Al-Watan (Qatar)

إلى الشغور بخطى ثابتة

- جوني منير كاتب لبناني

تكاد المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية تنقضي، ومع ذلك فإنّ الضبابية هي التي تسود مع عدم إنضاج الرؤية للمسار المستقبلي. وما ضاعف من هذا الغموض الأجواء الدولية والإقليمية الملبّدة والغارقة في الصراعات والتجاذبات الحادّة. ذلك أنّ تاريخ لبنان كان حافلاً بالمبادرات الخارجية أكانت دولية أو إقليمية أو الاثنين معاً، والتي كانت تتولّى رعاية الوضع في لبنان والعمل على ترتيب حلول له ولو بالفرض والقوة أحياناً. ويبدو أنّ لبنان يخطو الأيام الأخيرة لولاية الرئيس ميشال عون للدخول في مرحلة الشغور الرئاسي، وسط عجز عن إعادة منح الثقة لحكومة معدّلة، ما ينبئ بصراع سياسي حاد يقارب الفوضى الدستورية. الواضح أنّ الأطراف السياسية اللبنانية فقدت زمام المبادرة نتيجة صراعاتها العنيفة المرتكزة على شهواتها السلطوية ومكاسبها الذاتية. وجاء الترسيم البحري ليسمح باستخراج الغاز من حقل كاريش في مقابل استعار الحملات الداخلية اللبنانية بين سعي لتوظيف سياسي ضيّق وبين تشكيك «بشفافية» ونزاهة ما حصل. أما الأجواء الخارجية فتبدو غير ملائمة في هذه المرحلة رغم التحولات الهائلة التي تلفح الشرق الأوسط. وبدا ذلك واضحاً من خلال الزيارة القصيرة لوزيرة الخارجية الفرنسية إلى بيروت، والتي خلت من أي موقف حقيقي وفعلي. ما يعني أنّه في نهاية هذا الشهر لبنان ذاهب مرة جديدة إلى قدره الغامض. ومع مطلع الشهر المقبل، ستحصل الانتخابات الخامسة في إسرائيل في غضون 4 سنوات، ونتائج هذه الانتخابات ستعني الكثير ما بين نجاح بنيامين نتانياهو بالعودة إلى السلطة أو فشله في ذلك، فما بين الاحتمالين سياستان مختلفتان سيكون لكل منهما تأثيرها على الساحة اللبنانية. وفي آخر استطلاعات الرأي في إسرائيل، أعلن 42% تأييدهم لاتفاق الترسيم في مقابل معارضة 31% وإعلان 27% أن لا رأي لديهم في هذا الشأن. وهو ما يعني بأنّ الائتلاف الحكومي الاسرائيلي الحالي لم يتأثر سلباً في إقرار الاتفاق البحري، وبالتالي فإنّ التنافس سيبقى قوياً حتى إقفال صناديق الاقتراع. وبعدها بأيام معدودة الانتخابات النصفية الأميركية الأشدّ حماوة بين الحزبين الديموقراط­ي الحاكم والجمهوري المعارض منذ فترة بعيدة. وأهمية الانتخابات هذه المرة ليس فقط

في نجاح أو فشل الجمهوريين في تحقيق الاغلبية، وبالتالي الإمساك بالخناق المالي لإدارة جو بايدن، بل خصوصاً بمسألتين أساسيتين: الأولى قياس مدى نجاح ترامب في إحكام قبضته على الحزب الجمهوري، والثانية رصد كيفية تعامل الجمهوريين مع المواقع التي سيخسرونها لناحية الإقرار بالنتيجة أم التشكيك بها، كما كان فعل ترامب باتهاماته بتزوير نتائج الانتخابات الرئاسية منذ سنتين، وهذا سيعني إذا ما حصل، الاستمرار في هزّ ركائز النظام الديموقراط­ي التي لطالما تغنّت به الولايات المتحدة الأميركية. وفي الانتخابات النصفية الأميركية تأثير الملفات السياسية الخارجية يكون ضعيفاً. فالدراسات تؤكّد بأنّ 95% من الناخبين الأميركيين لا يهتمون بالسياسة الخارجية، لكن بالمشاكل المعيشية والحياتية والاجتماعي­ة.

من هنا ردّة الفعل السلبية جداً للإدارة الديمقراطي­ة على قرار اوبك يخفض الإنتاج بمعدل مليوني برميل يومياً. فهذا سيعني حكماً ارتفاعاً في أسعار المحروقات من جديد، وهو ما ينعكس فوراً على مزاج الناخب الاميركي ضد الحزب الديموقراط­ي الحاكم. لا يبدو أن التعويل على مساعدة خارجية لاستعادة لبنان أنفاسه لا تبدو بالسهولة التي يتوقعها الجميع. فالولايات المتحدة الأميركية الغارقة في «دوشتها» الداخلية وما قد ينتج منها، ومواجهتها لروسيا في اوروبا والشروع في خطة احتواء الصين، قد تزداد مشاكلها في الشرق الأوسط مع عودة نتانياهو المحتملة إلى السلطة وتصاعد حال التوتر مع بعض دول المنطقة. أما فرنسا والتي تتولّى مهمّة الاهتمام بالملف اللبناني، فهي غارقة في مشاكلها الاقتصادية الداخلية، وتعمل لتعزيز تواجدها العسكري شرق أوروبا، وتريد تركيز أقدامها عند الشاطئ الشرقي للبحر المتوسط انطلاقاً من الساحل اللبناني. لكن هذا لا يعني أنّ باريس قادرة على إنجاز التسوية المطلوبة في لبنان من دون الدفع الاميركي والمساعدة السعودية. ومنطقة شرق المتوسط على الرغم من اتفاق الترسيم لا تزال حذرة، حيث الخوف من أي تفجير هو رهن أي لحظة، بالمقابل كادت مزايدات البازار الانتخابي في إسرائيل أن تطيح بالترسيم البحري مع لبنان تحت عنوان الضمانات الأمنية في الاتفاق. لكن الرئيس الأمريكي جو بايدن كان مصراً على إنجازه قبيل الانتخابات الأمريكية والإسرائيل­ية، ما سمح بالإعلان عن الاتفاق بين بيروت وتل أبيب. حيث حرص بايدن خلال اتصاله مع عون على القول إن الاتفاق هو الممر الإلزامي للحدّ من حال الانهيار والدخول في مشروع إعادة الاستقرار ووقف الارتطام. ومع إسرائيل كان الضغط على يائير لابيد المرتبك بسبب وضعه المحشور، بأن تسويق الاتفاق سيؤدي إلى تحسين صورته في الانتخابات لا العكس، الأزمات اللبنانية تتطلب إعادة رسم المشهد من جديد، والانتقال إلى مرحلة مختلفة عن السابق، وهو ما يتطلب تسويات وأثماناً، وحدها واشنطن قادرة على تأمينها. أضف إلى ذلك، الاستهتار الدائم للطبقة السياسية اللبنانية، والتي ستزداد أنانيتها كما بدأ يظهر، ما سيفاقم من حجم التعقيدات وحال الفوضى التي يعاني منها لبنان منذ فترة.

} الجمهورية اللبنانية

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar