﻘــﻮل: اﻟـﻠـﻬـﻢ اﻏـﻔـﺮ ﻟــﻲ ﻣــﺎ ﻻ ﻳـﻌـﻠـﻤـﻮن وﻻ ﺗــﺆاﺧــﺬﻧــﻲ ﺑـﻤـﺎ ﻳــﻘــﻮﻟــﻮن، واﺟـﻌـﻠـﻨـﻲ ﺧــﻴــﺮا ﻣﻤﺎ ﻳـﻈـﻨـﻮن، ﻛـﻤـﺎ روي ذﻟــﻚ ﻋــﻦ ﻋـﻠـﻲ ﺑــﻦ أﺑــﻲ ﻃـﺎﻟـﺐ رﺿـﻲ اﷲ ﻋﻨﻪ أﻧﱠﻪ ﻗﺎﻟﻪ ﻟﻤﻦ أﺛﻨﻰ ﻋﻠﻴﻪ. وﻓﻲ اﻟﺤﺪﻳﺚ أّن رﺟًﻼ ﻣﺪح رﺟﻼ ﻋﻨﺪ رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﻓﻘﺎل: »وﻳـﺤـﻚ ﻗـﻄـﻌـَﺖ ﻋـﻨـﻖ ﺻـﺎﺣـﺒِـﻚ إن ﻛــﺎن أﺣـﺪﻛـﻢ ﻣــﺎدًﺣــﺎ ﻻ ﻣﺤﺎﻟﺔ ﻓﻠﻴﻘﻞ أﺣﺴﺒﻪ ﻛﺬا وﻻ أزﻛﻲ ﻋﻠﻰ اﷲ أﺣﺪا«.

َﻣﻦ اﻟﻤ َّﺪاﺣﻮن؟

ﻋــﻦ ﻫــﻤــﺎم ﺑــﻦ اﻟـــﺤـــﺎرث: أﱠن رﺟـــًﻼ ﺟـﻌـﻞ ﻳــﻤــﺪح ﻋـﺜـﻤـﺎن، ﻓـﻌـﻤـﺪ اﻟــﻤــﻘــﺪاد ﻓـﺠـﺜـﺎ ﻋـﻠـﻰ رﻛـﺒـﺘَـﻴـﻪ »وﻛـــﺎن رﺟـــًﻼ ﺿـﺨـًﻤـﺎ« ﻓـﺠـﻌـﻞ ﻳـﺤـﺜـﻮ ﻓـــﻲ وﺟــﻬــﻪ اﻟــﺤــﺼــﺒــﺎء. ﻓــﻘــﺎل ﻟـــﻪ ﻋــﺜــﻤــﺎن: ﻣﺎ ﺷﺄﻧﻚ؟ ﻓﻘﺎل: إن رﺳﻮل اﷲ -ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﻗﺎل: »إذا رأﻳﺘﻢ اﻟﻤﺪاﺣﻴﻦ ﻓﺎﺣﺜﻮا ﻓﻲ وﺟﻮﻫﻬﻢ اﻟﺘﺮاب«.

وﻗﻮل ﻫﻤﺎم ﻫﺬا ﻳﺤﻤﻞ ﻛﺄن ﻫﺬا اﻟﺮﺟﻞ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﺪح ﺣﺘﻰ ﺻـﺪق ﻋﻠﻴﻪ أﻧـﻪ ﻣـــﺪاح، وﻟـﺬﻟـﻚ ﻋﻤﻞ اﻟـﻤـﻘـﺪاد ﺑﻈﺎﻫﺮ ذﻟﻚ اﻟﺤﺪﻳﺚ، ﻓﺤﺜﺎ ﻓﻲ َّوﺟﻬﻪ اﻟﺘﺮاب ، وﻟﻌﻞ ﻫﺬا اﻟﺮﺟﻞ ﻛﺎن ﻣﻤﻦ اﺗﺨﺬ اﻟﻤﺪح ﻋﺎدة وﺣﺮﻓﺔ، ﻓﺼﺪق ﻋﻠﻴﻪ: ﻣﺪاح، وإﻻ ﻓــﻼ ﻳــﺼــﺪق ذﻟـــﻚ ﻋـﻠـﻰ ﻣــﻦ ﻣـــﺪح ﻣـــﺮة أو ﻣــﺮﺗــﻴــﻦ، أو ﺷﻴﺌًﺎ أو ﺷﻴﺌَﻴﻦ. وﻗﺪ ﺑﻴﻦ اﻟﺼﺤﺎﺑﻲ ﺑﻔﻌﻠﻪ: أن ﻣﺮاد اﻟﻨﺒﻲ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﺤﺪﻳﺚ: ﺣﻤﻠﻪَّ ﻋﻠﻰ ﻇﺎﻫﺮه، ﻓﻌﺎﻗﺐ اﻟﻤ

َّﺪاح ﺑﺮﻣﻲ اﻟﺘﺮاب ﻓﻲ وﺟﻬﻪ، وﻫﻮ أﻋﻠﻢ ﺑﺎﻟﻤﻘﺎل. وﻗﺪ ﺗﺄوﻟﻪ ﻏﻴﺮ ذﻟﻚ اﻟﺼﺤﺎﺑﻲ ﺗــﺄوﻳــﻼت، ﻷﻧــﻪ رأى أن ﻇـﺎﻫـﺮه ﺟـﻔـﺎء، واﻟـﻨـﺒـﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﻻ ﻳﺄﻣﺮ ﺑﺎﻟﺠﻔﺎء. ﻓﻘﻴﻞ: إن ﻣﻌﻨﺎه: ﺧـﻴـﺒـﻮﻫـﻢ، وﻻ ﺗﻌﻄﻮﻫﻢ ﺷـﻴـﺌـﺎ، ﻷن ﻣـﻦ أﻋـﻄـﻲ اﻟــﺘــﺮاب ﻟﻢ ﻳﻌَﻂ ﺷﻴﺌًﺎ.

ﻛﺮاﻫﻴﺔ اﻟﺴﻠﻒ ﻟﻠﻤﺪح واﻹﻃﺮاء

ﻗـﺎل ﻣﺎﻟﻚ ﺑـﻦ دﻳـﻨـﺎر رﺣﻤﻪ اﷲ-: )ﻣﻨﺬ ﻋـﺮﻓـﺖ اﻟﻨﺎس ﻟﻢ أﻓﺮح ﺑﻤﺪﺣﻬﻢ، وﻟﻢ أﻛﺮه ذﻣﻬﻢ؛ ﻷن ﺣﺎﻣﺪﻫﻢ ﻣﻔﺮط، وذاﻣﻬﻢ ﻣَﻔِّﺮط(.

ﻗﻴﻞ ﻟﺴﻠﻴﻤﺎن اﻟﺘﻴﻤﻲ: أﻧــَﺖ أﻧــَﺖ، وﻣــْﻦ ﻣـﺜـﻠُـﻚ؟! ﻗــﺎل: ﻻ ﺗـﻘـﻮﻟـﻮا ﻫــﻜــﺬا! ﻻ أدري ﻣــﺎ ﻳـﺒـﺪو ﻟــﻲ ﻣــﻦ رﺑــﻲ -ﻋﺰ وﺟﻞ-، ﺳﻤﻌﺖ اﷲ -ﻋﺰ ﻳـﻘـﻮل: )َوﺑَـــَﺪا ﻟَـُﻬـﻢ ِّﻣـــﻦ ا

َّ ِﷲَﻣــﺎ ﻟَـْﻢ ﻳ ُﻜﻮﻧُﻮا ﻳَْﺤﺘَِﺴﺒُﻮ َن(.

ﻗـﺎل اﻟﺮﺑﻴﻊ ﺑـﻦ ﺧﺜﻴﻢ ﻟﺒﻌِﺾ أﺻـﺤـﺎﺑِـﻪ: ﻻ ﻳـﻐـﺮّﻧَـﻚ ﻛﺜﺮُة ﺛﻨﺎِء اﻟﻨﺎِس ﻣﻦ ﻧﻔِﺴَﻚ ﻓﺈﻧﻪ ﺧﺎﻟٌﺺ إﻟﻴﻚ َﻋَﻤﻠُﻚ. ﻗـــﺎل ﻣــﻄــﺮف: ﻣــﺎ ﻣـﺪﺣـﻨـﻲ أﺣـــﺪ ﻗــﻂ إﻻ ﺗـﺼـﺎﻏـﺮت ﻋـﻠـﻲ

َّ ﻧﻔﺴﻲ .

ﻗﺎل ﻋﻄﺎء اﻟﺴﻠﻴﻤﻲ: ﺳﻤﻌﺖ ﺟﻌﻔﺮ ﺑﻦ زﻳﺪ اﻟﻌﺒﺪي ﻳﺬﻛﺮ أن رﺟًﻼ ﻣّﺮ ﺑﻤﺠﻠﺲ ﻓﺄُﺛﻨﻲ ﻋﻠﻴﻪ ﺧﻴًﺮا ﻓﻠﻤﺎ ﺟﺎوزﻫﻢ ﻗﺎل: اﻟﻠﻬﻢ إن ﻫﺆﻻء ﻟﻢ ﻳﻌﺮﻓﻮﻧﻲ وأﻧﺖ ﺗﻌﺮﻓﻨﻲ.