Al-Watan (Qatar)

ّ الله بيننا بالمرصاد!

-

قالَ «الذهبي» في ترجمته للإمامِ «علي بن أبي الطيب»: إنه حُمِلَ إلى السُلطانِ «محمود بن سبكتكين» ليسمعَ وعظه، فلما دخلَ جلسَ بلا إذن، وأخذَ في روايةِ حديثٍ بلا أمر، فغضبَ السُلطان، وأمرَ غُلاماً له فلكمَ الإمام لكمةً قوية! فأخبرَهُ بعض الحاضرين منزلة الإمامِ في العِلمِ والفِقه. فاعتذرَ إليه السُلطان، وأمرَ له بمالٍ، فلَمْ يقبلْهُ منه. فقالَ له السُلطان: يا شيخ، إن للسُلطانِ صولة، وهو مُحتاج إلى السياسة، ورأيتُ أنكَ تعديْتَ الواجب، فاجعلْني من حِل! فقالَ له الإمام: اللهُ بيننا بالمِرصاد، وإنما أحضرْتَني للوعظ، وسماعِ أحاديثِ النبي صلى الله عليه وسلم، وللخشوع، لا لإقامةِ قوانينِ الرئاسة! فخجلَ السُلطانُ من فِعلته، وقامَ وقبلَ رأسه، واعتذرَ إليه! وقالَ «الذهبي» مُعَلقاً على القصة: رُتبة «محمود بن سبكتكين» في الجهادِ رفيعة، ولهُ في الهندِ فُتوحات مليحة، ولهُ هنات وسقطات، هذه منها، وقد ندمَ واعتذرَ، فنعوذُ باللهِ من كُل متكبرٍ جبار! يحدثُ للإنسانِ أن يخونَهُ نُبله مرةً وما أجمل قول علي بن الجهم: ومن ذا الذي تُرضى سجاياه كلها كفى المرءُ نُبلاً أن تُعد معايبه يحدثُ أن يتصرفَ الإنسانُ مرةً على غيرِ ما هو عليه فعلاً، فيقولُ كلمةً ما كانَ بالعادةِ يقولها، أو أن يتصرفَ تصرفاً لم يعهدْهُ هو من نفسه، ومن العدلِ أن نُقِيلَ للكريمِ عثرته، ومن أُصُولِ الفِقهِ أنه إذا كثُرَ الماءُ لم يعُدْ يحتملُ الخبث! على أن النُبلاءَ يعتذرون، والخُبثاء يستكبرون! حين غضبَ مُوسى عليه السلام، وألقى الألواح، كانَ أول ما فعله حين ذهبتْ عنه سَوْرَةُ الغضبِ أنه أخذَ الألواح! وحين وكزَ النبي صلى الله عليه وسلم سواد بن غزية وهو يُسوي الصفوفَ للمعركة، وحين شكا إليه سواد أنه قد أوجعه، ناولَهُ العود الذي كانَ في يده، وكشفَ عن بطنه، وقالَ له: استقدِ يا سواد! مَن أخطأَ فعادَ كانَ فيه شيء من آدم عليه السلام، فعندما أخطأَ عادَ واسترجع، ومَن أصر كانَ فيه شيء من إبليس، فعندما أخطأَ تولى واستكبر!

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar